في قرية فصايل، في منطقة الأغوار عين رئيسية تقع في الأراضي الوحيدة في المنطقة التي يمتلك أصحابها الفلسطينيين من عائلة "آل النمر" في نابلس طابو بها، ورغم ذلك سيطر المستوطنين على المنطقة وحولوها إلى منطقة محمية طبيعية وثم إلى متنزه يتبع إداريا مجلس مستوطنات غور الأردن.
والأن، يمنع الفلسطينيين من دخول هذه المنطقة التي وضعت على مداخلها يافطات باللغات الثلاث ( العربية و الإنجليزية و العبرية) ولوائح صادرة من مجلس المستوطنات وشروط الدخول التي تطبق على الفلسطينيين فقط، بتحديد الأعداد وساعات الدخول ونوعية النشاط فيها.
بالمقابل فتحها بالكامل للمستوطنين للتنزه والتخييم، فيما حرم أصحاب الأراضي المجاورة من التصرف فيها، أو ترميم الآبار الموجودة فيها وزراعتها أو الاستفادة من الينابيع الأربعة الأخرة القريبة منها.
هذا هو حال أراضي الأغوار بالكامل، بسبب وقوع المنطقة بالكامل ضمن مناطق "جيم" أي الأراضي التي تخضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية، وتسعى إسرائيل إلى ضمها منذ سنوات، والتي تشكل 31% من أراضي الضفة الغربية.
ولكن الحال في الأغوار ليس بالجديد أو مرتبط بإعلان الإدارة الأمريكية هذا العام 2020 دعمها لإسرائيل لتنفيذ خطة الضم، فضم الأغوار خطة مستمرة منذ بداية احتلالها في العام 1967 وحتى الأن.
خطة ضم الأغوار منذ 1967
وتستند خطة الضم الإسرائيلية على مشروع أيلون الذي قدمه الصهيوني "إيغال أيلون" للكنيست الإسرائيلية في 1967 بعد احتلال الضفة الغربية مباشرة، وهو صاحب مقولة "لا القانون الدولي ولا الأمم المتحدة من يثبتنا هنا وإنما ما نفرضه على أرض الواقع".
وهذه الخطة تعتبر الأغوار الفلسطينية منطقة استراتيجية مهمة على إسرائيل الحفاظ على السيطرة الكاملة عليها، من خلال السيطرة على المياه وتقليل مساحة الرعي والزراعة المتاحة للفلسطينيين.
الباحث الميداني في مركز العمل التنموي معا، حمزة زبيدات، والذي يتواجد في منطقة الأغوار منذ أكثر من 10 سنوات بشكل دائم بحكم عمله في المنطقة يقول إن المتابع لما يجري في الأغوار يلاحظ أن وضع اليد الإسرائيلية على المنطقة باتت كاملة، في ظل غياب رسمي فلسطيني بالكامل.
وتابع في حديث خاص:" ما يجري الأن في الأغوار ليس مجرد السيطرة على الأراضي وبناء المستوطنات عليها وتوسيع القائم منها، بل هو فرض أمر واقع جديد على المنطقة، وغرس فكرة أنت الفلسطيني محرم عليك هذه الأراضي".
وتشير الحقائق على الأرض إن إسرائيل وخلال السنوات الأخيرة عملت على تهيئة كل الظروف لهذا الضم، من خلال الاستيطان المستمر، والمصادرات التي لم تتوقف للأراضي، والتضييق على السكان، كما يقول زبيدات.
إجراءات الضم التي تحدث عنها زبيدات جعل الحديث عن إمكانية الضم للسكان في منطقة الأغوار مدعاة للسخرية، فلم يبق على الأرض شيء للسيطرة عليه.
رئيس مجلس الأغوار الشمالية، مهدي دراغمة، يقول إن أغلب السفوح الشرقية المطلة على الحدود الأردنية باتت الأن تحت السيطرة الكاملة الإسرائيلية، وهي المنطقة التي يطلق عليها أسم السويدا، حيث أغلقت بالكامل في العام 2018 بعد إعلان إسرائيل قيام قاعدة عسكرية في المكان، ومن قبل ذلك مستوطنة أقامها مستوطن واحد على أرض تدعى "خله الحمد" لأغراض المحمية الطبيعية.
وتابع دراغمة، وهو يرأس مجلس محلي ل 19 تجمعا في الأغوار يسكنها 3 الاف فلسطيني: "الفلسطينيون في الأغوار يعيشون داخل بيوتهم بحرية، وفيما عدى ذلك أراضي مصادرة لمستوطنات أو للمحميات الطبيعية التي تتحول للمستوطنات فيما بعد، أو معسكرات تدريب وقواعد عسكرية".
وخلال هذا العام شهد إجراءات أكثر حسما من قبل إسرائيل في منطقة الأغوار وتحديدا فيما يتعلق بالهدم وملاحقة السكان لترحيلهم، وهو ما نجحت به إلى حد كبير حتى الأن.
فبحسب مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة كان عدد السكان الذين يسكنون مناطق جيم (سي) ومن ضمنها الأغوار قبل أوسلو 30 ألف فلسطيني تقلص بفعل إجراءات الترحيل هذه إلى أكثر من النصف، حيث يتواجد الأن 150 ألف فلسطيني فقط.
معظم الذي هجروا من مناطق سكناهم في مناطق جيم (سي) كانوا من منطقة الأغوار، فعلى سبيل المثال في دراسة قامت بها الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان، أشارت إلى أن عدد سكان منطقة الحديدية في المنطقة الشمالية من الأغوار، كان قبل العام 1967 300 عائلة فلسطينية، تقلصت في العام 1997 إلى 150 عائلة، لتصل الأن إلى 16 عائلة فقط.
10 بؤر استيطانية وتسييج الأراضي
منسق الحملة جمال جمعة قال إن التخطيط بالضم كان في ذهن العقلية الأولى لمهندسي الاستيطان في الضفة الغربية بعد احتلالها مباشرة.
وتابع في حديث خاص، أن العمل بالضم التدريجي بدأ في العام 2017 من خلال قوانين إسرائيلية، مثل سريان القانون المدني على المستوطنات بدلا من القانون العسكري، وقانون تبيض المستوطنات الذي منع المستوطنات بالبناء على أراضي فلسطينية خاصة دون تمكين الفلسطينيين الاعتراض او طلب تعويض.
وهذا العام لضمان هذه السيطرة، عززت إسرائيل من سياسية الترحيل من خلال هدم تجمعات كاملة كما كان في منطقة الحمصة، أو الإخلاء المؤقت للسكان لأغراض التدريب للضغط على السكان وإجبارهم على الرحيل، كم يقول جمعة.
ولتعزيز هذه السياسية، كما يقول جمعة، عمدت إسرائيل تضييق مساحة الحركة للتجمعات الرعوية من خلال البناء الاستبطاني من خلال إقامة 10 بؤرا استيطانية في منطقة الأغوار هذا العام، كلها مستوطنات رعوية، استهدفت كل التجمعات الرعوية في الأغوار.
وأساس هذه البؤر بالعادة قيام أحد المستوطنين ببناء خيمة وبركس للمواشي، ومع الوقت يمنع السكان من الاقتراب منها، ثم يقوم بالتوسع فيها وضم مزيد من المستوطنين حتى تتحول لمستوطنة.
والسياسة الثانية كانت تسييج المناطق من خلال وضع سياج على مناطق واسعة في الأغوار، الأن مثلا وصلت المساحة المسيجة إلى 30 ألف دونما بين مناطق بزيغ ومكحول والجبال المحيطة، وكل ذلك لمنع المزارعين من الوصول إلى المنطقة.