«رياض خليفة».. أمضى حياته مطارداً وفضّل الشهادة على الأسر

الساعة 06:08 م|14 ديسمبر 2020

فلسطين اليوم

حمل روحه على كفّه منذ نعومة أظافره، رسم لنفسه الطريق ولم يحد عنها أبداً _فهذا الوطن المسلوب يستحق منه أن يبذل في سبيله الغالي والنفيس_ كره السراب، وآمن أن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلّا بالقوة، لذلك لم يتردد أن ينخرط في أعمال المقاومة ضد مَنْ اغتصبوا أرضه وشردوا شعبه.

باع نفسه والشاري كان أعظم.. القيود دمغت مِعصميه سنوات وسنوات بآثار لم ولن يمحوها الزمن، لكنه آثر هذه المرة أن يكون أسداً تطارده الكلابُ الضالة في الجبال، روحاً تُحلق في السماء على أن يكون جسداً يقتله ظلام دامس في زنزانة هنا، في إحدى هضاب غرب رام الله.

ميلاد قائد

ولد الشهيد القائد رياض فخري عارف خليفة بتاريخ 1-12-1970م، في قرية كفر نعمة شمال غرب مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، وعاش وترعرع بين أشجارها وأزقتها، وله ثلاثة أخوة و5 أخوات غير أشقاء، هو أكبرهم من الذكور، وكانت علاقته مميزة بهم ويُبهم حباً جماً.

لم يعش الشهيد رياض طفولته كباقي الأطفال، حيث فقد حنان الأب والأم معاً وعمره ثلاث سنوات، بعد اعتقال قوات الاحتلال الصهيوني لهما، ليحكم على الأب بالسجن لمدة عشر سنوات وعلى الأم لمدة ست سنوات، فقام عمه عبد اللطيف بلعب دور الأب والأم في آن واحد، وكان يعتبره واحداً من أولاده.

تلقى الشهيد القائد رياض خليفة تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس قرية كفر نعمة، وأنهى مرحلة الثانوية العامة مع بداية الانتفاضة الكبرى، وحصل في "التوجيهي" على معدل 86% (الفرع الأدبي).

تربى الشهيد رياض منذ صغره في المساجد وكان من روادها، وعرف عنه حبه الشديد لممارسة أعمال الرياضة، واحترف رياضة الكاراتيه وحصل فيها على الحزام الأسود (دان 2).

كان الشهيد رياض خليفة مرِحاً ومبتسماً، لم يكره أحد، أحبّ الجميع وأحبه الجميع، وشهد له الجميع بالخُلق الحسن، وتعلق قلبه بالمسجد، فأبان عن تدينه والتزامه، وإذا اقتنع بشيء صمم على تنفيذه ولم ينهه أحد عن القيام به.

مشواره الجهادي المشرف

في كانون الأول عام 1987م، كان الحدث الذي غيّر كل الموازين، صور الأطفال الذين يقفون بحجارتهم أمام بنادق ومجنزرات الاحتلال وزرعت الكثير في نفسية الشهيد رياض، فأبى أن يبقى الشاب الثائر متفرجاً، فشارك في فعاليات الانتفاضة الكبرى ونشاطاتها، والتحق بصفوف حركة الجهاد الإسلامي عام 1988م، وشارك في العديد من النشاطات التنظيمية والفعاليات الجماهيرية وكان له حضور مميز في كافة الفعاليات.

اعتقلته قوات الاحتلال للمرة الأولى عام 1989م، وأمضى في السجن مدة خمسة أشهر، خرج بعدها وهو أكثر دراية بمعالم الطريق الذي اختاره، ولا يسلكه إلا الأحرار الذين أبدوا استعدادهم لتقديم حياتهم رخيصة لما هو أغلى.

انضم الشهيد القائد رياض خليفة إلى خلية عسكرية لحركة الجهاد الإسلامي حيث نفذ من خلالها العديد من العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، وتدرب على صناعة العبوات الناسفة، كما اشترك في عملية تفجير خطوط أنابيب المياه الواصلة لمستوطنة "دولب" القريبة من القرية، وشارك في تفجير عبوة ناسفة في جيب عسكري صهيوني في قرية دير إبزيع برام الله.

تمكنت قوات الاحتلال من اكتشاف الخلية، واعتقلت أفرادها بتاريخ 11-1-1991م، وحُكم على الشهيد رياض نتيجة لنشاطه وأعماله الجهادية الطويلة لمدة سبعة أعوام ذاق خلالها شتى أنواع القهر والعذاب، خرج بعدها من الأسر في شهر 8 عام 1997م، والهامة مرفوعة لم تنكسر، ولم تمض سوى فترة قصيرة على خروجه من الأسر حتى توفي والده عن عمر يناهز 52 عاماً، فاشتدت عليه الأيام حُلكة.

