خبر مصطفى الصواف يكتب : التدخلات الخارجية تفسد الحوار وتقضي على المصالحة

الساعة 08:18 ص|07 مارس 2009

 

الأيام كفيلة بكشف النوايا والتأكيد عليها، ومشكلتنا أننا نسمح للتدخلات الخارجية في رسم سياساتنا وعلاقاتنا ببعضنا البعض، حتى باتت الأموال تشكل وسيلة لتعزيز السيطرة، الخارجية والتي بدورها تكرس الانقسام وتقضي على آمال الوحدة بين قوى الشعب الفلسطيني، لكن البعض رهن نفسه بالهبات والمساعدات المشروطة والممنوحة لجهات بعينها، وهم يعلمون أن هذه الجهات مختلف عليها بين الفلسطينيين.

 

ما لفت انتباهي هو ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية من تقديم أموال إلى السلطة في رام الله من أجل دعم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، وهذا الدعم ليس بريئا، ولكنه مشروط بأن تبقى الأجهزة الأمنية على ما هي عليه الآن، وأن تنفذ المخطط لها من قبل القائد العام لها الجنرال (كيث دايتون)، حتى الأموال التي منحتها الإدارة الأمريكية لصالح إعمار قطاع غزة بعد أن دمرته آلة الإرهاب والعدوان الصهيونية، فقد ذكرت مصادر مقربة من الإدارة الأمريكية أن ثلثي المبلغ الممنوح الذي قدر بـ900 مليون دولار هو لحكومة رام الله، وما تبقى وقدره 300 مليون دولار هي لإعمار غزة، وهذا المبلغ المتواضع الممنوح للقطاع مشروط سياسياً، والجميع استمع إلى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون سواء في شرم الشيخ أو خلال زيارتها لفلسطين المحتلة، التي ترى أن على حركة حماس الاعتراف بـ(إسرائيل)، وهذا الشرط تعلم كلينتون أنه صعب المنال، وأن حماس لن تعترف بمن اغتصب ارض فلسطين، ولن تعطيه الحق في اغتصابه.

 

كل هذا والإدارة الأمريكية تعلم أن اللجان الخمس التي انبثقت عن جولة الحوار الأولى في القاهرة منها لجنة تعمل على إعادة تأهيل وتشكيل الأجهزة الأمنية، بحث تكون أجهزة مهنية  وطنية بعيدة عن الفصائلية، وتعمل لصالح الشعب الفلسطيني، وكذلك العمل على إخراج هذه الأجهزة من الفئوية والحزبية بحيث تكون مفتوحة لكل أبناء الشعب الفلسطيني، وليس لفئة بعينها وهي حركة فتح، وأن هذه الأجهزة في الضفة الغربية وفق وزير داخلية حكومة فياض التي لم تنل ثقة المجلس التشريعي، الذي قال عندما تم تخريج إحدى الدورات في العاصمة الأردنية عمان مخاطباً أفراد الدورة، أن هذه الأجهزة وهذه التدريبات ليست لمقاتلة الكيان الصهيوني إنما لمكافحة الإرهاب، والإرهاب من وجهة نظر القائد العام لقوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية هو المقاومة، وهذا ثبت بالدليل العملي حيث ملاحقة المقاومين، واعتقالهم، ومداهمة منازلهم هو الشغل الشاغل لهذه الأجهزة في الضفة، وبعضها تعدى هذا الأمر وقام بعمليات تصفية لعناصر المقاومة وقتلهم أو تسليمهم لقوات الاحتلال بأشكال مختلفة، وهو ما تحدثت به بعض القوى الفلسطينية المقاومة.

 

في ظل هذه المواقف الأمريكية التي يقبل بها السيد محمود عباس ، لا نعتقد أن السيد عباس وفياض في واردهما أن الحديث عن إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية له علاقة بالضفة الغربية، وأن المراد فقط هو قطاع غزة؛ لأن أمريكا والدول المانحة لن تقبل أن يأتي من يخرب عليها ما سعت وتسعى إليه، وهي من أنفقت على أجهزة الضفة الغربية وتدريبها وتسليحها ورسم أهدافها، ولن تسمح أن تكون هذه الأجهزة قابلة للتغيير والتبديل، أو أن تفتح لدخول أصحاب التوجهات الأخرى إليها لأنها لم تُعدّ لذلك، وستقف هذه الدول حجر عثرة في طريق تحقيق الوحدة خاصة إذا علمنا أن أي فشل في أي لجنة سيؤدي إلى فشل الحوار والمصالحة، وهذا يؤكد موقفنا من أن هذه التدخلات ستفسد الحوار والمصالحة.

 

وبناء على ما تقدم، فالجميع مدعو إلى النظر في الأمر بمنتهى الخطورة والجدية سواء القوى الفلسطينية والمتحاورين الأساسيين ( حماس وفتح ) وعلى رأس كل ذلك مصر، التي لا ترغب بأن يفشل هذا الحوار، لأن ذلك يمس بكرامتها وإرادتها ومساعيها نحو استرداد مكانتها الإقليمية سواء في المنطقة أو في العالم .

 

وسنبقى نؤكد في كل مرة أن الشعب الفلسطيني وقواه الحية تعمل وتتمنى أن تتحقق المصالحة، وينتهي الانقسام وتعود الألفة والوحدة بين كل الفلسطينيين على قاعدة أن فلسطين كل فلسطين محتلة وأن قانون إزالة الاحتلال هو المقاومة والى جانبها أي وسيلة أخرى، المهم هو تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة الدولة.

 

لكن لو استمرت المواقف على ما هي عليه، والتدخلات كما هي، والاستجابة إليها كاملة، يبقى الوصول إلى مصالحة فلسطينية من ضروب المستحيل، وسيكون الانقسام سيد الموقف، ومن يتحمل ذلك من يتدخل في الشأن الفلسطيني ويمنح مالاً سياسياً مشروطاً وعلى حساب حقوق شعبنا، ومع الأسف هذه الضغوطات تجد من يتقبلها ويعمل على تحقيقها.

 

المطلوب الوقوف الجاد في وجه التدخلات الخارجية مهما كانت ومن أي جهة، وكذلك رفض أي معونات أو أموال سياسية مشروطة، ويجب أن نكون على قناعة أننا لن نموت جوعا، لأن الرازق هو الله (ورزقكم في السماء وما توعدون) حقوقنا وكرامتنا أهم بكثير من أموال يكون القبول بها ضياعا للحقوق، وهدراً للكرامة.