التطبيع الرقمي عبر الشباب.. نصير ياسين نموذجاً

الساعة 09:38 ص|23 ديسمبر 2020

فلسطين اليوم

التطبيع الرقمي عبر الشباب.. نصير ياسين نموذجاً

بقلم : ريهام المقادمة ـ

(باحثة متدربة في مركز الأبحاث)

نصير ياسين شاب في الثامنة والعشرين من العمر ولد 1992م في عرابة شمال فلسطين لعائلة فلسطينية مسلمة. في بداية عشريناته قرر ترك فلسطين لأجل الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية متجها بمنحة دراسية الى جامعة هارفارد مدعوما بمقالة كتبها للجامعة حول ما يسميه الصراع الذي يخوضه بصفته عربيا داخل إسرائيل وذلك بمساعدة كاتبة أميركية يهودية تدعى مارثا مودي (Matrha moody) تعرف عليها نصير من خلال نشاطها في منظمة دايتون جويشى (Dayton Jewish) الصهيونية حيث أنها تعمل في تنسيق زيارات لوفود يهودية لمدارس البلدات الفلسطينية في أراضي الـ 1948.

تخرج نصير بشهادة في الاقتصاد ودرس علوم الكمبيوتر أيضا، مما جعله يحصل على فرصة عمل في شركة “باي بال” في نيويورك كمهندس برمجيات براتب يتجاوز الـ 120 ألف دولار سنويا.

ما وصل إليه نصير في وقت قصير هو حلم لكثير من الشباب العربي الذي يعاني في الحصول على فرصة دراسية في الخارج أو ظروف عمل توفر لهم الإبداع والتطور، ومع ذلك وبشكل فجائي تخلى نصير عن كل هذا ليقرر السفر حول العالم من أجل إنتاج فيديوهات الدقيقة الواحدة التي خطط لها لكثير من البلدان، والذي نتج عن هذا القرار السفر حول 64 دولة في العالم وإنتاج ألف فيديو مختلف من الدول التي زارها بمدة دقيقة واحدة انتهت في كانون ثاني (يناير) 2019.

في آب (أغسطس) 2020 أطلق نصير برنامج تدريبي من خلال أكاديميته “ناس ديلي” التابعة لشركته في سنغافورة، وبتمويل إماراتي بواجهة إسرائيلية، من خلال شركة يديرها جوناثان بيليك وهو رئيس قسم التدريب فيها وبإشراف نصير ياسين كواجهة إعلامية تروج للأكاديمية، يعرف عن بيليك أنه خدم في الجيش الإسرائيلي وتولى مهمة تحفيز طلبة الثانوية في إسرائيل على الالتحاق بالجيش، أيضا بيليك له باع في تنسيق الأنشطة التطبيعية ضمن منظمة بذور السلام، أيضا كان سفير ثقافي لإسرائيل ضمن جهاز الدعاية والبروباغندا الإسرائيلي هاسبارا.

تشارك أيضا صديقة نصير الإسرائيلية ألين تامر والتي تشغل منصب التسويق في الشركة، والمدربة الإسرائيلية الأمريكية اليا فاستمان التي تركت الولايات المتحدة لتخدم في جيش الاحتلال، وتنشط في مجال التدوين للترويج للمطبخ الإسرائيلي.

البرنامج التدريبي يهدف إلى تدريب 80 من صانعي المحتوى العرب على إنتاج الفيديوهات والترويج لهم من خلال “ناس أكاديمي” ومن خلال التدريب والاشراف المباشر عليهم من قبل المدَُربين والّذي كما ذكر سابقا أغلبهم إسرائيليين لهم العديد من النشاطات التي تروج أفكار التعايش والسلام.

المواجهة الرقمية الفردية

في تقرير أصدره المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية في إسرائيل- عدالة مفاده أن وزارة القضاء الإسرائيلية قدّمَت عَشَرات الآلاف من الطلبات لوسطاء المحتوى مثل فيسبوك وجوجل، بهدف فرض رقابة على الرواية الفلسطينية وفي حين أن هذه المساعي لا تقتصر على المحتوى الفلسطيني فحسب، فإن وزيرة القضاء الاسرائيلية ايليت شاكيد صرحت أن فيسبوك وجوجل ويوتيوب تمتثل لنحو 95% من طلبات إزالة المحتوى الذي تقول الحكومة الإسرائيلية أنه يحرض على العنف الفلسطيني، تظهر هذه الممارسات التركيز الهائل على المحتوى الفلسطيني ومحاولات تصنيف الخطاب السياسي الفلسطيني في خانة التحريض على العنف. يواجه الشباب الفلسطيني أزمة كبيرة في نشر المُتَوى الّذي يُعبّر عن قَضيتهم وانتماءاتهم فسياسات منصات التواصل الإجتماعي لها سياساتها التي لا تصب أبدا في مصلحة المحتوى الفلسطيني مما يزيد عبء المسؤولية على الشباب الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية وطنية تجبرهم على مواجهة المحتوى الإسرائيلي المنتشر بكثرة ومدعوم بإمكانيات كبيرة من الحكومة الإسرائيلية التي تسخر الكثير من الإمكانيات والموارد المالية لدعم المحتوى الإسرائيلي على حساب المحتوى الفلسطيني.

