طرابلس تتحول لمشهد درامي والمحتجين يحرقون بلديتها

الساعة 03:30 م|29 يناير 2021

فلسطين اليوم

تحوّلت الاحتجاجات في طرابلس شمالي لبنان إلى مشهد درامي ليل الخميس- الجمعة مع إقدام محتجين على إحراق مبنى بلدية "طرابلس" التراثي وبعثرة محتوياته إضافة إلى اقتحام مبنى جامعة العزم التابع للرئيس نجيب ميقاتي ورشقه بالحجارة، بعدما تحوّلت منازل نواب المدينة إلى هدف للمواطنين الغاضبين من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ومن قرار الإقفال العام بسبب جائحة كورونا.

ولم تتضّح بعد أبعاد هذه التحركات في ظل قراءات متعددة لخلفياتها بين من يراها عفوية نتيجة الأوضاع الحياتية والاجتماعية المتردّية والجوع والفقر وبين من يراها تظاهرات مشبوهة ومرتبطة بجهات سياسية تستغلّها وتحرّكها عن بُعد للضغط على الرئيس المكلّف سعد الحريري في بيئته ودفعه إما الى الاعتذار عن التأليف، أو للسير بطرح رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تراجع عن موافقته على تشكيلة من 18 وزيراً ويريد تشكيلة من 20 وزيراً بإضافة درزي وكاثوليكي إليها وبانتزاع حقيبتيْ الداخلية والعدل من الرئيس الحريري وعدم التدخّل في تسمية الوزراء المسيحيين والتعرّض لصلاحيات رئيس الجمهورية.

وبين فرضية التحرك العفوي وفرضية الاستغلال والتوظيف السياسي، تكبر المخاوف من أن تشكّل احتجاجات طرابلس شرارة ثورة تمتد إلى المناطق اللبنانية كافة في حال لم يتمّ تدارك فورة الغضب والاحتقان، على الرغم من أن التحركات التي شهدتها مناطق متفرّقة ما زالت خجولة وتقتصر على قطع طرقات وإشعال دواليب لبعض الوقت قبل أن يتدخّل الجيش لإعادة فتحها.

وفي ضوء احتدام المشهد في طرابلس الذي بلغ حدّ إحراق مبنى البلدية، وعدم وجود حماية أمنية في محيطه، برز موقف لافت للرئيس سعد الحريري حمل للمرة الأولى انتقاداً إلى الجيش اللبناني الذي اتّهمه بالوقوف متفرجاً، رافضاً "رمي التُهم على أبناء طرابلس والعودة إلى نغمة قندهار".

وجاء في بيان الحريري: "ما حصل في مدينة طرابلس هذه الليلة، جريمة موصوفة ومنظّمة يتحمّل مسؤوليتها كل من تواطأ على ضرب استقرار المدينة وإحراق مؤسساتها وبلديتها واحتلال شوارعها بالفوضى".

ورأى "أن الذين أقدموا على إحراق طرابلس مجرمون لا ينتمون للمدينة وأهلها، وقد طعنوها في أمنها وكرامتها باسم لقمة العيش. ومن غير المقبول تحت أي شعار معيشي أو سياسي، طعن طرابلس من أي جهة أو مجموعة مهما كان لونها وانتماؤها".

وأكد: "إننا نقف إلى جانب أهلنا في طرابلس والشمال، ونتساءل معهم: لماذا وقف الجيش اللبناني متفرّجاّ على إحراق السرايا والبلدية والمنشآت، ومن سيحمي طرابلس إذا تخلّف الجيش عن حمايتها؟ هناك مسؤولية يتحمّلها من تقع عليه المسؤولية، ولن تقع الحجة على رمي التهم على أبناء طرابلس والعودة إلى نغمة قندهار".

وأضاف: "إذا كان هناك من مخطّط لتسلّل التطرّف إلى المدينة، فمن يفتح له الأبواب؟ وكيف للدولة أن تسمح بذلك في مرحلة من أسوأ وأخطر المراحل في تاريخ لبنان".

وختم قائلا: "طرابلس لن تسقط في أيدي العابثين، ولها شعب يحميها بإذن الله. وللكلام صلة لوضع النقاط على الحروف".

أما رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، فأكد أنه "لا تكفي الإدانة لتعويض طرابلس ما دفعته من أثمان باهظة بتوظيف ساحاتها في توجيه الرسائل السياسية النارية".

واعتبر "أن خسارة طرابلس لا تقتصر على محاولة طمس تراثها وتاريخها، وإنما في العبث والشغب الذي أراد تشويه صورتها، وحاضرها، وما تختزنه من قوة إرادة صلبة لمواجهة التحديات".

وقال: "المجرمون الذين أحرقوا بلدية طرابلس، وحاولوا إحراق المحكمة الشرعية، وعاثوا فساداً في المدينة ومؤسساتها الرسمية والتربوية والاقتصادية، إنما عبّروا عن حقد أسود دفين على طرابلس وعنفوانها"، مضيفاً: "التحدّي الآن هو في إسقاط أهداف هؤلاء المجرمين، بالقبض عليهم، واحداً واحداً، وإحالتهم إلى القضاء لمحاسبتهم على ما ارتكبوه بحق طرابلس وأبنائها الصامدين. والتحدّي أيضاً بفتح تحقيق يحدّد المسؤوليات في السماح بهذا التمادي الفاضح باستباحة شوارع طرابلس ومؤسساتها.

والتحدّي الذي نلزم به أنفسنا، هو بأننا سنحبط مخطّط العابثين، من خلال وعد بالعمل سريعاً على إعادة تأهيل مبنى بلدية طرابلس، ليبقى معبّراً عن شموخ المدينة وتراثها النقي المتجذّر عبر التاريخ".

من جهته، رأى الحزب التقدمي الاشتراكي أن "طرابلس وأهلها تدفع مجدداً، أقسى الأثمان بفعل الإهمال والظلم التاريخي الذي طالها لعقود وسنوات، وعمّق أزماتها وحرمانها، وجعل من فقر الناس وجوعهم وقوداً قابلاً للاشتعال في كل لحظة".

واعتبر في بيان أن "طرابلس تتحوّل اليوم بفعل كل هذا التخلّي المريب، إلى ساحة تحترق فيها عذابات الناس على مذابح صراعات أكبر. ويبقى العلاج الوحيد في التوجه المباشر إلى دعم حقيقي وفعلي للعائلات الفقيرة والمحتاجة بدءاً من طرابلس، لنزع هذا الفتيل من أيدي كل من تسوّل له نفسه استغلال مطالب الناس المحقة لإذكاء نيران الأزمات".

وختم: "لعلّه الأجدى بالمعنيين، تأليف الحكومة في أسرع وقت لمواجهة كل هذه التحديات الخطيرة. ليس الوقت وقت ألاعيب سياسية وتصفية حسابات، بل هو وقت التصرف المسؤول لتأمين حقوق الناس وحماية الدولة والوطن والكيان".

كلمات دلالية