بذيل متدلٍ -معاريف

الساعة 09:24 ص|10 يناير 2021

فلسطين اليوم

بقلم: جاكي خوجي

(المضمون: نهاية المقاطعة العربية على قطر اظهرت السعودية والامارات في ضعفهما وكشفت بعضا من السياسة المشوقة في الخليج. صحيح أن طهران وتركيا خسرتان ولكن ليس لاسرائيل ما يدعوها الى الفرح - المصدر).

كان شيء ما رمزي في العناق الموثق ظهر يوم الثلاثاء في مطار مدينة العلا في جنوب غرب السعودية. فقد استضافت هذه الواحة الصحراوية قمة دول الخليج، مثابة جامعة عربية صغيرة وهامة، خاصة بالمنطقة اياها. من الطائرة هبط بعباءته الفاخرة داهية ابن أربعين. وعلى الارض انتظره شاب موتور ابن 35. وقد سقط الواحد بين ذراعي الآخر كالعشيقين

صوت المذيع في قناة التلفزيون السعودية ارتفع، ولكن لم يغطِ أي فرح صورة الحقيقة. فالضيف كان تميم بن حمد أمير قطر زعيم دولة من ربع مليون مواطن، تلف على اصبعها الصغير نصف دول الجامعة العربية. المضيف هو محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي الذي بفضل ماله والعلاقات التي ورثها من آبائه، يعد كأحد الزعماء الاقوى في العالم. لكليهما كانت كمامتان اخفتا الحرج على وجهيهما. فهما لم يلتقيا منذ سنين، منذ فرض الواحد مقاطعة على الثاني وسكب عبثا دم الاثنين. ساعات قليلة بعد ذلك وقع في قاعة المؤتمر اتفاق لانهاء المقاطعة. ثلاث سنوات ونصف بعد ان اعلن عنه بصخب مات الاغلاق العربي على قطر امام عدسات الكاميرات. وطوال هذا الوقت اخفى الرجلان ذيليهما اللذين كانا متدليان بين سيقانهما خلف العباءتين.

الربح الفوري كان لقطر، وتنفس الصعداء للجميع. ولكن هذه القصة اكثر تعقيدا. عندما انطلقت المقاطعة في 5 حزيران 2017 بدت كخطوة صارمة وواعدة. فقد استدعت السعودية سفيرها في الدوحة للعودة على الفور الى الديار، واعلنت عن قطع العلاقات مع قطر. اتحاد الامارات فعلت مثلها وفورهما جاءت مصر والبحرين. بعد الاعلان عن قطع العلاقات السياسية، جاءت المقاطعة الاقتصادية. وتوقفت كل علاقة تجارية بين قطر وهذه الدول، واغلقت معابر الحدود من السعودية اليها. والمجال الجوي في السعودية، اتحاد الامارات والبحرين سد في وجه الطائرات التي اقلعت أو هبطت في الدوحة.

تصرفت قطر برباطة جأش. توجهت على الفور الى ايران واشترت منها كل منتج احتاجته، بل وفتحت لنفسها مسارا جويا لحركة الطائرات. الرحلات الجوية الى الدوحة طالت، وفي المحلات التجارية حلت البضائع التركية والايرانية محل منتجات الجيران، ولكن القطريين شدوا على الاسنان وواصلوا العيش.

كانت جملة من الاسباب للسعوديين واصدقائهم من ابو ظبي للنزول هذا الاسبوع عن الشجرة العالية. بعد المليارات التي بذرت في محاولة فاشلة لتصفية الميليشيا الشيعية في اليمن، كم من المال يمكن خسارته في مغامرات عابثة. كما أن مناشدات مبعوثي البيت الابيض (بتشجيع الكويت) فعلت فعلها. واشنطن هي شريك استراتيجي للدوحة والرياض. ومنذ سنين تبيع لهما سلاحا نوعيا بعشرات مليارات الدولارات. ضغطت ادارة ترامب لهما على النقطة الايرانية. هيا، قالت لهما، تصالحا قبل فوات الاوان، فلا يمكن أن نعرف ما ينتظركما في السياق الايراني على يدي الرئيس بايدن. من الافضل لكما أن تستقبلاه وانتما متحدين.

 

وبالطبع الحرج كبير. هذه المقاطعة، كما فهم الجميع منذ زمن بعيد، فشلت فشلا ذريعا. مع فرضها طرح المقاطعون 13 مطلبا نشرت على الملأ ومنذئذ كان مشكوكا جدا أن تركع قطر وتطيعها، ولكن القائمة المغرورة شهدت على مزاج اصحابها اكثر مما جاءت لتنفذ. فقد طلب من الدوحة اغلاق قناة "الجزيرة" الذراع الاعلامي التابع للقصر. كما طالبوها بتخفيض مستوى العلاقات مع ايران والتوقف عن كل علاقة تجارية معها، مما يخرق المقاطعة الامريكية. طالبوها أن تغلق قاعدة سلاح الجو التركية في اراضيها، وتقطع علاقاتها الامنية مع أنقرة. قطر تدعم حركة الاخوان المسلمين. هذه الحركة، بفروعها وابنائها، تشكل علما أحمر من ناحية اتحاد الامارات، السعودية والبحرين التي ترى في الجهاد خطرا على وجودها. وقد طولبت قطر بالكف عن دعمها بل وقطع علاقاتها مع حزب الله، القاعدة وداعش.