حملة #امسك_مطبع كانت بادرة من مجموعة شباب فلسطيني لمواجهة أكاديمية نصير ياسين والأفكار التي تروج لها، ما رفع من خطورة الموقف وجعل الشباب تتحرك بشكل سريع هو خطورة جذب 80 صانع محتوى عربي من العالم العربي وبأعمار مختلفة، قد تجد بينهم من هو في سن الرابعة عشر وهو سن خطير للتطويع والتأثير السلبي أيضا.

قام هؤلاء الشباب بنشر قصص قصيرة على منصة التواصل الإجتماعي انستغرام يسلطون الضوء على ناس ديلي ونشاطه ورسائل السم بالعسل التي يبثها منذ مدة طويلة، وخطورة التعاطي معه بأي شكل من الأشكال، ثم اتجهوا الى إرسال رسائل خاصة لصناع المحتوى المشاركين في الأكاديمية يشرحوا فيها خطورة الموقف ويطلبوا فيها منهم الانسحاب وهو الأمر الذي قام به الكثير من المشاركين في الأكاديمية.

على إثر الجدل الذي حدث حول ناس ديلي وإمكانية المشاركة معه في أي نشاط، أصدرت حركة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي بيانا تحذر فيه من برنامج ناس ديلي وطالبت المشاركين في أكاديميته بالانسحاب منها باعتبار محتواه يعمل على تصوير الصراع مع العدو الإسرائيلي كأنه صراع بين طرفين متكافئي القوة، متعمدا تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق العودة.

شبهة التطبيع

تشهد معركة الوعي صعوبات كثيرة تحديدا مع الشباب العربي، فالفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال ويعي تماما مدى تأثير هذا الاحتلال على حياته وتحكمه بكل كبيرة وصغيرة يختلف تماما عن العربي البعيد، وفي زمن تحكمه منصات التواصل الاجتماعي قد يحدث الكثير من اللغط حول كثير من المواضيع وهنا نتحدث عن التطبيع وما يعود عليه من أي علاقة مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي سواء محليا أو عربيا.

الأمر الأكثر خطورة في ناس ديلي ونشاطه هو استهدافه لفئة من الشباب الحالم في مستقبل شبيه بمستقبل نصير ياسين نفسه، شاب تخلى عن راتب خيالي ليلحق بحلمه في إنتاج الفيديوهات ليحصد ملايين المتابعين من حول العالم في وقت قصير، وهو ما يتمناه الكثير من صناع المحتوى العرب، الكثير من المتابعين والشهرة التي تمكنهم من الاستمرار وإنتاج المحتوى الذي يرغبون به.

لذلك عندما استهدفت أكاديمية ناس ديلي شباب عربي من مختلف أنحاء العالم حاولت أن تلعب قليلا حول حقيقة الأمور ووضوحها بالنسبة للمشاركين، فأحد المشاركين وصلته رسالة مفادها أنه تم اختياره ضمن 80 صانع محتوى عربي للمشاركة ببرنامج تدريبي مدته 6 أشهر، حيث أنه تفاجأ بتواصلهم معه وإلمامهم بكافة المعلومات الخاصة به نظرا لأنه لم يتقدم بالأساس للمشاركة في البرنامج، قام المشترك بعقد لقاء على الزوم مع ادارة البرنامج وسألهم العديد من الأسئلة أهمها ما هي الخطوط الحمراء في هذا البرنامج فأخبروه أن عليه توقيع عقد يسمى بعقد السرية لضمان عدم تسريب أي معلومة، رفض وطلب معرفة المزيد من التفاصيل حول البرنامج فأخبروه بأن عليه الامتناع عن التحدث بالسلب أو الايجاب حول دولة ما وعدم التطرق لمواضيع المرأة، أما باقي الشروط فبعد توقيع العقد، أيضا رفضوا الحديث عن المبالغ المادية المنوي دفعها لصناع المحتوى، أكد الكثير من المنسحبين أن هذا البرنامج هدفه السيطرة على 80 صانع محتوى وبالتالي السيطرة على وعي الشعوب.

احذروا العربي الفاشل!

