الأسيرات الفلسطينيات: صرخاتٌ مكتومة في قبور متنقلة

الساعة 09:43 ص|16 ديسمبر 2020

فلسطين اليوم

" أنتِ معتقلة".. بتلك الكلمة يلتفّ أول قيد حول حريتها، وتبدأ أولى خطواتها نحو ظلمة السجون، تاركةً خلفها أطفالاً مازالوا يكملون حلمهم، وعيوناً تبكي الصمت وأفئدةً تلهج بالتكبير.                            واقعٌ تعيشه الأسيرات الفلسطينيات وذووهنّ في أي لحظة تحت حكم احتلال يدعي الاتهامات الكاذبة لتبرير اعتقالهنّ، وعندما يفقد التهم يلجأ إلى اعتقالهنّ إدارياً لأشهر عدة دون أدنى مسؤولية.

اعتقال وانتهاك

" من اللحظة الأولى إلي بحكيلك فيها أنتِ معتقلة يعني أنكِ فقدتِ حريتكِ وإرادتكِ" هكذا تحدثت لنا المعلمة المقدسية هنادي الحلواني عن تجربتها في الاعتقال حيث اعتقلت اثنين وستين مرة.

وأشارت في حديث لــ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، إلى أنّ الأسيرة تفقد أدنى متطلباتها وتصبح تحت أمر السجان بمجرد اعتقالها، كما و تعرض بيتها للاقتحام أكثر من خمس مرات وتم تخريب محتوياته، وملاحقة سيارتها، فضلاً عن قطع التأمين الصحي عنها وعن أبنائها.

وعن معاناة الأسيرة تقول الحلواني:"التحقيق هو فترة مرهقة خاصة وأنّ جسد المرأة يختلف عن جسد الرجل حيث يتم فحص الملابس كل يوم، عدا عن التفتيش العاري الذي يحاول المحتل من خلاله إلى إذلال الأسيرة وإرضاخها للاعتراف."

وتضيف:" يتعمد الاحتلال إلى وضعنا في مراكز توقيف تابعة للأسيرات الجنائيات، حتى يعرضنا للخطر أثناء وجودنا معهم".

" قبر متنقل" هكذا وصفت الحلواني سيارة "البوسطة" وهي سيارة تنقل الأسيرة من مراكز التحقيق إلى السجن حيث تمكث فيها أكثر من 24 ساعة، وأضافت:" يتم التعامل معنا داخل البوسطة كالبهائم، حيث تكون باردة في الشتاء وحارة في الصيف، يوضع فيها شخصين بينما لا تصلح لشخص واحد، ولا نستطيع خلال مكوثنا فيها من قضاء حاجتنا"، وتكمل أنّ المحتل يهدف من خلال البوسطة إلى إرهاق الأسيرة وإنهاكها قبل الوصول للتحقيق حتى يرغمها على الاعتراف.

أسباب كاذبة

ونوّهت الحلواني إلى أنّ الاحتلال يحاول إيجاد أسباب كاذبة لاعتقالها ومن بين هذه الادعاءات: أنّها تقوم بأعمال تشكل خطر على أمن المكان، والتحريض على منصات التواصل الاجتماعي، والتكبير داخل ساحات الأقصى، وآخر الاعتقالات كانت بسبب ملابس مكتوب عليها إنما الأقصى عقيدة، مضيفة:" هي أسباب واهية يلفقها المحتل لكن ذلك لم يمنعني عن المواصلة بل أصبحت موقنة بأنني على حق وأنني سأثبت في هذا الطريق مهما كلفني الثمن".

" أنا ما شفت أحد تحرك سوى المحامين فلم أرَ أي جهة قانونية تبادر لمساعدتنا" قالت مشيرة إلى دور المؤسسات الحقوقية.

وختمت الحلواني برسالة إلى الأسيرات في سجون الاحتلال:" هم الحرات واحنا الأسرى في ظل ما نشهده اليوم من الخنوع والتطبيع، فالتضحيات التي تقدمها الأسيرات هي ثمن لتحرير بيت المقدس،  وسنلتقي بهنّ قريباً في ساحات الأقصى محررات شامخات".

لا مراعاة للخصوصية

من ناحيته، أكّد إسلام عبده_ مدير الإعلام في وزارة الأسرى_ أنّ الاحتلال يعتقل المرأة شأنها شأن الرجل لا يراعي خصوصية في ذلك حيث تمكث في السجون ثماني وثلاثون أسيرة، مضيفاً:" ينتهج المحتل سلسلة من الانتهاكات منها: إعادة تركيب الكاميرات، ومنع الأسيرات من الزيارات، وحالة الاكتظاظ في سجون الاحتلال، ونقص الأغطية والملابس خاصة في فصل الشتاء".

