انقسام اليمين الإسرائيلي وتأزيم الازمة.. بقلم/ هاني عواد

الساعة 10:11 م|27 ديسمبر 2020

فلسطين اليوم

يسجل النظام السياسي داخل اسرائيل حالة خاصة استثنائية دونا عن باقي الانظمة السياسية في العالم رغم ان هذا النظام جاء من رحم الانظمة الديمقراطية للدول المتقدمة في العالم , ونظرا للخصوصية التاريخية لهذه الدولة الشاذة التي لا يشبهها دولة اخرى في العالم , فقد اعتمدت في نظامها الديمقراطي في ادارة شؤونها الداخلية والخارجية على القوانين المتجددة واصبح الدستور فيها يخضع الى التعديل والتجديد الدائمين لمنظومة القوانين التي تحتكم اليها فبدلا ان تكون دولة الدستور الثابت كباقي الدول الديمقراطية, فقد اصبحت دولة القوانين.

ومنذ قيامها عام 1948 وتشكيل مجلس ادارة الدولة للفترة الانتقالية و المؤلف من تسعة اعضاء والذى وقف على رأسه دافيد بن جوريون فقد شكلت الخارطة الحزبية توجهين رئيسيين وهما التوجه الجيودينى الذى تدعمه الحركات الدينية المتطرفة التي اشرفت على الهجرات اليهودية للمناطق الدينية والمقدسة الى فلسطين, والتوجه الجيوسياسي الذى يدعمه اليسار الصهيوني في تثبيت معالم الدولة السيادية وذلك لبناء أركان الدولة وفق المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي.

وسرعان ما تمددت الخارطة الحزبية سواءً الناتجة عن الانقسامات داخل الحزب الواحد أم الناتجة عن تشكيل احزابا جديدة اخرى لتصل الى ثلاثة عشر حزبا حتى نهاية الخمسينات من القرن الماضي, وكانت الاحزاب اليسارية اكثر استهدافا من الانقسامات دونا عن غيرها من الاحزاب الدينية واليمينية.

ومنذ تشكيل حزب الليكود على يد بنى بيجن في منتصف السبعينات, فقد شكل حزب الليكود البوصلة السياسية الاكثر استقرارا في قيادة دولة اسرائيل المزعومة الذى ينطوي تحت التناوب الديمقراطي النزيه في قيادته لشخصيات اسرائيلية سجلت حضورا وطنيا لدى المواطن الإسرائيلي وتركت له خيارا قائما على الاختلاف على حجم الانجازات وليس اختلافا قائما على الشخص في ظل غياب الخيارات والبدائل, فمنذ عام 1996 وانشقاق صقر حزب الليكود ارائيل شارون الذى قاد الحزب لولاية واحدة في اعقاب خطة الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة, فقد اصبح نتنياهو الرجل الاوحد على صدارة المشهد السياسي في رئاسة الحزب وقيادة الدفة السياسية في ظل عدم وجود منافسين له داخل حزب الليكود اليميني او داخل احزاب اليسار الصهيوني , وسجل الارهاص في منافسة جيدعون ساعار امام نتنياهو على رئاسة حزب الليكود في الانتخابات التمهيدية الاخيرة لحزب الليكود كحلا للخروج من الازمة السياسية التي تعيشها اسرائيل منذ عامين , مؤشرا واضحا تجاه سلسلة من الانشقاقات داخل حزب الليكود.

وعلى ضوء الازمة السياسية التي تعيشها اسرائيل منذ عامين واجراء ثلاثة جولات انتخابية والازمة الحزبية على المشهد السياسي التي تشكلت على شخص نتنياهو , قام جيدعون ساعار بالانشقاق عن حزب الليكود وتشكيل حزبا يمينيا ليبراليا جديدا اطلق عليه " امل جديد " مستقطبا انسحاب قيادات ليكودية من الحزب ذات ثقل سياسي مثل " زئيف الكين " الرجل الرابع داخل حزب الليكود, ليحدث انقلابا داخل معسكر اليمين الذى يقوده نتنياهو, وواضعا التشكيل السياسي الجديد لمعسكر اليمين في ازمة حقيقية بعد ظهور ثلاثة اقطاب مركزية على هرميته.

