مجلة إيكونوميست: تغيير الوجوه في الانتخابات الفلسطينية ضرورة

الساعة 03:37 م|29 يناير 2021

فلسطين اليوم

تحدثت مجلة "إيكونوميست" عن الانتخابات الفلسطينية وضرورة تغيير الوجوه، وعلقت أن الكثير من الفلسطينيين كانوا صغارا لتذكر السنة التي تولي فيها محمود عباس رئاسة السلطة عام 2005، وانتخب لمدة 4 أعوام على فترتين، لكنه لم يعقد انتخابات أخرى وبقي في الحكم منذ ذلك الوقت وربما انتخب لفترة جديدة.

فقد أعلن عباس في 15 كانون الثاني/ يناير عن أول انتخابات في المناطق المحتلة منذ 15 عاما. وعبر الكثير من الفلسطينيين عن شكوكهم لأن الدعوة للانتخابات هي عادة لعباس الذي يكره تعريض قبضته على السلطة للخطر.

وربما كان جادا هذه المرة. فعلى خلاف الدعوات السابقة فقد حدد موعدا في أيار للانتخابات التشريعية وللرئاسية في تموز/يوليو.

وحتى لو نظمت فلن تجلب الكثير من التغيير لأن عباس قد يكون المرشح الوحيد لمنصب الرئيس. ومن هنا فإعلانه لا يعكس رغبة بوجوه طازجة أو مسار جديد. وهي لفتة للرئيس الجديد في واشنطن بعد سنوات من المعاناة في ظل إدارة دونالد ترامب، حيث لم تصل فيها العلاقات مع الولايات المتحدة إلى هذا المستوى من السوء منذ ثمانينات القرن الماضي. ويأمل عباس ببداية جديدة مع بايدن، لكن أمله قد يخيب نظرا لانشغال الإدارة الجديدة ولعدم وجود وقت للدخول في الدبلوماسية المغلقة بين "إسرائيل" والفلسطينيين.

ورغم دعم ثلاثة من أربعة فلسطينيين للانتخابات إلا أنهم ليسوا متحمسين للخيارات المتوفرة أمامهم. ووجدت دراسة استطلاعية نظمها في كانون الاول/ديسمبر مركز استطلاعات مهم أن نسبة 60% من الفلسطينيين تريد استقالة عباس الذي قد يخسر أمام إسماعيل هنية زعيم حركة حماس في غزة. وربما لن ترشح هذه مرشحا، فتجربتها في الحكم كانت كارثة. وتحولت عزة الواقعة تحت حصار "إسرائيلي" ومصري إلى سجن مفتوح يعيش فيه أكثر من مليوني نسمة. ومن الأفضل الحفاظ على عباس كغطاء بدلا من تحمل مسؤولية الضفة الغربية أيضا. ولا توجد هناك وجوه قوية لتحدي عباس، وربما كان مروان برغوثي الوجه الوحيد القادر على هزيمة عباس والزحف منتصرا نحو الحكم لكنه في السجن ويقضي عددا من المؤبدات بسبب دوره في الانتفاضة الثانية.

أما بالنسبة للبرلمان الذي ظل معطلا لأكثر من عقد بسبب الخلاف بين حماس وفتح. فقد قالت نسبة 34% من الفلسطينيين أنهم سيختارون حماس و38% فتح، مع أن حماس فازت في انتخابات 2006 بنسبة 44%. ومالت بقية المشاركين في الاستطلاع للتصويت إلى جانب أحزاب ثالثة أو أنها لم تقرر بعد. ولو استطاعت حماس الحصول على أصوات جيدة فستحصل على موطئ قدم لها في الضفة الغربية التي تعرضت فيها لضربات من "إسرائيل" والسلطة الوطنية.

ويعارض الكثير من رجال الرئيس عقد الانتخابات. وهو قرار يحمل الكثير من المخاطرة لعباس ولكنه يأمل بالحصول على تفويض جديد وبادرة حسن نية من واشنطن.

