تطبيع السودان: الاحتلال سعى له ليفقد القضية الفلسطينية ساحة إسناد مهمة

الساعة 09:20 ص|02 نوفمبر 2020

فلسطين اليوم

لم يكن الحديث عن التطبيع مع السودان كغيره من الدول المطبعة الأخرى، سعت له "إسرائيل" بكل قوة، وهو ما أكده تقرير استراتيجي، حيث أن التطبيع مع السودان سيُفقد القضية الفلسطينية ساحة إسناد خارجي مهمة وهو ما تريده "إسرائيل" .

وأكد تقرير صادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أن تطبيع السودان علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي يفتقد لدعم المكوّن المدني في الحكم الانتقالي، سيُفقد الفلسطينيين ساحة إسناد خارجي مهمة.

ويتحدث التقرير عن موقف السودان التاريخي من القضية الفلسطينية، مؤكدا أنها كانت أحد الخطوط الرئيسية في السياسة الخارجية السودانية، ولم تحظَ بوضع الأولوية التي كانت تُعطَى لدول الجوار وللعلاقات العربية والدولية بشكل عام، وتحديداً مع الولايات المتحدة، والصين، والدول الخليجية؛ إلا أن سياسة الإسناد التي اتبعتها الحكومات السودانية المتعاقبة، جعلت السودان يشارك في محطات مهمة في تاريخ الثورة الفلسطينية، وكان ذلك من خلال دول أخرى ولا سيّما مصر.

وأوضح أن علاقة السودان مع الفلسطينيين لم تتحول إلى تحالف شامل قوي على الرغم من قوة علاقات الصداقة والتعاون، كما أن مستوى التعاون كان يتوقف على مستوى الضغوط الأمريكية على السودان وتفاعلاتها.

وبيّن التقرير أنه كثيراً ما تعرضت هذه العلاقة بين السودان والمقاومة الفلسطينية للاهتزاز والانقطاع، ولكنها كانت تزدهر عقب أيّ استهداف إسرائيلي للسودان أو حملة إسرائيلية عسكرية قوية على فلسطين، ثمّ ما تلبث أن تعود لمستوياتها العادية.

 

ورأى التقرير أن "السودان في وضعه الانتقالي الراهن قد خرج من دائرة التأثير في القضية الفلسطينية بعد أن كان يلعب دوراً مهماً فيها، إذ كان يرفع من مستوى حضورها السياسي والأمني في المربع الإقليمي".

وتابع: "وهذا الخروج استمرار للوضع السابق الذي تراجعت فيه العلاقة مع الجهات الفلسطينية الرسمية والمعارضة إلى مستويات عادية جداً، وربما إلى مستويات ضارة أمنياً لرغبته في توثيق علاقته الأمنية الأمريكية".

وبشأن ردود الفعل الفلسطينية لتطبيع السودان علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، رجح التقرير، عدم تغيير العلاقة السياسية مع السلطة الفلسطينية بسبب هذا التطبيع، إذ سيستمر التأكيد السوداني أن هذا التطبيع لن يؤثر على الموقف المبدئي للسودان من حقوق الشعب الفلسطيني والدعوة لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وهي اللغة التي يشترك فيها جميع من بادر للتطبيع.

ويستدرك التقرير: لكن على أرض الواقع ستكون السلطة الفلسطينية خسرت موقفاً عربياً جديداً دون أن ينعكس ذلك إيجاباً على مطالبها التي صاغتها الدول العربية؛ كما أن المقاومة الفلسطينية خسرت ساحة إسناد مهمة مما سيدفعها إلى السعي لتعويض هذه الخسارة، والبحث عن مداخل جديدة لاحتياجاتها التي لن تمر بالضرورة عبر التنسيقات شبه الرسمية كما كان يحدث سابقاً، بحسب التقرير.

السودان وإسناد القضية الفلسطينية

ووصف موقع السودان في خريطة القضية الفلسطينية أنها ساحة إسناد خارجي، وعادةً ما تكون مساندتها من خلال دولة أخرى وسيطة بسبب الفاصل الجغرافي البري عن فلسطين والمتمثل في مصر، والفاصل البحري للمياه الإقليمية المصرية عن الساحل الفلسطيني الجنوبي على البحر الأحمر.

