خبر منتظر الزيدي ومحاكمته المسيسة

الساعة 09:18 ص|13 مارس 2009

رأي القدس

 

13/03/2009

 

النظام القضائي العراقي مليء بالثقوب، ويفتقر الى الحد الادنى من الاستقلالية، رغم ان القوات الامريكية المحتلة جاءت الى العراق من اجل تحقيق الديمقراطية، ونشر ثقافة احترام حقوق الانسان، واطلاق الحريات، وحرية التعبير على وجه الخصوص.

امس الاول اصدرت محكمة جنائية عراقية احكاما بالاعدام في حق شقيقي الرئيس الراحل صدام حسين، وبالسجن لمدة خمسة عشر عاما للسيد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الاسبق، وبالامس اصدرت محكمة اخرى حكما بالسجن ثلاث سنوات في حق الصحافي منتظر الزيدي الذي دخل التاريخ وقلوب عشرات الملايين من العرب، لانه قذف الرئيس الامريكي السابق جورج بوش بفردتي حذائه.

هذه الاحكام الجائرة تكشف مدى تسييس القضاء في 'العراق الجديد'، وتوظيفه لتنفيذ رغبات ونوازع انتقامية لدى المجموعة الحاكمة، فالسيد عزيز الذي ادين بتهمة التواطؤ في قضية اعدام تجار عراقيين خالفوا القانون برفعهم اسعار سلعهم اثناء الحصار، لم تكن له علاقة لا من قريب او بعيد بالشؤون الداخلية او الامنية في العراق، وانحصرت مهامه في ملفي الاعلام والسياسة الخارجية.

قضية منتظر الزيدي ربما تكون مختلفة عن القضايا الاخرى، وان كانت تلتقي معها على ارضية مشتركة، وهي تدخل الحكومة وبعض رجالاتها في الشؤون القضائية. فالزميل الزيدي لم يقدم على اي جريمة جنائية، ولم يثبت مطلقا وجود اي علاقة له مع النظام السابق، ولم يحمل اي اسلحة محظورة، وكل ما فعله انه قذف بحذائه باتجاه رئيس أذل بلاده وأهانها، وقتل مليون ونصف المليون من ابريائها، ومزق وحدتها الترابية، وأغرقها في حروب اهلية، وصراعات طائفية.

الجريمة التي ارتكبها الزميل الزيدي، واستحق من اجلها حكما بالسجن ثلاث سنوات، هي اهانة رئيس دولة اجنبية اثناء زيارة رسمية. وهي عقوبة ظالمة. فرئيس الدولة الاجنبية يتعرض في بلاده لانتقادات واسعة، ويتعرض موكبه للقذف بالبيض الفاسد، وتستقبله المظاهرات واللافتات المهينة في كل مدينة او عاصمة اجنبية يزورها، بما في ذلك تلك الحليفة لبلاده، والمتورطة في حروبه مثل بريطانيا والمانيا واستراليا.

الرئيس بوش نفسه تعامل مع المسألة بطريقة مختلفة، ورأى انها نوع من حرية التعبير، ومازح الصحافيين عندما ذكر نمرة الحذاء، واعتبر الموضوع مغلقا، فالحذاء لا ينظر اليه في الغرب النظرة نفسها في البلدان العربية، واستخدامه للتعبير عن الغضب ربما يعتبر اقل ضررا واهانة من استخدام البيض الفاسد. فعندما تعرض جون بريسكوت نائب رئيس الوزراء البريطاني للقذف بالبيض الفاسد، واتساخ ملابسه من جراء ذلك، لم يواجه المعتدي اي احكام بالسجن، بل لم ينم ليلة واحدة خلف القضبان، واقتصرت عقوبته على دفع تكاليف تنظيف هذه الملابس.

القضاء العراقي نسخة شبه متطابقة مع نظيره البريطاني، فلماذا لا يحاكيه في احكامه في قضايا مماثلة، ويصدر حكما مخففا على الزميل الزيدي، خاصة انه امضى خلف القضبان اكثر من ثلاثة اشهر؟

وسواء قضى الزميل الزيدي هذه العقوبة كلها خلف القضبان ام جرى الافراج عنه من قبل محكمة الاستئناف بعد طعن أهله في الحكم، فإنه سيظل بطلا في أعين الملايين من ابناء شعبه وربما العالم الاسلامي ايضا، الذين اكتووا بنار السياسات الامريكية العدوانية والحروب التي تمخضت عنها. فالرجل سجل سابقة باتت تحتذى من قبل الكثير من المحبطين في العالم، وشاهدنا مسؤولين صينيين واسرائيليين يتعرضون للقذف بالاحذية من قبل المحتجين، وربما لن نفاجأ اذا كانت الضحية المقبلة احد الزعماء الدكتاتوريين العرب وما اكثر هؤلاء.