الدوحة بالفعل نفذت سلسلة تعديلات تجميلية. فقد ودعت نشطاء من "الاخوان"، خفضت من حماسة التغطية الاعلامية لـ "الجزيرة" وشددت الرقابة على الحسابات البنكية لذوي العلاقة بمحافل الجهاد. ولكن ابقت الاوراق القوية قريبة من الصدر.

الهمس من خلف الكواليس

مثلما في حالات عديدة في الماضي، كان الممثل الرئيس في هذه المسرحية محمد بن سلمان، ولكن من خلف الكواليس اختبأ الهامس. محمد بن زايد، ولي عهد اتحاد الامارات، كان مرشد جاره الشاب وهو لا يزال يشكل له رجل سر. دفعت اتحاد الامارات نحو انهاء الاغلاق بقدر لا يقل عن السعودية، اذ رأت كيف يجتمع التهديد الايراني والخسائر المالية ليصبحا حركة كماشة مهددة، وبايدن لا يعد بشيء حاليا.

 

سجلت ابو ظبي في هذه المقاطعة خسائر المداخيل الاكبر. فحجم تجارتها مع قطر يزيد عن 7 مليار دولار في السنة، ثلاثة اضعاف التجارة المتبادلة بين السعودية وقطر. وخلقت المقاطعة ركودا في اقتصاد الخليج كله، ابعد المستثمرين واضر بنمو الدول المشاركة فيها. كل ذلك، بينما تواجه هذه الدول الخسائر التي تنطوي على انخفاض اسعار النفط. والتذكير لمن ذهبت الارباح. الى الخصمين الاقليميين، تركيا وايران.

كان مشوقا ان نتابع هذا الاسبوع حديث المحللين في الخليج. فقد أعرب بعضهم عن الامل في أن يكون تجميد المقاطعة بداية حوار صحي بين السعودية وقطر، يوحد دول الخليج مثلما في الايام الطيبة. معظمهم تنفسوا الصعداء إذ رأوا في ذلك بداية وقف التدهور. امام ناظر الجميع كانت سابقة غزة. فالمعسكر الفلسطيني انقسم الى اثنين، ومن تلك اللحظة أصبح كل جناح منهما كيانا متعثرا. واجبر هذا الضعف حماس والسلطة على ايجاد المعونة لدى المصريين، الامريكيين، القطريين، الاتراك بل وحتى الاسرائيليين. وكلهم هرعوا للانقاذ – وفي نفس الوقت نبشوا ايضا. هكذا ايضا في الخليج. ايران، تركيا والولايات المتحدة دعيوا للمساعدة، وسجلوا ارباحا جميلة على ظهر الدول التي تاقت للمساعدة. لا غرو أن اصطلاح "وحدة الخليج" طرح المرة تلو الاخرى في الحديث عن انهاء المقاطعة. والامل هناك هو ان من الان فصاعدا ستوثق كل الاطراف علاقاتها وفي حوار سليم ومسؤول تعود لتكون يدا واحدة امام كل من تبقى.

الى أن يحصل هذا، سيواصل الامير تميم ان يكون تميما (بريئا)، وولي العهد ابن سلمان سيبقي نحوه موقفا شكاك. قطر لن تسارع الى الكف عن دعمها للاخوان المسلمين، منظمات الجهاد في العراق وفي سوريا والحكومة شبه الاسلامية في طرابلس في ليبيا. وستحافظ على علاقاتها مع تركيا وايران.الى قائمة الخاسرين يمكن أن نضيف اسرائيل، وان كان في المكان الاخير، المحترم. فالامير الشاب نجا من أزمة حادة، وخرج منها مع ثقة ذاتية فائضة. شيء لم يمنعه من مواصلة دعم المحافل الراديكالية في المنطقة. صحيح أنه بالتوازي يقيم علاقات مع اسرائيل ايضا وهذه كفيلة بان تتوثق، مثلا على خلفية بيع منظومات السلاح. ولكن منذ متى تأتي العلاقات مع هذه العواصم مع اتفاق ولاء. فالقطري يتحدث مع اسرائيل لاحتياجاته وليس لاحتياجاتها. واذا أملت مصلحته ذلك، فانه سيستضيف مسؤولين اسرائيليين في الدوحة وبالتوازي سيواصل تشجيع اعدائها.

واذا ما تحدثنا عن العلاقات، فان ترامب سيعتزل الاسبوع القادم ويترك وراءه إرثا مسليا حتى الرعب. لماذا مسليا؟ لانه منذ زمن بعيد لم يكن رئيس في البيت الابيض خوزق الجميع كل الوقت. فقد خلط معا الايرانيين، دول الخليج ونحن ايضا، عظم الخوف في المنطقة – وفي هذه الاثناء باع الجميع منظومات سلاح بمئات مليارات الدولارات. صحيح أنه جلب لاسرائيل اتفاقات تطبيع منشودة، ولكن في نفس الوقت بنى لعواصم الخليج جيوشا حديثة مع افضل الوسائل القتالية في الجو وفي البر مثلما لم يكن لها ابدا. عن ثلاثة منهم (السعودية، اتحاد الامارات والبحرين) يمكن أن نقول فليكن. فهم اصدقاء لاسرائيل. ولكن هذه صداقة لحظية، هشة كما سنرى. وهم بالتأكيد ليسوا ا صدقاء حقيقيين.

وبالنسبة لقطر، حتى لو اقامت علاقات مع اسرائيل، فهي ستبقى ابدا السعودية الصغيرة التي كانت ذات مرة. تعيش جهودا للبقاء، تدعم اجنحة متطرفة، مغرورة وداهية.

كلمات دلالية