وقد تنوّع هذا الإسناد من الإسناد السياسي، والدبلوماسي، إلى الإسناد العسكري، والإسناد الأمني، فيما يعدّ الإسناد الماليّ محدوداً بسبب الفقر الاقتصادي؛ وهناك مجالات إسناد أخرى مهمة، تمثّلت في الإسناد التعليمي؛ من خلال منح فرص التعليم الجامعي وفوق الجامعي لمئات الفلسطينيين سنوياً في حقب مختلفة، وهناك إسناد المأوى حيث استقبلت السودان موجات بشرية فلسطينية صغيرة عسكرية ومدنية في فترات مختلفة. بحسب التقرير.

وأكد على أن السودان دخل خطّ الإسناد المباشر دون وسيط عبر منظومة التأهيل والتدريب للمقاومة الفلسطينية، وعبر تهريب السلاح لها بحراً وبراً عبر عصابات محلية قبلية في مراحل مختلفة من عمر السودان بعد حرب 1967.

وأشار إلى أن السودان فتح أبوابه للأطراف الفلسطينية بتمثيل رسمي بمستويات مختلفة، فقد اعترف بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها بعد اتفاقية أوسلو، إذ توجد سفارة فلسطينية قديمة في السودان، كما سمح للمقاومة الفلسطينية أن تفتح مكاتب لها عبر واجهات إعلامية أو شعبية أو مؤسسات بحثية، وفق ضوابط متغيرة لا تستند إلى فلسفة واحدة نظراً للضغوط التي تمارس على السودان ومدى الاستجابة لها، فقد أغلقت هذه المكاتب مراراً بشكل نهائي أو جزئي.

وانتعشت هذه العلاقة في بعض المراحل وتطورت إلى دعم سياسي، وعسكري، بينما ساءت جداً في مراحل أخرى ولا سيّما في الأربعة أعوام الأخيرة من عمر نظام الإنقاذ، برئاسة المشير عمر حسن البشير.

وقال: "بقي السودان مصنّفاً ضمن الدول المحسوبة على محور المقاومة طوال حكم الإنقاذ، ورفض التطبيع علناً في محطات عديدة من عمر الإنقاذ، ومع ذلك فقد أخذ ملف التطبيع يُطرح من البعض في السنوات الأخيرة من عمر نظام البشير.

 

 

السودان وموقفه من الدولة العبرية

واستعرض التقرير موقع السودان في الاستراتيجية الإسرائيلية، مشيرا إلى أن السودان كان منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948 محل استهداف إسرائيلي نظراً لكونه في العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر.

وأشار التقرير إلى أن الاستراتيجية الإسرائيلية كانت في صوب تفكيك العلاقة مع مصر دائما، ودعم الحروب الأهلية، وتمزيق السودان إلى دول وأقاليم متنازعة، وجعل السودان بؤرة توتر وقلق مصري دائم، وإضعاف السودان ومنعه من التحول إلى دولة مؤثرة أو مركزية أو محورية في محيطها الإفريقي.

العلاقات الإسرائيلية المصرية

وأوضح أنه بعد تطور العلاقة المصرية الإسرائيلية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تغيّرت الاستراتيجية الإسرائيلية مؤقتاً نحو جعل السودان منطقة جذب مصرية جنوبية، تتجه إليها حركة الهجرة والعمل إذا تعرضت مصر لأي انهيار سياسي أو كارثة عامة لمنع الاتجاه صوب الشرق، كما هو حاصل في أكثر التجارب التاريخية السابقة.

كما يتاح للسودان أيضاً - بحسب التقرير - أن يكون قادراً على امتصاص حركة النزوح والهجرة في حال انهيار الدولة الإثيوبية ذات الكثافة السكانية العالية؛ حيث استسهل الإثيوبيون الهجرة إلى إسرائيل الأقرب إليهم من أوروبا والأقل كلفة في الهجرة غير الشرعية، ويمكنهم الادعاء أنهم يهود فلاشا.

مقدمات التطبيع وفرص نجاحه

واعتبر أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة في السودان، والعقوبات الأمريكية القاسية، جعلت النظام السياسي الجديد الهش يسعى مضطراً للخروج منها عبر بوابة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

وقال: "ومع ذلك، يواجه مسار التطبيع عقبات كبيرة بسبب المعارضة الشعبية الواسعة وحتى من داخل المكوِّن المدني في الحكم الانتقالي، كما أن المؤسسات الدستورية لم تكتمل في السودان؛ وهو ما يجعل التطبيع جزئياً، وخاضعاً للتدرج بناء على استجابة النظام السوداني للشروط الأمريكية الإسرائيلية".

