خبر حكومة بيبرمان..يديعوت

الساعة 11:03 ص|06 مارس 2009

بقلم: ناحوم برنيع

عضو الكنيست جمال زحالقة تعرف على افيغدور ليبرمان عندما كانا يدرسان في الجامعة العبرية في اواخر السبعينيات. ليبرمان كان حامل اغراض تساحي هانغبي، الذي كان قائد اليمين في الجامعة. هذه كانت فترة عنيفة حافلة بالشجارات بين الطلاب اليهود ونظرائهم العرب. زحالقة الذي كان يدرس الصيدلة  (اليوم يحمل لقب الدكتوراة في الصيدلة) كان شريكا نشطا في تلك الجلبة. هو يقول ان صورة ليبرمان المخيفة مضللة: عندما كانوا يبدأون بالضرب فعلا كان ليبرمان يفر من المكان.

يظهر من هذا الرأي الذي عبر عنه زحالقة ان ليبرمان ابعد من ان يكون الازعر العنيف الذي تشتق من مسلكياته الخطط الاستراتيجية. زعرنته تبدأ بالكلمات وتنتهي عندها. رغم انه اسرائيلي مخضرم يعيش هنا منذ 31 عاما - اكثر من اغلبية الاسرائيليين – ورغم انه خاض مسيرة سياسية جميلة في المؤسسة الاسرائيلية وجمع الاموال بالطرق التي جمعها بها اسرائيليون مخضرمون من قبله، الا انه ما زال يسعى لاثبات شيء ما لمن هم اكثر منه قدما. هو يستمد رضاه واشباعه من قيامه باعمال مقصودة وعن سبق اصرار.

هذا جوهر المطلب الذي طرحه عندما طلب الحصول على كل الوزارات التي تتولى تطبيق القانون وتعيين البروفيسور داني فريدمان وزيرا للعدل. خصومه في الجهاز السياسي على قناعة انه يسعى من خلال هذه الطريقة لاخافة الشرطيين والنواب العامين والقضاة الذين سيبحثون في قضايا الفساد التي اتهم بها. ربما انا اعتقد ان ليبرمان يتمتع من رؤية اشخاص محترمين متعلمين وهم يفقدون اتزانهم امام مطالبه. وفي هذه الاثناء من شدة الجدال حول فريدمان يقبل الجميع باستسلام تعينه وزيرا للخارجية الذي هو تعين لا يخلو من الاشكالية من عدة زوايا.

وزير محكمة العدل العليا اهارون باراك نفى في هذا الاسبوع انه توجه مباشرة لايهود باراك وعرض عليه ادخال حزبه لحكومة نتنياهو شريطة ان لا يكون فريدمان وزيرا للعدل. كلام فاضي. قال باراك لم يحدث امر كهذا ابدا.

ولكن ايهود باراك قال بان شخصا ثالثا جاء اليه وقال له ان هذا ما يطلبه باراك وقادة العليا الاخرين. هذا الشخص جاء في هيئة رسول. باراك اعتقد ان هذه المبادرة مشروع. هو اعتبرها ذريعة مريحة لانضمامه لحكومة اليمين.

قضاة العليا المتقاعدين تدخلوا فيما لا يعنيهم: هم يقولون رأيهم علانية امام كل مكبر صوت يتاح لهم. هم يفعلون ذلك خارقين قواعدهم الاخلاقية ان لم يكن نصا فروحا. ليس من المفترض بالقضاة المتقاعدين ان يتدخلوا في السياسة او تشكيل الائتلاف او تعيين وزراء العدل او اقالتهم. هم يتهمون فريدمان بهدم مكانة الجهاز القضائي في اسرائيل. الحقيقة هي انهم قد اضروا الجهاز القضائي في حربهم التي خاضوها ضد فريدمان اكثر من الضرر الذي لحق بهذا الجهاز في اي وقت من الاوقات.

هناك خطوط حمراء كثيرة تم اجتيازها في هذه الحرب. تم استخدام صحافيين ورجال قانون وشخصيات عامة بطرق ليست بطرق. قيلت امور كان من المحظور ان تقال. اهارون باراك الذي اسهم اسهاما هاما في الحفاظ على حرية الراي والجدل في اسرائيل لم يقبل بالاراء الاخرى التي اعتقد انها تتعلق بوجود محكمته. بشارة الليبرالية والانفتاح والتسامح خرجت من مقر القضاء في القدس ولكنها لم تصل اليه.

