مقاطعة إسرائيل وليس تطبيع العلاقات.. هو الحل لتحقيق العدالة والحرية للفلسطينيين

الساعة 09:29 ص|23 ديسمبر 2020

فلسطين اليوم

بقلم : محمد نزاري إسماعيل

ـــ (مسؤول حملة المقاطعة الدولية في ماليزيا)

تم إطلاق حركة المقاطعة «بي دي أس» عام 2005 من قبل 170 نقابة فلسطينية وجمعيات مهنية وشبكات اللاجئين والمنظمات النسوية ولجان المقاومة الشعبية وهيئات المجتمع المدني الفلسطيني الأخرى. وهي مستوحاة من حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتدعو أصحاب الضمير في جميع أنحاء العالم للمشاركة في الجهود المبذولة لتشكيل ضغط سلمي على إسرائيل حتى تمتثل للقانون الدولي من خلال تلبية ثلاثة مطالب:

١. إنهاء احتلال واستعمار الأراضي العربية وتفكيك الجدار.

٢. الاعتراف بالحقوق الأساسية للمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل بشكل كامل.

٣. احترام وحماية وتعزيز حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم على النحو المنصوص عليه في قرار الجمعية العامة لأمم المتحدة رقم 194.

تتوافق المطالب الثلاثة تماماً مع القانون الدولي. ويشكل رفض إسرائيل الامتثال للقانون الدولي فيما يتعلق بمعاملتها للشعب الفلسطيني والأراضي الفلسطينية ظلماً صارخاً. لذلك، فإن أصحاب الضمير الرافضين لعدم المساواة والظلم ملزمون أخلاقيّاً بالتضامن مع النضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة والمساواة.

ملامح جهود المقاطعة «بي دي أس»

تشكل حركة «بي دي أس» حركة شاملة لحقوق الإنسان، وهي حركة مناهضة للعنصرية تعارض من حيث المبدأ جميع أشكال التمييز، بما في ذلك معاداة السامية وكراهية الإسلام، وتحصل على الدعم من قبل حركة النقابات والكنائس والمنظمات غير الحكومية والحركات، حيث تمثل الملاين عبر القارات، وهناك حملات مقاطعة في المجتمعات في جميع أنحاء العالم، وتلعب الجماعات اليهودية التقدمية دوراً مهمّاً في حملة المقاطعة.

تمكنت حملة «بي دي أس» على مدار خمسة عشر عاماً منذ إنشائها ومن خلال حملاتها على مستوى القاعدة الشعبية من كسب قلوب وعقول المواطنين من العالم لاحتضان القضية الفلسطينية.

تنشط فروع حملة المقاطعة في جميع القارات وأينما تواجدت حملات ضد إسرائيل، وتشمل المقاطعة الأكاديمية والثقافية والاقتصادية التي تتضمن إجراءات مستمرة من قبل الطلاب والنقابين والحكومات المحلية.

استطاعت حركة المقاطعة أن تحدث تأثيراً حقيقيّاً وتتوغل في مناطق اعتقد الصهاينة سابقاً أنها «مناطق آمنة»، وأصبحت إسرائيل تشعر بضغط حقيقي، وهو ما يتضح من حقيقة أن وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية تم تكليفها بمهمة مكافحة حملة المقاطعة. وتعتبر دولة الفصل العنصري التي تعتمد بشكل كبير على تبييض وسائل الإعلام والتأثير على الرأي العام من أجل الإفلات من جرائمها، أن حركة «بي دي أس» تشكل تهديداً وجوديّاً، وتقوم بحشد آلياتها الدعائية الضخمة والممولة جيداً في الغرب من أجل الوقوف في وجه حملة المقاطعة، فإسرائيل والحركة الصهيونية لديها الكثير مما قد تخسره في الغرب، على عكس الفلسطينيين.