ومع بداية انتفاضة الأقصى، قام الشهيد رياض خليفة بتشكيل خلية عسكرية لسرايا القدس، واستطاع تأمين السلاح والتمويل اللازم للنجاح، ونفذت تلك الخلية العديد من الهجمات ونصبت الكمائن لقوات الاحتلال ومستوطنيه موقعة العديد من الخسائر في صفوفها، وكان من بينها العملية البطولية التي نفذت على طريق راس كركر، وأصيب على إثرها مستوطن صهيوني، الأمر الذي جعله مطلوباً ومطارداً لقوات الاحتلال، ولم يمنعه ذلك عن الاستمرار، فقام بتشكيل خلايا عسكرية ودربها على السلاح، وفي أحد الأيام كان يجهز العبوات الناسفة، وأثناء تخطيطه وإعداده لتنفيذ عملية كبيرة تفجرت العبوة التي كان يَصنعها، ولكنّ الله سبحانه وتعالى نجاه وأصيب على أثرها بجروح طفيفة.

أصبح الشهيد رياض خليفة قائداً لسرايا القدس في رام الله، وتمكنت قوات الاحتلال من اعتقاله بتاريخ 12-2- 2003م، لكن من كُوي بنار السجن لسنين، فضل هذه المرة أن يكون رهيناً للموت على أن يبقى مكبلاً بقيد سجّانيه، ما دفعه إلى الاجتهاد وهو في سجن "عوفر" القريب من بيتونيا لتحرير نفسه حيث استطاع رياض مع مجاهدين آخرين أن يحفروا نفقاً تحت الأرض يخترق به جدران السجن، وفي صباح يوم 12 مايو من العام 2003م تمكن الشهيد رياض خليفة مع الأسير المحرر أمجد دار الديك والشهيد المجاهد خالد شنايطة أن يحفروا نفقاً تحت الأرض يخترق به جدران السجن، وتمكنوا من تحرير أنفسهم من ظُلمة السجن ليستمروا في رحلة الجهاد ومقاومة الاحتلال.

تعرض الشهيد المجاهد رياض خليفة للاعتقال من قبل أجهزة أمن السلطة (الأمن الوقائي)  لأكثر من ستة أشهر تعرض خلالها لصنوف من التحقيق والتعذيب إلا أنه بقي صابراً محتسباً رافضاً الظلم والضيم.

مطارد يقرر الزواج

طلب الشهيد رياض خليفة من والدته – وهو وحيدها- الزواج من الفتاة فاطمة مصطفى خصيب وكانت معلمة في أحد مدارس رام الله، ليتم ذلك الزواج في ظروف قاسية، إذ ان حفل الزفاف جرى دون وجود العريس، فالحس الأمني حتّم عليه أن يغيب عن عرسه وكذلك كونه مطارداً لقوات الاحتلال، الى ان استشهد القائد رياض خليفة بعد زواج استمر لسبعين يوماً، وكانت نعم الزوجة المؤمنة الصابرة المثالية التي تستحق كل التقدير، وكانت كرامة من الله أن تكون زوجته حاملاً بطفلهم الأول الذي لم يتسن للأب ولا للإبن من رؤية بعضهما بعضا.

موعد الرحيل

قبل أيام قليلة من استشهاده، أخذ الشهيد رياض خليفة يبحث في بيت عمّه عن لائحة الاتهام التي وجهتها له قوات الاحتلال، قرأها ثم ضحك وقال "يا عم لو سلمت نفسي لهم لحكموا علي بالسجن المؤبد لكني أحمد الله أني حررت نفسي من الأسر".

أتت ساعة الرحيل، وآن الأوان لهذا الفارس أن يترجّل، ففي الرابع عشر من شهر ديسمبر لعام 2003م، اقتحمت قوة عسكرية احتلالية الجزء الجنوبي من قرية كُفر نعمة، وكان الأسد في عرينه في إحدى المغارات ينتظر خفافيش الليل، وخلال مواجهة عنيفة تمكن جنود الاحتلال من اعتقال المجاهد أمجد الديك - أفرج عنه في وقت لاحق – وحمل الشهيد رياض بندقيته التي لم تفارق كتفه وصوبها تجاه جنود الاحتلال، وما هي إلّا ثوانٍ وقد تحول الشاب الوسيم إلى جسدٍ يمزقه الرصاص من كل جانب، لم يتركوه إلّا وقد لفظ أنفاسه الأخيرة، وهو قابض على بندقيته

كلمات دلالية