ونوّه عبده في حديث لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، إلى الإجراءات الدفاعية التي تنتهجها الأسيرات ضد قرارات المحتل الظالمة حيث تضرب عن الطعام كما أضربت الأسيرة هناء شلبي عن الطعام لمدة أربعين يوم حتى نالت حريتها، وقد تلجأ الأسيرات إلى إرجاع الوجبات أو عدم الخروج إلى الفورة كخطوات تصعيدية ضد إدارة السجن الظالمة.

وأضاف قائلاً:" الجانب الإعلامي والمشاركة بالفعاليات والبرامج التثقيفية مهمة في إيصال رسالة للأسيرات أنهنّ لسنّ وحدهنّ".

وقالت الأسيرة المحررة شذى الجيوسي أنّها اعتقلت يوم 12/12/2019 ومكثت مدة خمس شهور في السجن ثلاثة منهنّ إدارياً، حيث تم اعتقالها وسط بيتها في رام الله ليلاً مضيفة:" اللحظات الأولى سميتها صدمة الاعتقال، لم أكن مستعدة ولم أتوقع اعتقالي لكن هناك قوة ربانية مدتني بالقوة أمام هذا القرار وطوال فترة سجني".

" أن تعتقلي في ظلمة الليل وتمشي مكبّلة اليدين والقدمين أمر مؤذي لكِ ولأسرتك، عدا عن انتقالك عبر البوسطة ومروركِ بالتحقيق"، وأضافت أنّ المحتل قد اعتقلها على خلفية نشاطاتها في الجامعة على أنها سياسية، فهو يتغنى بقوانينه الكاذبة.

الجسد لا الفكرة

وأردفت الجيوسي في حديث لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": "بكل تأكيد لم يغير السجن لا أفكاري ولا مبادئي، فأيّ إنسان صاحب مبدأ لا يوقفه شيء حتى لو سجن، فهم يعتقلون الجسد لكنهم واهمين إذا اعتقدوا أنهم نالوا من أفكارنا أو معنوياتنا، بل نخرج من السجن أكثر قوة وإصرار"، مضيفةً أنّ الله اختارها لأنها أهلاً لهذا الاختيار، فتضامن أسرتها وصديقاتها معها زادها قوةً، فالتكاتف في حياة الأسيرات بكل تفاصيل السجن هو أجمل ما رأته وشعرت بالامتنان تجاهه.

وختمت الجيوسي قائلة:" الأسيرات في السجون كالغريق يتعلق بقشة فمجرد تقرير يذكر عن صفقة تبادل يحرك فيهنّ الأمل ويدفعهن للتكبير، فأسأل الله لهنّ الحرية".

كاميرات مراقبة

وقالت أماني سراحنة_  مسؤولة الإعلام في نادي الأسير_ أنّ معظم الأسيرات القاصرات في سجون الاحتلال كبرنّ في السجن فالأسيرات القاصرات اللواتي اعتقلنّ عام 2015 هنّ عشرة أسيرات، مشيرة:" هناك ثلاثة عشرة أسيرة هنّ أمهات محرومات من أطفالهنّ".

وأكدّت سراحنة في حديث لــ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"،  أن وجود الكاميرات هو أكبر انتهاك تعاني الأسيرات منه، والعزل الانفرادي التي ما زالت تعانيه الأسيرة فدوى حمادة فالأسيرة تدفع أثمان باهظة في سبيل حريتها.

قائلةً:" تعاني الأسيرة من إجراءات الاحتلال التعسفية في منعها من الزيارة تزامناً مع انتشار فيروس كورونا وحتى حرمت بعضهن من الاتصال بأسرهنّ".

واستنكرت سراحنة الاعتقال الإداري كجزء من الأساليب التي تنتهجها المخابرات مع الأسيرات المؤثرات في المجتمع حيث تتعرض الأسيرة بشرى الطويل، وختام السعافين، وشروق المدني   للاعتقال الإداري حالياً.

" ضبوا أغراض الزنزانة" لا زالت الأسيرات يتمسكنّ بترانيم هذه الكلمات على أمل أن يستيقظنّ يوماً وبالفعل يوضبنّ أغراضهنّ وينفضنّ شعث سنواتٍ عشنّ فيها صنوفاً من المعاناة والظلم.

كلمات دلالية