فريدمان تابع الصراع الدائر حول بقائه في منصبه بصمت مسل. ولو كنت مكانه لتنازلت عن التعيين ولكني لست مكانه. مثل ليبرمان واهارون باراك مع الفوارق، فريدمان هو شخص يفعل عكس ما يراد منه. هم يريدون ان يوجهوا له ضربة فيعيد لهم.

القيثارة الثالثة

في لحظة الحقيقة كشف ايهود باراك بانه ليس سياسيا. الاصدقاء يقولون له فلتوضح الرسالة يا باراك ولتقل اليوم امرا وفي الاسبوع القادم عكسه، المهم ان تتحدث بوضوح، اما باراك فغارق في اموره: لا يوضح رسائله ولا ياخذ براي الاخرين.

في صبيحة يوم الانتخابات قال باراك ان الناخب ارسل حزبه لصفوف المعارضة. هذه كانت مقولة واضحة جدا. هي لم ترتكز على الفشل الفادح في الانتخابات وانما ايضا على حسابات رياضية بسيطة: الليكود والمتدينين وحزب العمل يبلغون معا 59 عضو كنيست. نتنياهو بحاجة لليبرمان او للاتحاد الوطني حتى يحقق الاغلبية. ان لم يكن حزب العمل قادرا على العيش في حكومة مع هذين الحزبين فليس له مكان في حكومة نتنياهو.

نتنياهو ايضا يعرف الحساب: لذلك لم يكن بامكانه ان يعد باراك بشيء باستثناء تعيينه وزيرا للدفاع.

رغم ذلك، شرع باراك في مباحثات مع نتنياهو وقال له في المحادثة الاولى ان وجهه يسير شطر المعارضة. في المحادثة الثانية لم يقل. في كتلة حزب العمل اشتبهوا بوجود مؤامرة اما باراك فاعتقد بانهم اصيبوا بعقدة الشك. انا اطلب منك ان تعلمنا بما يحدث قال له بوغي هرتسوغ. باراك رد عليه قائلا انا لا اعلمكم لانه لا يوجد ما يتوجب ان اعلمكم به.

ولكنهم سمعوا توضيحاته ورأوا لغة الجسد ففهموا: باراك متحرق للدخول للحكومة. هم وزعوا ما بقي من كتلتهم باثنين: باراك واثنين حتى ثلاثة وزراء الذين يأملون بالبقاء في الحكومة يتحركون بدوافع شخصية ومن الناحية الاخرى كل من تبقى. الجانبان هنا يتحركان بدوافع شخصية كما قال باراك. هو يطالبهم بالا يفكروا بانفسهم وان يخوضوا حوارا حقيقا معا.

عندما يقول باراك "حوارا حقيقا" هو يقصد فترة انتظار تقف خلالها كتلته المنرفزة جانبا ومن بعد هذه القترة سيعود من عند نتنياهو مع اقتراح يكون في نظره جذابا لينعقد مركز الحزب او مؤتمره ويصوت.

عندما سمع ان شيلي يحيموفيتش تتدعي انه قد عرض عليها ان تكون وزيرة للتجارة والصناعة في حكومة نتنياهو وانها رفضت الاقتراح رد بكلمة واحدة: "هذيان".

باراك محق في مسالة واحدة: هناك اعتبارات شخصية لدى الجانبين مثلما تعتبر الحكومة مريحة لباراك وسمحون وفؤاد فالمعارضة مريحة لاوفير بينس وشيلي يحيموفيتش. عمير بينس وبوغي هرتسوغ يوجهان اعينهما لمنصب رئيس الحزب. هما سيجدان صعوبة في اقالة باراك عندما يكون وزيرا للدفاع.

باراك اقتبس امامهم مقولة رابين القديمة: ليست لدينا دولة احتياطية. عندما قال رابين ذلك كان لدى حزب العمل حوالي 40 مقعدا برلمانيا. مع 13 مقعدا يصبح الحديث عن الدولة مغامرة مبالغا فيها. حزب العمل لا يمتلك الاحتياط فقط وانما السيارة الوزارية ايضا.

