الشهيد هاني عابد... النموذج الأرقى للعمل الجهادى

الساعة 08:13 م|02 نوفمبر 2020

فلسطين اليوم

إذا أردت أن تقتنع بفكرة تحسس جمالها، وارقب حامليها ومنظّريها، هل يمتلكون صفة الجمال وآداب وروعة الفكرة . عندما انطلقت حركة الجهاد الإسلامى تملكت عقل ووجدان كل من سمع عنها ورأى روعة من يحملها من شباب معظمهم لم يتخطَّ العشرين من عمره ،  يمتلكون جمال المظهر وأخلاق الدين وملكة الثقافة العالية وروعة التنظير وآداب العشرة وحسن الخُلُق ، لذا كان من الطبيعى ان يُقال عنها بعد سنوات قليلة من تأسيسها أنها حركة نخبوية وهذا ما كان معروفاً عنها داخل السجون أيضاً ، وقد استطاعت الحركة بطرحها الفكرى والدعوى وفاعليتها على الارض من خلال الممارسة الجهادية أن تجذب كافة شرائح الشعب الفلسطينى من النخب والعمال والكادحين وعوام الناس ...وأحد النماذج الحية لهذه النخبة التى خرجت من رحم المخيم ومجبولة بهموم الهجرة والفقر والحرص على التعلم والتعليم هو الشهيد هانى عابد الذى هاجرت عائلته من قرية سمسم ،   والذى لا زالت صورته الهادئة والعميقة مغروسة فى وجدانى وعقلى  ... لقد مثّل أنموذجاً للمجاهد  المثقف والأكاديمى ، هانى عابد " أبو معاذ" والذى كان اسمه وسيرته الطيبة يترددان كثيرا فى السجون ممن عرفه ، ولقد تشرفت بمعرفته عن قرب عند خروجى من السجن حيث زارنى مهنئا بصحبة الأخ  المرحوم والمثقف الكبير يوسف قوّش أحد القيادات المهمة فى حركة الجهاد الاسلامى وقد توطدت علاقتنا بعدها بشكل كبير ، واستمرت لقاءاتُنا فى غزة ورفح وخانيونس خصوصا فى كلية العلوم  والتكنولوجيا حيث عملنا سويا ثم تركتها وقد آثرت العمل الخاص وبقى هو محاضرا فيها ، وبالرغم من صفة المثقف الهادئ الذى لازمته إلا أنه كان فى حركة دائمة ، طوال النهار يتنقل بين محافظات غزة كالفراشة وهو منهمك فى نشاطات الحركة ومؤسساتها الاعلامية والمطبعية والاصدارات والزيارات الى جانب عمله محاضراً فى كلية العلوم والتكنولوجيا قسم الكيمياء ... عندما تصاعدت العمليات ضد الاحتلال الصهيونى بداية التسعينات اصبح هانى عابد هدفا للمخابرات الصهيونية التى طاردته كثيرا ولم تستطع الوصول اليه أو اعتقاله ...  وواصل نشاطاته بشكل اكبر بعد اتفاقية اوسلو وقدوم السلطة بل كان من اكثر شباب الحركة نشاطاً وتحركا مما اضطر أجهزة السلطة الفلسطينية وبايعاز من المخابرات الصهيونية لإعتقاله وقد اعتبرته وسائل الاعلام حينها أول معتقل سياسى فى زمن سلطة أوسلو، وبعد احتجاجات وردود فعل فلسطينية غاضبة اضطرت السلطة للافراج عنه ، ثمَّ تضاعف العمل الجهادى  وتشكيل الخلايا العسكرية و قيام مجاهدى "قسم" الذراع العسكرى لحركة الجهاد الاسلامى بعمليات استشهادية قوية ضد الاحتلال فى قطاع غزة داخل المستوطنات المنتشرة على طول قطاع غزة والطرق المؤدية اليها وكذلك فى المدن المحتلة عام ٤٨ مما جعل المخابرات الصهيونية تستشعر الخطر الذى يمثله الأكاديمى هانى عابد ضد أمنها فقامت برصد تحركاته وكان اليوم الذى صدَّر فيه هانى عابد رئيس تحرير صحيفة الإستقلال حينها بيان الحركة حول وعد بلفور هو يوم استشهاده بزرع عبوة ناسفة من قبل عملاء الاحتلال تحت سيارته الجاثمة فى ساحة الكلية التى يعمل فيها وما أنْ تحرك موتور سيارته مغادراً حتى انفجرت العبوة وتم نقله الى مستشفى ناصر بخانيونس ، وهناك صعدت روح أبى معاذ الى بارئها شهيدا يوم 2/11/1994 ... كم شعرنا حينها بالفراغ الذى خلّفه أبو معاذ بروحه الطيبة المألوفة والجميلة للمجاهد الملتزم والنموذج الحى للمثقف المقاوم، لقد امتلك الشهيد هانى عابد شخصية  راقية يندر ان تجدها فى هذا الزمن ...