كيف أفلتت السعودية من جريمة خاشقجي؟

الساعة 02:56 م|29 يناير 2021

فلسطين اليوم

تساءل المعلق ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، عن الطريقة التي أفلتت فيها السعودية من جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

وفي مقاله الذي نشرته مجلة "فورين بوليسي" قال إن تدفق المستثمرين على السعودية للمشاركة في مؤتمر استثماري يؤكد ألا أحد يعرف ماذا تعني المحاسبة لمحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي.

وقال إن المؤتمر الذي افتتح يوم الأربعاء ويعرف رسميا بـ "مبادرة استثمار المستقبل" ويلقب بـ "دافوس الصحراء" وهو لقب أزعج هيئة مؤتمر دافوس السنوي في سويسرا، التي يريد أفرادها مثل بقية العالم الحفاظ على ماركتهم ولا يريدون بأن ترتبط بالسعودية أو محمد بن سلمان.

ويرى الكاتب أن محاولة الابتعاد تقترب من نهايتها، فقد عادت الشركات والمؤسسات المالية للتعامل مع الرياض بشكل طبيعي، كما تظهر قائمة "نخبة" من مدراء وول ستريت الذين طاروا هذا الأسبوع إلى السعودية "وانتهت الأيام التي رفض قادة الخدمات المالية المشاركة خوفا من الثمن على سمعتهم وارتباطهم بولي العهد بعد جريمة قتل جمال خاشقجي في 2018.

ولم يتم العثور على بقايا الصحافي الذي كان مرة مقربا من دوائر السلطة أبدا. لكن المستثمرين قالوا الآن إن هناك صفقات يجب عقدها".

وهم يراهنون على أن التزام منظمات حقوق الإنسان والصحافيين ونواباً في الكونغرس الأمريكي على تحميل السعودية المسؤولية ومحاسبتها لا تجدي، وربما كانوا محقين.

وقال إن هناك توقعات في واشنطن بأن السعوديين سيجدون وقتا صعبا خلال إدارة جوزيف بايدن- كامالا هاريس، فبعد كل هذا تعهد بايدن بإعادة النظر في العلاقة مع السعودية والتأكد من أن الولايات المتحدة لا تتخلى عن قيمها على باب صفقات الأسلحة أو شراء النفط. وقد أوفى بوعده بعد أدائه القسم، حيث أعلن عن تجميد صفقات الأسلحة التي صادق عليها سلفه ولو مؤقتا.

ويعلق كوك أن السعودية هي حليف إشكالي، فخلال السنوات الخمس الماضية، شن ولي العهد حملة عسكرية عبثية في اليمن قتلت وجرحت عشرات الألاف من الناس. وأشرف على فريق القتل الذي قطّع جثة خاشقجي، وقام بملاحقة الإصلاحيين في السعودية، اعتقالهم وانتهاكهم، وقاد حملة ضد قطر التي وإن لم تكن حليفا نموذجيا، إلا أنها تعتبر شريكا أمنيا حيويا لواشنطن. كما أن هناك سؤالا عالقا حول دور مواطني المملكة في الهجمات على نيويورك وواشنطن في 2001. ورغم أن السعودية تريد من الأمريكيين نسيان الأمر، إلا أن "15 شابا على تلك الطائرات كانوا سعوديين وليسوا قطريين".

ويقول كوك إن محمد بن سلمان، أشرف على تغييرات اجتماعية غيرت حياة المواطنين السعوديين، لكن هذا لا يلغي وبالكامل الرغبة المنطقية لمحاسبة السعوديين على التجاوزات الكثيرة، والقيام بهذا الأمر أصعب مما يبدو.

وعلّق أنه لم تكن هناك فرصة أبدا يقوم فيها المجتمع الدولي التجاري لشطب السعودية من دائرة اهتمامه.  صحيح أن مدراء الشركات ابتعدوا لفترة عن السعودية، إلا أنها ظلت وحتى في ظل الموجة الدولية على جريمة قتل خاشقجي الشنيعة المكان الذي يمكن تحقيق صفقات ماليه فيه.

ولأن هذا شرط لا غنى عنه للممولين والمستشارين وشركات النفط والشركات التي تقدم الخدمات، فقد أجبر محمد بن سلمان على البقاء في منطقة الجزاء، ولكنه لم يصبح أبدا منبوذا دوليا كما رغب الكثيرون. ولكن السعوديين يواجهون الكثير من المشاكل الاقتصادية وإدارة المشاريع المغرورة مثل المدينة التكنولوجية "نيوم" ومحاولة إعادة ترتيب سوق العمالة وبناء مؤسسات لاقتصاد السوق، وهي ضخمة ومهام صعبة.

ومع ذلك، تظل السعودية أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، مما يجعلها جذابة لمن سيشاركون في مبادرة استثمار المستقبل.

وهناك نقطة يجب الإشارة إليها تتعلق بقادة التجارة وما يريدون عمله مع السعودية والذي لا يعني بالضرورة أن تكون الحكومة الأمريكية مجبرة على الأمر نفسه.