باراك اقترح على نتنياهو مواجهة  ليبرمان. ان تغلبت على هذا الجهاز ومنعته من الحصول على وزارة العدل او وزارة الامن الداخلي سنبدأ بالتحدث. هو افترض انهما ان تحدثا فسيكون من الممكن الحصول على تمثيل مفرط لحزب العمل من نتنياهو في الحكومة والمجلس الوزراي المصغر. نتنياهو لم يكن مستعدا لقول كلمة نعم لانه يعرف الحساب.

بالرغم من ذلك باراك لم يتنازل. قال لرفاقه ماذا هل نتنياهو مجذوم ومارق؟ لقد تحدثت مع اعداء اسرائيل ومع قتلة جنودي فلماذا لا اتحدث مع بيبي؟

ان تكون في الحكومة ليس صورة في القصر وليس مسالة لا يمكن تجاوزها وليس عملا غريبا، قال لرفاقه. لو كنا المعارضة الرئيسة اصلا لنهضنا من هناك وخضنا المنافسة على القيادة ولكن ان تكون قيثارة ثانية في المعارضة ليس افضل من ان تكون قيثارة ثالثة في الحكومة.

رفاقه يدعون انه يفعل الامور المريحة له وانه يريد الديوان والمكانة حتى ان ادت هذه الخطوة الى ابادة حزب العمل نهائيا. هو قلب عبارتهم وعكسها: ليس هو وانما هم الذين لا يتحملون المصاعب. هو استخدم في ذلك عبارة قديمة من عهد وحدة الاركان الخاصة: من يصعب عليه فليصبح حارسا للبوابة.

البوم النصر

عملية "الرصاص المصهور" في غزة جاءت لاستعادة صورة الردع الاسرائيلي في مواجهة حماس وفرض قواعد لعبة جديدة في الجنوب. ولكنها فشلت فشلا ذريعا في تحقيق هذين الهدفين لشدة الاسف. حماس لم تصبح اكثر ليونة ولم تخف وتهريب السلاح استأنف واطلاق الصواريخ ما زال مستمرا. مواطنو غزة يعتبرون الان في نظر العالم ضحية للانتقام الاسرائيلي. الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يضغطون لفتح المعابر ويجمعون الاموال لاعمار الدمار. ومصر تعمل على اقامة حكومة وحدة فلسطينية، هذ الخطوة التي قد تكون جيدة لاسرائيل على المدى الطويل ولكنها تنذر بالسوء على المدى القصير.

بكلمتين اثنتين: اكلناها. حقيقة ان اجماعا وطنيا قد تبلور حول هذه الخطوة من اقصى اليمين حتى ميرتس، تزيد من الاحباط. ليس هناك اخفاق عسكري للتشبث به او فضيحة يمكن استخدامها كعلاقة. لجنة فينوغراد لن تتشكل في هذه الحالة ولو تشكلت لن يكون امامها من تتهمه. الكل او لا شي.

في هذا الاسبوع وصلني العدد الجديد من "في البرية" التي يصدرها ذراع قوات البرية في الجيش الاسرائيلي. هذا عدد خاص اريد منه الاحتفال بالنصر الذي لم يكن في عملية "الرصاص المصهور". ورق العدد ورق ذو نوعية جيدة والصور ملونة. قائد ذراع البرية اللواء افي مزرحاي يطل علينا من غلاف العدد وما الى ذلك من التزويقات والتلوينات وروائع الامور وسحر الطائرات بلا طيار وجاذبية المحتل ومدفعياته.

"22 يوما من المعارك، وستة عشر يوما من القتال البري" تتفاخر هذه المجلة وكأن معركة واحدة حتى قد حصلت في غزة، وكأنه يمكننا ان نقول انه كان هناك قتال.

في متحف الحرب في القاهرة يمكنك ان تجد تفصيلا لانجازات الجيش المصري في حرب يوم الغفران. الجيش المنتصر يجتاز القناة ويحتل المعاقل ويقود الجنود الاسرائيليين للاسر. اما ما حدث بعد ذلك فلا توجد كلمة واحدة حوله. ولو تلميح حتى.

يبدو ان احدا ما في الجيش الاسرائيلي يصر على الانخراط في الشرق الاوسط.

