رسائل حملها حوار بندر بن سلطان: ساعة الصفر للتطبيع

الساعة 01:05 م|08 أكتوبر 2020

فلسطين اليوم

خرج السفير السعودي السابق في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، أمس في حوار حصري مع قناة «العربية» السعودية يتحدث عن مجموع من القضايا، أهمها ما اعتبره البعض فتح الباب لشيطنة الفلسطينيين والتقارب مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.

في هذا الحوار، كان إقحام القضية الفلسطينية والهجوم على قادتها أمرًا غير مفاجئ من حيث طبيعته، إذ إنه يأتي في سياق التطورات والتحولات الهامة التي تحيط بالعلاقات العربية مع إسرائيل خاصة من محيطها وطرفها الخليجي، لكن المراقبين قد يرون في خروج ابن سلطان في هذا التوقيت عدة رسائل هامة، منها أن ما قاله بمثابة مقدمة من التبريرات وحجج استباقية سعودية للتطبيع مع إسرائيل، وخلق رأي عام عربي وخليجي أيضًا مناهض ليس فقط للقيادة الفلسطينية، بل أيضًا للرواية التاريخية والرواية الوطنية الفلسطينية، وكذلك الضغط على القيادة الفلسطينية وتخويفها من وقف الدعم العربي بغية دفعها للاستجابة للخطة الأمريكية والتوجهات الإسرائيلية.

«ابن سلطان» يصف القادة الفلسطينيين بأقسى التعبيرات

في الحوار آنف الذكر، عرضت قناة «العربية» تصريحات الرئيس محمود عباس، ومسؤولين فلسطينيين آخرين استخدموا عبارات في رفض التطبيع الإماراتي والبحريني، ثم سنحت للأمير السعودي بندر بن سلطان الرد فوصف تلك التصريحات بأنها: «كلام هجين ومستوى واطي، ولغة مرفوضة، فكلمات خان وطعن في الظهر التي استخدمتها القيادة الفلسطينية، هي مستساغة بالنسبة لهم، لأن هذه سنتهم في تعاملهم مع بعضهم»، كذلك وصف ابن سلطان، الذي شغل سابقًا منصب الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي، «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)» بـ«الانفصاليين الذين يحكمون غزة».

يرى الكاتب والباحث في العلوم السياسية عمر الغول أن الأمير ابن سلطان حاول خلط الأمور بشكل مقصود وغير إيجابي، وأن الألفاظ ضد القيادة الفلسطينية لا تتناسب مع منطق رجل دبلوماسي له علاقة تاريخية بالقيادة الفلسطينية عن قرب، وردًا على قول ابن سلطان أن الرئيس الراحل ياسر عرفات قال له إنه كان يريد الموافقة على «كامب ديفيد» لولا تهديد حافظ الأسد له، قال الغول: «نحن ضد كامب ديفيد مع مصر والعرب جميعًا كذلك، وكلام بندر يخلط الأوراق ويقلب المعادلات رأسًا على عقب، ومع ذلك نقول: إن توقيع مصر على كامب ديفيد هو غير توقيع الإمارات والبحرين، كدول لا صراع لها مع إسرائيل، فالأجدر بابن سلطان أن يدافع عن مبادرة السلام العربية التي طرحها عمه الملك عبد الله».

واعتبر الغول أن كلام الأمير السعودي لا يمثل الموقف الرسمي السعودي، وقال: «ابن سلطان كان مسئولًا للأمن سابقًا، ولا يمثل الآن السياسية الرسمية السعودية، وعندما يحدث أي شيء فلكل حادث حديث».

تحدثنا أيضًا إلى المحلل السياسي إبراهيم المدهون الذي قال: إن من يمثل التوجه السعودي الحقيقي هو الملك، أو ولي عهده، أو حتى الناطق باسم وزير الخارجية، ويضيف: «حتى اللحظة السعودية متحفظة على إعلان موقفها الرسمي من التطبيع مع إسرائيل، لكن لا شك أن هذا ربما يمثل بعض التيارات داخل النظام السعودي المتأثرة بالإمارات، هذا الحديث دليل أقرب للرؤية الإماراتية من الرؤية السعودية ويبدو أن السعوديين اليوم في مرحلة شد و جذب، هناك ثقة أن الموقف السعودي كما كان في السابق هو موقف داعم للقضية الفلسطينية».

ويشدد المدهون على أن ما يحدث من ابن سلطان هو من محاولات التفاف البعض على الدعم السعودي للقضية الفلسطينية والمواقف المبدئية يعني انجرار لبعض التوجهات في الخليج أو خوفًا من الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتقد المدهون أن السعودية ما تزال مترددة في اتخاذ موقف من التطبيع ولكن لا شك – حسب المدهون – هناك حالة من حالات الإرباك في الخليج بسبب الموقف الفلسطيني الموحد، وينوه المدهون: «الآن الذي يريد أن يلعب على الانقسام الفلسطيني لن ينجح لأن الشعب الفلسطيني اليوم موحد ضد صفقة القرن وضد موجة التطبيع».

خيارات سعودية مناوئة للسلطة الفلسطينية

تواصل السعودية عبر أشخاص شبه رسميين أو عبر الذباب الإلكتروني أو صحافيين معروفين الهجوم على الفلسطينيين بين الفنية والأخرى كما أسلفنا، وقد شهدت الفترة الأخيرة نهجًا سعوديًا في خطاب شعبوي لا يتوانى عن إهانة كل ما هو فلسطيني.