ورأى التقرير أن "فرص نجاحات التطبيع السياسي ضعيفة في ظلّ ظروف الحكم الانتقالي، الذي لا يتيح له اتخاذ قرار بهذا الحجم، دون مؤسسات تشريعية تتحمّل مسؤوليته أمام الشعب، ودون وجود حاضنة شعبية مؤيدة له؛ حيث ستتحرك القوى الشعبية المعارضة لهذا القرار ضده، وستضيفه إلى التبريرات العديدة الداعية إلى إسقاط هذه الحكومة ورموزها.

وأضاف، "كما سيتخذ أنصار النظام السابق هذا التطبيع ذريعة لتأكيد اتهامهم للحكم الجديد؛ بأنه يعادي الإسلام والعروبة، وأنه مشروع غربيّ مفروض على السودان، وأن التطبيع محاولة لإبقاء النظام الانتقالي حياً على الرغم من موته اقتصادياً، وفشله في إدارة البلاد، وارتهانه للخارج".

وبيّن التقرير انه "ما تزال قوى أساسية في قوى إعلان الحرية والتغيير وأحزاب رئيسية ترفض التطبيع، وتعدّ ما جرى تجاوزاً غير مقبول من طرف الحكومة والقيادة العسكرية، وأنهم لا يملكون تفويضاً من الشعب ولا من اللجنة المركزية لقوى إعلان الحرية والتغيير؛ كما أن القوى الإسلامية وحلفاءها التي نشطت مؤخراً على خلفية التدهور الاقتصادي، ستعمل على تصعيد خطابها المعارض، وتحشيد الشارع ضدّ هذا التطبيع".

واعتبر التقرير أن التطبيع السوداني لم يكن مطلباً أو اختياراً وإنما كان اضطراراً واستجابة للضغوط، أو ربما كان توظيفاً لبرامج خارجية في سياق التغيير الثوريّ، ترافق معه ابتزاز أمريكي؛ وما تزال قوى رئيسية في الحكم والمعارضة ترفض التطبيع وتعدّه انتقاصاً من السيادة الوطنية وأنه يجب التخلص منه.

كسر التطبيع

وبيّن التقرير أنه هنالك ثمة فرصة للعمل الفلسطيني لاستمرار التواصل مع القوى السودانية في كل المستويات، وتثبيت بعض المصالح القائمة في السودان، واستعادة بعض ما فُقِد خلال السنوات السابقة، وإعادة التواصل مع الأحزاب والقوى الشعبية وإسناد أدوارها في نصرة القضية الفلسطينية، ومواجهة التطبيع إعلامياً وسياسياً وإظهار مخاطره على السودان في المدى المتوسط والبعيد.

كما يمكن التحذير من نشاطات القوى التطبيعية وأجنداتها الخارجية، والتوضيح أن تطور العلاقات السودانية الأمريكية لا يعني بالضرورة تورط السودان في التطبيع ومخاطره وأعبائه الثقيلة على الأمن القومي السوداني ومصالح السودان الاستراتيجية؛ مع الأخذ بعين الاعتبار أن السودان ما زال تحت سياط العقوبات الأمريكية التشريعية وما زال مشواره طويلاً في الرفع الكامل لهذه العقوبات.

هل من فوائد للتطبيع؟

وسواء تعلَّق رفض النظام لذلك بأسباب مبدئية أم سياسية، فإن التقديرات التي خرج بها التقرير الاستراتيجي، كانت تشير إلى أنه لا فائدة ترجى من التطبيع، وأنه سيتحول إلى عبء كبير لن يحتمله السودان الذي يعاني من استنزاف أمني واقتصادي كبير، خصوصاً أن الاستراتيجية الإسرائيلية تصنّف السودان عدواً استراتيجياً بسبب موقعه الجغرافي وعلاقته بمصر، كما يمتاز لسلوك الإسرائيلي بالعداء الشديد من خلال دعم حركات التمرد، وتحريض اللوبي اليهودي الأمريكي الدائم على السودان".

كلمات دلالية