في مشهدٍ غير مألوف صَعَدت مجموعة من الشابات سطح أحد المنازل بمدينة غزة، يحملن مجموعة من الخلايا الشمسية بأياديهن الناعمة التي اعتادت على الأعمال الهادئة، لتبدأ الفتيات بعمر الزهور تركيبها.
فالشابات قررن أن يخرجن عن المألوف، ويعملن في مجال يحتكره الرجال، متجاهلات الانتقادات والتنمر بحقهن، وبدأن بتركيب خلايا شمسية للمنازل والمؤسسات في مدينة غزة.
اجتمعت الشابات في فريق يعد الأول من نوعه يعمل في مجال تركيب الطاقة الشمسية بكافة مشتقاتها وينافسن الشباب على ذلك، بعد دراستهن في تخصصٍ أيضاً يعد من التخصصات العلمية الجديدة.
رماح البحيصي (20 عامًا)، إحدى الشابات العاملات عبرت عن سعادتها بتخصصها لأنها "تثبت نفسها، وتتحدى العادات والتقاليد التي تضع محددات لعمل المرأة، خاصة في الأعمال الشاقة"، وفق ما ترى.
وتقول المهندسة البحيصي : "دخلت التخصص لأنه حديث وفريد، ولم يسبق أن دخلته فتاة، وكنت من أول من التحقن به، رغم الانتقادات والحديث عن مناسبه الشباب أكثر".
وتضيف: "اليوم نعمل بجانب الشباب، ونشارك في معظم الأعمال، سواء اللحام أو التمديدات وتجهيز الشبكة، وحمل البطاريات، وألواح الطاقة (الخلايا)، والقضبان الحديدية؛ نكمل بعضنا، ونشعر بسعادة، لأننا نحب التخصص والعمل فيه".
وتشير البحيصي إلى أنها تعمل مع الفريق من الساعة التاسعة صباحًا حتى السادسة مساءً؛ لافتةً إلى هذا العمل مناسب للفتاة التي لديها رغبة أو بنية جسمانية تتحمل مشقة العمل.
وترى الشابة أنها أثبتت نفسها في المجال، وترغب في الاستمرار فيه؛ وتطمح لافتتاح شركة "أون لاين" على الأقل في المنظور القريب، لاستقبال طلبات الزبائن، ويكون العمل فيها للفتيات بشكلٍ كامل.
غادة زكي كريم درست هندسة وتشغيل وتركيب وصيانة أنظمة الطاقة الشمسية، لجأت للدراسة في هذا التخصص لرؤيتها الخاصة بأن البطالة قد تفشت في قطاع غزة في التخصصات التقليدية فحاولت وزميلاتها البحث عن تخصص جديد يوفر لها فرصة عمل جيدة.
كسر الحواجز الاجتماعية
وحاولت كريم وفق حديثها لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أن تبحث عن تخصص جديد، رغم التقاليد والحواجز التي يمكن أن يضعها المجتمع الغزي، والنظرة الاجتماعية لمثل هذه التخصصات بالنسبة للفتيات تحديداً.
وتقول:" استطعت أنا وزميلاتي كسر الحواجز الاجتماعية والدراسة والعمل في هذا المجال، بحيث يقمن بكل ما يتعلق بعملهن من تركيب وصيانة وحمل ولحام بحيث نقوم بكل ما هو مطلوب من مخرجات كالذكور بالضبط".
وأشارت كريم إلى أنها وزميلاتها يحاولن إثبات أنفسهن في عملهن، ليكي لا يصبحن عالة على المجتمع بعد دراسة هذا التخصص"
طموح وسط التنمر
وتطمح كريم أن تكمل في هذا المجال، وأن تعمل أكثر في المجال، لفتح عمل ومشروع خاص بها في سوق العمل، بعد دراسة متطلبات السوق.
ولم تخف كريم تعرضها للانتقادات والتنمر على خلفية عملها، مؤكدةً أنها لا تلتفت لهذه الانتقادات لقناعتها أن أي عمل يمكن أن يعرض صاحبه للتنمر والانتقاد، وإذا ما أعطتها اهتماماً فلن تعمل بشكل جيد.
احتياج السوق للطاقة الشمسية
وبرز العمل في مجال الطاقة المتجددة والخلايا الشمسية في قطاع غزة تحديداً بعد الحاجة الملحة لها بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء والأزمة التي ترافق الفلسطينيين منذ سنوات عديدة.
هذا الأمر والحاجة العالمية للطاقة المتجددة خلقت طلباً عليها في سوق العمل وهو ما تجسّد بإقرار مجلس الوزراء الفلسطيني للاستراتيجية العامّة للطاقة المتجددة والمصادقة على قانون الطاقة المتجددة بهدف تنمية مصادر الطاقة البديلة وتعزيز استخدامها في جميع القطاعات.
وبعيداً عن فكرة التنمر، تشير كريم إلى أن المجتمع بدا وأنه يتقبل فكرة عمل المرأة في كافة المجالات لضعف وترهل الوضع الاقتصادي.
إصرار على العمل باتقان
أما أكثر ما تتعرض له كريم وزميلاتها هو حول كيفية حمل الخلايا الشمسية والتقاط الأدوات الخاصة بالعمل كـ"المقدح"، والطلوع على سطح المنازل، وهو ما يجعلها وزميلاتها الإصرار على العمل بجد واجتهاد للإجابة على كافة التساؤلات بعمل مجدٍ ومتقن.
وأوضحت كريم، أن سوق العمل يحتاج لإتقان في العمل وإثبات للوجود في المجال، للمنافسة وتحقيق الإنتاج الجيد والنجاح المتميز فيه، وهو مايدفعها وزميلاتها للتعلم أكثر في المجال لمواجهة أي مشكلات تتعرض لها.
ويعاني قطاع غزة من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة جراء استمرار الحصار الإسرائيلي الخانق والتضييق على قطاع غزة، الأمر الذي زاد من البطالة وقلل فرص العمل لدى كافة شرائح الخريجين وكدس من أعداد المتعطلين منهم.
ss