على خلاف الرأي السابق، يقول المحلل السياسي ساري عرابي إن بندر بن سلطان يُعبر عن الموقف الرسمي للمملكة العربية السعودية، ولا يغرد خارج السرب، فينبغي أن يكون معلومًا أن أي موقف يخرج من داخل المملكة العربية حتى لو لم يكن من العائلة الحاكمة، أو من مسؤول حالي، أو مسؤول سابق، هو في الغالب يتماهى مع الموقف الحقيقي للقيادة السعودية، ويضيف: «إذا كنا نتحدث عن السعودية نحن لا نتحدث عن دولة ديمقراطية، وكلنا يعلم حجم القمع لأي صوت مخالف للتوجهات الرسمية للمملكة العربية السعودية في هذا الوقت، السعودية هي معنية بالتطبيع وعلى الأرجح هي التي دفعت البحرين للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي».

ويبين ساري خلال حديثه لـ«ساسة بوست» أن أي شكل من أشكال الدفاع السعودي عن التطبيع الإماراتي والبحريني هو دفاع موقف السعودي الحقيقي المتماهي مع خط التطبيع الذي يمارس التطبيع السري، فهناك علاقات سرية بين العهد الحالي في المملكة العربية السعودية والكيان الإسرائيلي، لا سيما في مجالات التجسس وتقنيات استخباراتية وما شابه.

ويعتقد عرابي أن تصريحات بندر بن سلطان تأتي ضمن مجموعة من السياقات، أولها أنها جزء من الحملة السعودية المفتوحة – على الأقل منذ مجيء محمد بن سلمان وليًا للعهد – ضد الشعب والقضية الفلسطينية، السياق الثاني أنها جزء من التمهيد علاقات تطبيعية أوضح وأكثر علانية مما هي عليه الآن، والسياق الأخير يخص الضغط على القيادة الفلسطينية وتخويفها من وقف الدعم العربي بغية دفعها للاستجابة للخطة الأمريكية والتوجهات الإسرائيلية، موضحًا: «يستنبط من هجوم بندر على القيادة الفلسطينية أن السعودية بحجمها وثقلها قد تتبنى خيارات مناوئة للسلطة الفلسطينية، كاستبدال هذه القيادة، فيما يحمل الحديث عن الدعم المالي رسائل تهديد بحصار اقتصادي للسلطة».

قرب سعودي من التطبيع مع إسرائيل

يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية في جنين، أيمن يوسف أن تصريحات بندر تندرج في إطار خلق أرضيات ومبررات للتطبيع العربي الخليجي مع دولة الاحتلال وربما خلق رأي عام عربي وخليجي أيضًا مناهض ليس فقط للقيادة الفلسطينية، وربما أيضًا للرواية التاريخية، والرواية الوطنية الفلسطينية.

ويذهب يوسف إلى أبعد مما سبق بكون تلك التصريحات تأتي في ظل تحكم الرواية التاريخية الإسرائيلية بكل مقتضيات الحالة العربية الإسرائيلية، ويوضح يوسف أن «بعض القادة السعوديين والخليجيين يحاولون أن يخلقوا مبررات وأرضيات كما قلت في سياق التطبيع، وربما يخلقون ظروفًا ومستجدات حتى يهيئوا الظروف مستقبلًا لدول أخرى عربية يمكن أن تدخل في حالة تطبيع مع دولة الاحتلال من دول الخليج ومن غير دول الخليج، فهذا المسار أصبح يأخذ أشكالًا ومظاهر وتداعيات عديدة، منها التطبيع السياسي، ومنها تطبيع مع الدولة الإسرائيلية، ومنها نفي الرواية الفلسطينية الوطنية والسياسية».

ويبين يوسف أن إصرار القادة السعودية على الحديث المستمر عن المساعدات السعودية للفلسطينيين يهدف إلى خلق مبررات أن الفلسطيني عاجز، ولا يستطيع القيام ببناء مؤسسة، ويفتقد القيادة السياسية القادرة على تلبية المطالب السياسية، ويتابع القول: «أحد الرسائل ربما تشجيع للفلسطينيين لخلق قيادات بديلة، قيادات تكون قادرة على اتخاذ ما يسمونه القرارات المصيرية، والقرارات المصيرية المقصودة هي التطبيع مع الحالة المزرية التي خلقتها الدول العربية الخليجية منها تحديدًا بالاعتراف بإسرائيل، والاعتراف بما تمنحه صفقة القرن وخطة نتنياهو للضم».

ويشدد يوسف على أن هناك أيضًا محاولات خلق حالة من الشك وعدم اليقين واستغلال التناقضات الداخلية الفلسطينية حتى يصبح شكلًا من أشكال التمرد على الواقع الحالي التي تعيشه الضفة وغزة، مؤكدًا على أن الهدف هو «اللعب على هذه الأوتار لخلق تناقضات ومبررات لدول عربية أخرى تشجيعًا للدخول في علاقات تطبيعية، والرسالة الأخرى أن الفلسطيني بقيادته الحالية لا يستطيع أن يتخذ قرارات مصيرية بما يتعلق بالمستقبل الدولي، ومستقبل التفاوض مع دولة الاحتلال».

كلمات دلالية