ومن الصعب التذكر الآن أن العلاقات مع ترامب بدأت ودية، فبعد لقائه بالبيت الأبيض في أيار/مايو 2017 قال عباس له "معك، لدينا أمل" لكن العلاقة انقطعت بعد قرار الرئيس الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها.

وساءت الأمور في 2018 عندما قطع ترامب الدعم عن السلطة الوطنية وبرامج تدريب وتسليح قوات الأمن، وكذا قطع الدعم عن منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (إونروا). وأغلق القنصلية الأمريكية في القدس التي كانت تخدم المصالح الفلسطينية.

وفي 2020 أعلن عن "صفقة القرن" المتحيزة مع "إسرائيل". وفاقم عباس المشكلة العام الماضي عندما توقف عن رفض المقاصة التي تجمعها "إسرائيل" للفلسطينيين كضريبة. وذلك بعد تلويح نتنياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية.

وتغطي الأموال هذه نسبة 60% من ميزانية السلطة. وبدونها لا يمكن دفع رواتب العاملين في المؤسسات المدنية. وتم تخفيض رواتبهم للنصف، حيث قبل بعضهم هذا كنوع من التضحية لقضية عادلة.

ورفض عباس التخلي عن قراره بدون نصر دبلوماسي، ولكنه تراجع بهدوء في تشرين الثاني/نوفمبر وبعد معاناة الاقتصاد الفلسطيني. خاصة أن 1 من 6 فلسطيني يعمل مع الحكومة والتي تدفع رواتب أحسن من القطاع الخاص. وارتفعت نسبة البطالة إلى 19% في 2020 من 13% عام 2019. ومن هنا كان انتصار بايدن بمثابة هواء جديد. ويجب عدم التعويل كثيرا على التغير في المواقف الأمريكية.

فقد وعد بايدن بإعادة العلاقات والدعم ولكنه لن يلغي الكثير من القرارات التي اتخذها سلفه. وكان هذا واضحا في جلسة المصادقة على وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن حيث سئل عن السفارة الامريكية في القدس وأجاب بشكل واضح أنها باقية "نعم، نعم".

ولا يعتبر الرئيس الجديد صانع معجزة، فهو لا يستطيع إنهاء الخلاف بين الفلسطينيين أو وقف النزاعات الصقورية في السياسة "الإسرائيلية".

وقضى الأمريكيون ثلاثة عقود لتسوية النزاع لكنهم فشلوا، حتى الرؤساء من أصحاب النية الحسنة.

وجدول بايدن حافل ولديه رأسمال سياسي محدود ولا وقت لديه للتسوية السلمية.

وتتراوح مواقف الفلسطينيين حول المستقبل، وهناك نسبة 2% تؤمن بدولة فلسطينية بعد خمسة أعوام، فيما ترى نسبة أخرى الوضع القائم سيستمر. وتدعم نسبة 63% المقاومة الشعبية السلمية. ونسبة 44% في المقاومة المسلحة و44% تدعو لحل السلطة الوطنية ونسبة 29% تدعم التخلي عن فكرة حل الدولتين والدفع باتجاه دولة ثنائية القومية بين نهر الأردن والبحر المتوسط.

وسيجد هذا الخيار مقاومة في "إسرائيل" مثل خيار الانتفاضة واستخدام العنف فيه الذي سيؤثر على مواقف الرأي العام من الفلسطينيين في الخارج وإسرائيل.

والنقاش الحاضر في مقاهي الضفة الغربية أن عباس قد يفوز بفترة أخرى لكنه لن يقدم سوى الأفكار المكررة التي لم تغير من الواقع خلال الـ 16 عاما التي حكم فيها.

وعلقت المجلة في افتتاحيتها أن الحل هو تخلي عباس وفتح المجال أمام قيادة جديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقالت إن الفلسطينيين يستحقون أفضل من حركتي فتح وحماس.

وأشارت إلى أن قرار الرئيس رفض المقاصة وما جلبه من أزمة على الفلسطينيين بأنه مثال عما يحدث من القيادة في المناطق المحتلة. ومع أن "إسرائيل" تتحمل مسؤولية كبرى عن معاناة جيرانها إلا أن الألم تفاقم من السياسات التي يتخذها القادة الفلسطينيون ومضرة بالنفس.