كان اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة مشغولاً بمحاولة تجريم حركة عالمية تتبنى مناهضة العنصرية واللاعنف والعمل القانوني المباشر في جميع حملاتها. حقق اللوبي نجاحات في جعل الولايات الأميركية تمرر قوانين مناهضة للمقاطعة، تبدو كانتصارات في ظاهرها ولكنها ليست انتصارات حقيقية عندما يأخذ المرء في الحسبان مدى امتنان السياسيين الأميركيين للوبي الصهيوني للتمويل والصورة الإعلامية. على المستوى الشعبي، في حرم الجامعات والمجتمع المدني، لا تزال المعركة مستعرة، وكلما طال أمدها، ازداد عدد الأميركيين الواعين بمعاناة الفلسطينيين والظلم الذي يتعرضون له ومدى استعداد اللوبي الصهيوني والمتعاطفين معهم في يأسهم للدفاع عن الجرائم الإسرائيلية واستمرارها لإفساد المثل والمعتقدات الأساسية للمجتمع الأميركي، وذلك بصرف النظر عن السيطرة على المسؤولين الحكوميين الأميركيين. ويجادل مقال من مجلة Harvard Law Review في شباط (فبراير) 2020 أنه إذا خضعت قوانين مناهضة «بي دي أس» التي أقرتها مختلف الهيئات التشريعية للولايات الأميركية لتدقيق المحكمة العليا الأميركية، فستجد هذه المحكمة أنها غير دستورية وتتعارض مع التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يضمن حرية التعبير، وبذلك تطيح بتلك القوانين.

جهود التطبيع الإماراتية البحرينية

وقعت دولتا الإمارات العربية المتحدة والبحرين اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في أيلول (سبتمبر). وتعتبر هذه الاتفاقية نكسة في وجه حملة المقاطعة ومناهضة التطبيع، ولكن في الواقع تظهر كأنها عائق أكثر وضوحاً من كونها حقيقة.

وليس من قبيل المصادفة أن الدول العربية التي تتودد إليها إسرائيل هي دول غير ديمقراطية لا تمنح حق الاقتراع العام لمواطنيها، ما يعني أن المجموعات الحاكمة في تلك البلدان قادرة على اتخاذ قرارات دون التشاور أو الاعتبار الواجب لمشاعر شعوبها.

تلاعبت إسرائيل ببراعة بمخاوف الطبقة الحاكمة في هذه الدول وعدم شعورها بالأمن كونها جاءت إلى سدة الحكم بطرق غير صندوق الاقتراع، استطاعت إسرائيل خداع هذه الأنظمة بجعلها تعتقد أن إقامة علاقات دبلوماسية معها سيعزز أمنها.

تم رسم تصور بأن شبح إيران يشكل تهديداً دائماً لاستقرار تلك المجموعة من الدول ٫ وهذا ما بني بحذر وبراعة من قبل آلة الدعاية المتحالفة مع الصهاينة لنفس الغرض المذكور أعلاه. وهكذا، اتخذت أنظمة الخليج قراراً غريباً باحتضان إسرائيل التي لديها سجل تاريخي في مهاجمة جيرانها العرب عسكريّاً عدة مرات دون أن يكون هناك استفزاز من تلك الدول لها.

كتب سفير دولة الإمارات في ماليزيا في محاولة لتبرير الخطوة التي اتخذتها بلاده بإنشاء علاقات مع إسرائيل لصحيفة ماليزية، وأحد الأسباب التي قدمها هو أنها ستساعد في جلب السلام ومنع الإسرائيليين من ضم المزيد من أراضي الضفة الغربية. وكان رد حملة المقاطعة في ماليزيا «بي دي أس ماليزيا» وأربع عشرة منظمة غير حكومية أخرى مقرها ماليزيا، رفض الادعاءات التي أدلى بها.

تعتبر إسرائيل أن حركة «بي دي أس» تشكل تهديداً وجوديّاً لمشروعها الاستعماري، رغم أن حركة المقاطعة لا تسيطر على جيش، ولا دبابات ولا صواريخ ولا قنابل ولا أسلحة على الإطلاق، وهذا ما يدل على أن الصهاينة فقدوا تماماً مساحة الجدل الفكري والأخلاقي في ظل إفلاسهم الكامل في هذا المجال.

يستمر النضال من أجل «فلسطين حرة»، بغض النظر عن عدد أنظمة الخليج التي تريد احتضان دولة الفصل العنصري الصهيونية. إنه صراع نبيل، مدعوم بالكامل بمنظومة أخلاقية تسندها جميع القوانين الدولية المعروفة، والأهم من ذلك كله أنه في الجانب الصحيح من التاريخ. ولهذا لن تتراجع «بي دي أس» عن كونها جزءاً مهمّاً من هذا النضال.

 

 

كلمات دلالية