وهذا صحيح لدرجة معينة، مع أنه لا يعني حرية الحركة للحكومة الأمريكية، لأن هناك الكثير من القيود الجيوسياسية التي يجب أن تأخذها بالاعتبار. ففي الوقت الذي يشارك فيه رجال الأعمال الأمريكيين في لقاء الرياض، يواصل الجيش الأمريكي بناء تعزيزاته العسكرية في السعودية تحسبا لنزاع مع إيران.

والسعودية هي حليف مهم في السياسة تجاه إيران والتي قد تعني في ظل إدارة بايدن العودة إلى اتفاقية 2015 أو التفاوض على اتفاقية جديدة، وفي كل هذا على واشنطن أن تأخذ بعين الاعتبار مظاهر قلق السعوديين.

وتعتبر حرب اليمن من القضايا الجيوسياسية، فقد حقق الهجوم الذي بدأ في 2015 على الجار الجنوبي كل شيء كان يهدف لمنعه. فنظرا للتخطيط الفقير والعمليات العسكرية التي نفذت بطريقة سيئة، أصبح لدى جماعة أنصار الله أو الحركة الحوثية علاقات مع إيران، مما جعل حدود السعودية الجنوبية أقل أمناً. والحرب لا يمكن الانتصار بها، والسعوديون يريدون الخروج، وليس معروفا إن كانوا يستطيعون عمل هذا بدون مساعدة أمريكية. وهم بحاجة لهذه المساعدة من خلال تقوية الرقابة الأمنية على الحدود والمعدات.

وسيكون هذا الموضوع صعبا في ظل التوتر والكراهية للسعوديين في واشنطن، وتعهد بايدن- هاريس بإعادة النظر في العلاقات الأمريكية- السعودية.

وقد يدعو البعض لتركهم يبحثون عن مخرج من المستنقع. وهذا موقف مفهوم ولكنه ليس حكيما، فمن مصلحة الولايات المتحدة خروج السعوديين من اليمن ومحافظتهم على علاقات مع واشنطن.

ويظل السعوديون، أحببت أم كرهت، المحاور الرئيسي للأمريكيين في المنطقة وأي صفقة أمريكية مع إيران يجب أن تمر ولو جزئيا عبر اليمن. وهناك من يدعو لحرمان السعودية من إقبالها على أنظمة السلاح الفاخرة مع أن هذا الموضوع لم يعد في مجال النظرية. فقرار الإدارة الجديدة تجميد الصفقات مع الرياض ومراجعتها سيعطيها صورة عن كيفية استخدام السلاح الأمريكي. وكيف تم استخدامه في قتل المدنيين أو تشويههم. وفي ضوء الضرر الذي أحدثته السعودية باليمن فهذه المحاسبة مناسبة. ولكن الحرب لن تنتهي، حتى لو أبعد الأمريكيون أنفسهم عن ممارسة التواطؤ في كارثة اليمن.

وفي النقاش حول المحاسبة، هناك شيء مفقود ويتعلق بتعريفه. هل يريد نقاد السعودية رؤية محمد بن سلمان في المحكمة أم استبداله؟  فأمريكا لن تتدخل وتقرر من الذي سيقود السعودية، حتى لو نشر المجتمع الأمني ما يعرفه عن جريمة قتل خاشقجي، وكما طلب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس النواب أدم شيف وتعهدات مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هينز في ردها المكتوب على أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ بعمل ما يمكنها عمله والالتزام بالقانون، لكن هذا لا يلغي حقيقة أن بن سلمان سيظل وليا للعهد. وربما أدى نشر تقييم المجتمع الأمني إلى ردة فعل دولية تبعد مجتمع رجال الأعمال عن السعودية لعدة سنوات، لكنهم سيعودون إلى السعودية طالما ظلت حساباتهم تتمحور حول صفقات جيدة.

وهناك نقطة أخرى تتعلق بالمحاسبة، وهي كيفية القيام بها أو قطع العلاقة مع السعوديين ومنع تصدير السلاح لهم. وهنا يجب حساب ميزان الربح والخسارة. وقد يرفض السعوديون العمل مع الولايات المتحدة في الاتفاقية النووية مع إيران، بل قد يحاولون تقويضها. وربما شعرت الرياض برغبة للتحول تجاه منافسي الولايات المتحدة. وقد ترفض واشنطن هذا الكلام، وتؤكد على حاجة السعودية لها، لكن الصين لديها الكثير لتقدمه، فيما يُعرف عن روسيا استفادتها من فرص التوتر بالمنطقة.

وعلى الأقل سيجعل تقارب السعودية مع الصين وروسيا مهمة أمريكا صعبة، نظرا لأن عملية التنافس بين الدول الكبرى أصبحت جوهر السياسة الخارجية للإدارة. وقد لا يهتم صناع السياسة من المخاطر المتعلقة بمحاسبة السعودية. فمصادر الطاقة من منطقة الخليج مهمة للولايات المتحدة ولكن ليس كما في السابق، مما يقلل من أهمية علاقة الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط، وبخاصة السعودية. ومن هنا فالرهانات لم تعد عالية مما يعطي إدارة بايدن مساحة للمناورة.

كلمات دلالية