فالقادة العنيدون الذين يحكمون الضفة الغربية وغزة يبدو أنهم منشغلون بالحفاظ على سلطتهم أكثر من تحسين حياة المواطنين و "يستحق الفلسطينيون" أفضل من هؤلاء.

وتعلق المجلة أن السلطة الوطنية التي تحكم الضفة الغربية أصدرت في الآونة الأخيرة عددا من الأصوات كاستئناف التنسيق الأمني مع "إسرائيل" وإصلاح سياساتها بدفع المساعدات لعائلات الأسرى الفلسطينيين لدى "إسرائيل" والتي يراه المسؤولون الأمريكيون بأنها "رواتب للقتل"، والأهم من كل هذا هي دعوة عباس إلى انتخابات تشريعية ورئاسية.

وتساءلت المجلة: هل يمكن لأحد الثقة بعباس؟ فهو في السنة الـ 17 من الولاية الرابعة له كرئيس، وأعلن عن انتخابات في السابق ليلغيها، ولو عقدت فستكون وبشكل محتمل عملية تقطيب بين حركتي فتح وحماس التي تدير غزة.

وكشف العقد ونصف الماضي أن أيا منهما لا يصلح للحكم. وكانت آخر مرة ذهب فيها الفلسطينيون لصناديق الاقتراع في 2006 حيث هزمت حماس فتح في الانتخابات التشريعية.

ووصفت المجلة الوضع في الضفة وغزة بأنه نظام الحزب الواحد. وفي غزة يعتبر الوضع سيئا مع أنه في الضفة أفضل بقليل مع أن عباس يحكم عبر المراسيم الرئاسية وبدون أي ملمح للمحاسبة.

ومع أنه في سن الـ 85 عاما إلا أنه يرفض تحضير خليفة له أو تعجيل رحيله والخروج من الحكم.

فالرئيس ومجموعة كبار السن حوله لا يبعثون على الثقة حتى من الحلفاء المفترضين.

وتتهم الصحيفة "إسرائيل" التي تقوم بتغذية الخلل الفلسطيني، وهذا أمر مخجل. فحصارها على غزة بالتعاون مع مصر حولت المنطقة إلى ما ينظر إليه على "سجن مفتوح".

وتجاهل نتنياهو العملية السلمية ولا أي من المنافسين لهم المتطلعين للفوز في آذار/مارس.

وقال منافسه الشعبي جدعون ساعر أن حل الدولتين هو مجرد "وهم". ولهذا السبب هناك عدد غير قليل من الفلسطينيين يفضلون مواجهة "إسرائيل" بالقوة وعبر انتفاضة.

ولا تتحمل "إسرائيل" مسؤولية فشل حماس وفتح في عقد مصالحة، كما أن حصارها للفلسطينيين ليس السبب الرئيس في الحياة القاتمة التي تواجههم.

والمشكلة تنبع من القادة الذين خذلوهم. ووعد جوزيف بايدن بإعادة المساعدات للفلسطينيين والعلاقات الدبلوماسية التي قطعها دونالد ترامب.

وما يمكن فعله قليل لهم طالما ظلت لديهم قيادة رهيبة.  وعلى عباس وقادة حماس التخلي عن السلطة وفتح المجال أمام وجوه جديدة وليست ملوثة.

ويجب أن يحصل الفلسطينيون على انتخابات حرة وفرصة عادلة لاختيار الحكومة الجديدة. مع أن هذه ليست ضامنا لتحسين الأوضاع. ولا تعطي نتائج الاستطلاعات صورة واضحة، وربما وجد الكثير من الناخبين التشدد جذابا.

وفرصة التغيير الحقيقي تظل منعدمة طالما لم يتخل قادة اليوم عن السلطة. ومن حق الناخبين اختيار حكومتهم وطردها بعد أربعة أعوام لو فشلت.

كلمات دلالية