امريكا اخرى

سفير اسرائيل في واشنطن سالي مريدور رافق وزيرة الخارجية الجديدة هيلاري كلينتون في زيارتها للبلاد في هذا الاسبوع. هو استغل الزيارة حتى يعلم اولمرت ولفني ونتنياهو شخصيا انه عائد الى البيت. مريدور هو اول من يستقيل اثر تبدل الحكم في اسرائيل. وفي هذا قدر غير قليل من السخرية.

هو يقول ان اسرائيل ستواجه واشنطن اخرى الان. الحديث عن الحلف الابدي مع اسرائيل سيكون دافئا مثل الماضي ولكن شيئا جذريا سيتغير في سلم الاولويات ومشاعر البطن والاجواء العامة. في عهد بوش كان عبء البرهنة عن ذلك ملقى على كاهل الجانب العربي. اما في عهد اوباما فسيلقى العبء بدرجة كبيرة على رئيس وزراء اسرائيل.      

هناك مفارقة تاريخية غير قليلة في المنظومات السياسية. في الوقت الذي يميل فيه الناخب الامريكي لليسار ينحرف الناخب الاسرائيلي يمينا. بعد الانتخابات في البلاد نصح سياسيان بارزان نتنياهو بان يقول لتسيبي لفني انه يقبل خريطة الطريق. بهذه الطريقة ستربح: اما ان تنضم لحكومتك او انك ستكشف زيفها. نتنياهو رفض هو خشي من ان يتفكك حلفه مع اليمين.

نتنياهو لا يستطيع ان يتوجه لاوباما وهو مسلح بكاتسالا من الاتحاد الوطني. ما رفض ان يقوله هنا سيتوجب عليه ان يقوله هناك. وما هذه الا البداية.

حكاية عاطفية

الرئيسان الامريكيان الاخيران كلينتون وبوش منحا قادة حكومة اسرائيل مساعدة سخية والى جانبها تاييد جارف: هم سمحوا لهم بان يشعروا انهم في بيوتهم عندما يحلون على البيت الابيض. كلينتون كان وما زال كبير المهرة في منح الدفء اللحظي للاجانب الذين يرغب بارضائهم. عندما وجد رابين صعوبة في وضع ربطة عنقه كانت ايادي كلينتون تمتد الى هناك ملاطفة وملامسة. وعندما تاخرت طائرة رئيس الوزراء بيرس ذات مرة بسبب عاصفة ثلجية تم ادخال القافلة الاسرائيلية ومن ضمنها ثلة من الصحافيين الى البيت الابيض مندفعين في مواجهة رجال الشرطة المذهولين.

جورج بوش تعامل مع اولمرت مثلما تعامل كلينتون مع رابين. هو قام باصعاده للطابق الثاني حيث المساكن، وتحدث معه هناك على انفراد وكانهما تربيا معا على مذهب جابوتنسكي. في احدى المقالات التي نشرت هنا كتب ان اولمرت اطول من بوش احدهم ترجم للرئيس هذه الجملة فقرر القيام باختبار للطول: اوقف اولمرت الى جانبه وحرص على ان يلتقط الصحافيون صورة لهما.

هذا الدفء الاستعراضي ساحر جدا ومتزلف جدا لدرجة قد يقود فيها نحو التضليل. قضية مونيكا ليفنسكي تكشفت في عام 1998، خلال زيارة نتنياهو لواشنطن. نتنياهو جلس مع كلينتون عندما دخل الى الغرفة احد ضباط الصحافة في البيت الابيض وسلم الرئيس قصاصة ورق. جاء في هذه الورقة ان الواشنطن بوست ستنشر الحكاية خلال ساعات قلائل. كلينتون طلب من نتنياهو استراحة قصيرة وبعد الاستراحة استأنف المحادثة من دون ان يقول له كلمة حول ما يشغل باله فعلا.

كل هذا معروف. الامر غير المعروف انه في الطريق الى الطائرة قال نتنياهو لاحد المرافقين الامريكيين انه يريد الاتصال بالرئيس فورا. انا انوي ان اقول لكلينتون انني مررت بشيء مشابه ومن تجربتي ان اعرف ان الامر ليس فظيعا جدا وانه يمكن التغلب عليه. المسؤول الامريكي اقنع نتنياهو بان لا يفعل ذلك.