ويأتي ذلك قبيل حل الكنيست الإسرائيلي لنفسها والدعوة الى انتخابات رابعة جديدة في الثالث والعشرون من فبراير القادم , في اعقاب الطريق المسدود التي وصلت اليه المشاورات والمفاوضات الائتلافية للشريكين الاكبرين في الحكومة الحالية التي يقودها نتنياهو مع ازرق ابيض من ناحية , وانتهاء النصاب القانوني للفترة القانونية لاقرار الموازنة السنوية لعام 2020 من ناحية اخرى , وسجلت نتائج الاستطلاع التي اجراها مركز استطلاعات الرأي الإسرائيلي " كانتر " حصول حزب امل جديد الذى يقوده جيدعون ساعار على 21 مقعدا وكتلة برلمانية قوامها 60 مقعدا محدثا تقدما على الكتلة اليمينية التي يقودها نتنياهو والتي حافظت على نفسها في الثلاثة جولات انتخابية السابقة والتي وصلت الى كتلة برلمانية قوامها 58 مقعدا , وتراجعا في عدد المقاعد التي حصل عليها حزب الليكود من خلال الاستطلاع والتي وصلت الى 28 مقعدا , في حين عزز تنامى حزب اليمين الجديد الذى يقوده نفتالي بنت والذى حصل على 15 مقعدا حضورا حزبيا داخل معسكر اليمين , ليضع الاقطاب الثلاثة "(نتنياهو , ساعار , بنت ) ثلاثة مراكز قوة تطمح كل قوة منها في الوصول الى رئاسة الوزراء وقيادة الدفة السياسية عبر التوجهات المختلفة لكل قطب.

ويبحث الوجه الجديد ساعار الدمج بين الايدلوجيا اليمينية الليبرالية وايدلوجيا اليسار الصهيوني المنفلش سياسيا في بلورة الكتلة البرلمانية التي سيقودها في الانتخابات القادمة عبر استقطاب رموزا شكلوا حالة على الحياة العامة داخل اسرائيل في العقد الاخير على شاكلة جادى ايزنكوت رئيس هيئة الاركان الاسبق وصاحب نظرية المعارك بين الحروب الغير مكلفة والدمج بين المستوى السياسي والعسكري المهني في ايجاد خيارا قويا امام الناخب الإسرائيلي كبديلا عن نتنياهو , ولكن مما لا شك فيه بان الخارطة الحزبية الجديدة التي ستشكل حتى قبيل الانتخابات القادمة ستكون خارطة حزبية معقدة ستشهد تلاشيا لاحزابا قائمة وميلادا لاحزابا جديدة لن تحسم الثقل البرلماني بِ 61 مقعدا بسهولة .

ومن خلال المتغير الجديد الذى طرأ على المعادلة السياسية الاسرائيلية بامتلاك الاحزاب الصغيرة القدرة على ترجيح الكفة السياسية وحسم المشهد السياسي رغم تجاوزها لنسبة الحسم بمقعد او اثنين فان ذلك يزيد من المحاصصة السياسية الغير متوازنة ويقود الى طريقا مسدودا , وهذا يشق الافق على ان القاعدة الرئيسية لاسقاط نتنياهو امام جيدعون ساعار هو تشكيل كتلة ائتلافية بين اليمين الليبرالي الذى يقوده واليمين الديني الذى يقوده نتفالى بنت من ناحية واليسار الصهيوني لحزب هناك مستقبل الذى يقوده يائير لابيد وحزب ميرتس اليساري ذو الثقل السياسي المحدود الذى يميل الى حزب ساعار الجديد والذى سيلعب الدور الرئيس في حسم الكتلة البرلمانية.

بقلم المختص في الشأن الاسرائيلي/ أ.هاني عواد

كلمات دلالية