خبر سليمان .. طفل فلسطيني أُغلقت معابر غزة في وجهه وفُتحت له أبواب الموت

الساعة 08:10 ص|08 مارس 2009

فلسطين اليوم-غزة

حلقة جديدة من مسلسل ضحايا الحصار يشهدها المجتمع الفلسطيني. أبطالها مغلوب على أمرهم، لا يمثلون ولا يصطنعون، فدورهم محدد ومعروف، هو الموت على أعتاب المعابر.

 

يجري ذلك مع مرور كل يوم على إغلاق معابر قطاع غزة. أما أحدث حلقات هذا الموت المبرمج، فبطلها طفل معاق لم يتجاوز خمسة أعوام. إنه الطفل سليمان أحمد أبو رجيلة، من بلدة خزاعة، الواقعة إلى الشرق من خان يونس (جنوبي قطاع غزة). فقد التحق سليمان بركب شهداء الحصار، صباح السبت (7/3)، بعد أن استنفد النفس الأخير من صدره، الذي يضمّ قلباً مصاباً بثقبين، عجز الأطباء في غزة عن علاجه.

 

وبينما انشغلت والدة سليمان باستقبال النساء المعزيات، أرشدتنا للقاء ابنها البكر محمود (23 عاماً)، الذي رافق شقيقه الأصغر في رحلة الألم والمعاناة في المشافي والمعابر، وكان على وشك السفر معه إلى مستشفى داخل الأراضي المحتلة سنة 1948، لكن حالة سليمان المتفاقمة لم تتحمّل المماطلة طويلة الأمد في الإجراءات.

 

وبعد تنهيدة طويلة اختصرت سنتين من المعاناة في علاج شقيقه؛ بدأ محمود في سرد تفاصيل وفاة سليمان، وحكايته مع المرض الخطير الذي أصابه في سن مبكرة.

 

يقول محمود "ولد شقيقي وكان ترتيبه العاشر بين إخوته، وهو منغولي (مرض داون) ولكن درجة أولى، أي ليست بالشديدة، وكان يمارس حياته بشكل طبيعي، ويعي ما حوله، وبعد ثلاث سنوات أصيب بتضخم في القلب، ثم تطوّر إلى ثقب في القلب".

 

كان الطفل الضحية سليمان، يتمنى لو ينام يوماً واحداً كما يرقد أقرانه الآخرون، فهو لا يتمكن من أن يغفو إلاّ بوضع رأسه على أكثر من وسادة، بسبب ما يعانيه من صعوبة شديدة في التنفس أثناء النوم، جراء مرضه.

 

وكانت جولة تنقلاته الماراثونية بين مشافي قطاع غزة قد بلغت مبلغها، فأخذ أهله يرتحلون به من طبيب إلى آخر. إلاّ أنّ الجواب لدى الجميع كان موحداً؛ فعلاجه داخل قطاع غزة غير ممكن، ولا بد من ارتحاله إلى مصر أو إلى الجانب الإسرائيلي لتلقي العلاج في المشافي هناك.

 

يضيف محمود "زادت حالة شقيقي سوءً، وكل يوم يمرّ يعرِّض حياته للخطر بشكل أكبر، وتظهر عليه أعراض من قبيل ضيق شديد في التنفس واكتساء وجهه باللون الأزرق، وبعد جهد جهيد استطعنا الحصول على تقرير طبي يؤكد الحاجة إلى علاجه في مصر، ومرفق بالمستندات اللازمة، إلاّ أنّ إغلاق المعابر والحصار المفروض على غزة حال دون سفره".

 

بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، ومع دخول العديد من الوفود الطبية الأجنبية، تم عرض حالة الطفل على فريق طبي سوداني، في مشفى غزة الأوروبي، وعندها تم اكتشاف ثقب آخر في قلب سليمان، فشدّد الأطباء على التوصية بنقله للعلاج في مصر.

 

ويؤكد شقيق سليمان حصوله على تقرير يُعرف في المجال الطبي بـ "نموذج رقم 1"، وتم تسليمه إلى وزارة الصحة بغزة، فتبيّن أنه لا يمكن تحويل المريض للعلاج إلاّ عن طريق مؤسسة خاصة، لما تكلفه عمليات القلب من مصروفات باهظة، ولكن الأسرة المنكوبة لم تعثر على مؤسسة لهذا الغرض.

 

ومع تعقيدات الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات؛ حاول شقيق سليمان الدخول به إلى معبر رفح، باعتباره حالة إنسانية عاجلة، فكان الردّ المصري بالرفض إلاّ بعد حصول الطفل على جواز سفر.

 

يواصل محمود سرد رحلة المعاناة قائلاً "لم نتمكّن من الحصول على جواز سفر للطفل المريض، لأنه جوازات السفر يُمنع بكل بساطة إرسالها إلى قطاع غزة، لكنّ وزارة الداخلية بغزة اقترحت أن نضيف اسم المريض إلى جواز الوالد، الأمر الذي كان مستحيلاً بسبب إقامته في المملكة العربية السعودية".

 

ويؤكد محمود أنّ أحد العاملين في وزارة الداخلية الفلسطينية خرق القوانين المعمول بها، وقام بإضافة اسم المريض في جواز شقيقه، الأمر الذي يعتبر مغامرة، على أمل أن تسمح السلطات المصرية بذلك، لدواعٍ إنسانية.

 

وبعد ركوب محمود وشقيقه أحد الحافلات في طريقهم إلى معبر رفح، فوجئ بإخباره أنّ المسؤولين المصريين أبلغوا الجانب الفلسطيني بعدم إمكانية إجراء عمليات قلب في مصر، وهنا بدأت دورة جديدة من المعاناة، تقترب بالطفل من حافة الهاوية.

 

ومع إغلاق معبر رفح في وجه الطفل المعاق سليمان، واصل شقيقه محمود جهده مع وزارة الصحة الفلسطينية، حتى تمكّن الدكتور بشير أبو جراد، مدير مشفى الدرة، التنسيق للسفر للعلاج داخل الأراضي المحتلة سنة 1948. لكنّ الموعد الذي حدده الإسرائيليون كان بمثابة شهادة وفاة قسرية، ذلك أنهم اختاروا لذلك الخامس والعشرين من شهر آذار (مارس) الجاري.

 

ويبيِّن محمود أنه بذل مجهوداً كبيراً ليكون موعد السفر أقرب، خاصة وأنّ حالة شقيقه لا تحتمل مزيداً من التأخير، ولكن قدر الله كان الغالب. فقد توفي سليمان صباح السبت السابع من آذار (مارس)، بعد دقائق من نقله إلى المشفى، لتدهور حالته بشكل كبير ومفاجئ، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة وفارق الحياة، بعد أن ضاقت به معابر القطاع ولم تخفق له أفئدة الذين يمسكون بقرار فتحها.

 

عيون أشقاء سليمان التسعة، مغمورة بالدمع الذي يغلي حنقاً وكمداً على فراق شقيقهم الأصغر، الذي أغلقت في وجهه المعابر والحدود، وهو المعاق الذي لا حول ولا قوة له.