لم تكن الحملة التي قام بها العديد من الشباب الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي مقصودة في شخص نصير ياسين، فأي شخص مكانه كان سيجد نفس النقد والتحذير من المحتوى الذي يقدمه، أما نصير فلم يجد حجة أسهل من حجة العربي الفاشل والغيرة من النجاح التي تعتبر من سلبيات المجتمع العربي وهذا سبب كل ما تعرض له من هجوم على منصات التواصل الاجتماعي كما يدعي.

نصير بشكل عام لم يكن يفوت أي فرصة ليظهر أنه هاجر بسببه كونه لا يملك سبل النجاح في مجتمع عرابة الصغير، مما لا شك فيه أنه قرر أن يرد بكليشيهات ساذجة جدا فنشر الفيديوهات التي يتحدث فيها عن كرم العرب وضيافتهم وجمال بلادهم، ليظهر للعرب تحديدا الفئة المستهدفة من برنامجه أنه يحب ويدعم كل ما هو إيجابي عربيا ولكن هؤلاء الفشلة الذين يهاجمونه هما أسوأ ما في العرب وهو النموذج الناجح الذي يمثل كل ما يطمح له الشباب الحالم عربيا.

كيف يواجه الفلسطيني الزخم الرقمي؟

تشهد حقوق الفلسطينيين الرقمية انتهاكات مستمرة من قبل منصات التواصل الاجتماعي تحت بند تعريفات مثل التحريض وخطاب الكراهية والعنف وغيرها في الوقت الذي نجد فيه المحتوى الإسرائيلي ينتشر بكل أشكاله عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.

تتبع إسرائيل الأسلوب الناعم من خلال التفاصيل البسيطة التي تتعلق بالحياة اليومية مثل الأمور المشتركة بين الديانة الاسلامية واليهودية مثلا، فصفحة مثل المنسق تعمل على اظهار المعاملة الطيبة للعمال خلال تنقلهم وتنشر العديد من الصور التي ترسخ هذه المعاملة بينما صفحة إسرائيل تتكلم بالعربية والتي توجه للمستخدم العربي مثلا تعمل على إظهار رسائل سلام من خلالها وحقيقة الأمور أن هذه الصفحات تظهر حقيقة أهدافها التحريضية فترة الحروب على غزة وغيرها من القضايا الحساسة.

لذلك دائما ما يؤكد خبراء منصات التواصل الاجتماعي الفلسطينيين على ضرورة التعامل مع فيسبوك بذكاء، فنحن كشعب فلسطيني علينا أن نؤنسن قصتنا خلال تقديمها لتوازي ما يقوم به الاحتلال، ينقصنا الدعم لنستطيع مواجهة هذا الزخم الرقمي، أيضا هناك على ضرورة وجود صفحات تقدم القصة الفلسطينية باللغة العبرية كما يقدمون هم محتواهم باللغة العربية.

حول فيسبوك واللغط الجاري حوله من حيث خوارزمياته فهو منصة لها قوانينها ضد التحريض والعنف وغيرها وحول جزئية ظهور محتوى بعينه فهذا يحدث بناءا على الرسالة التي يحويها هذا المحتوى، فمثلا مستخدم فيسبوك الفلسطيني من الطبيعي أن يظهر له محتوى ناس ديلي الذي يتحدث فيه عن فلسطين وأيضا تعليقات أصدقاء في هذه الصفحة ومشاركتهم فيها قد يساهم في اقتراح هذا المحتوى وظهوره المتكرر حسب خورازميات فيسبوك بحسب الخبراء.

من المؤكد أن الفلسطينيين لديهم نقص هائل في الموارد المادية والمعلوماتية في زمن سريع التطور، ولا توجد حاضنة أو خطة استراتيجية للعمل بشكل واسع، ومواكبة وسائل الخطاب المستخدمة حاليا في العالم لذلك ربما أحيانا في ظروف كهذه مجرد البداية هي أمر كبير وهذا ما يوصي به الخبراء ونضرب مثالا هنا بضرورة إنشاء محتوى موازي لما يقدمه ناس ديلي وغيره، فلكل شخص يسعى أن يُقدّم مُحتوى على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة يستطيع ذلك من خلال منصته ودون دعم من أي أحد، فبالجهد والاستمرارية يستطيع تقديم رسالته، فلو استطاع كل شخص أن يتحدث عن قريته أو مدينته من خلال المنصة الخاصة به فهو بذلك يقدم الكثير لمواجهة هذه التحديات الخطيرة إلي تسخر لها إسرائيل وجيشها الكثير من الموارد المالية والمعنوية لمحو الهوية الفلسطينية وفرض هوية إسرائيلية لا أصل لها ولا وجود.

كلمات دلالية