بقلم الأسير: نمر مفيد خليل
سجن النقب الصحراوي
لا يختلف اثنان على حال الدول العربية الغارقة والمنهكة في الحروب الأهلية والطائفية والمذهبية، هذه الحروب التي تعصف بدولنا العربية منذ عقد من الزمن حسب اعتقاد كثير من المحللين السياسيين والمختصين في الشؤون العربية تندرج تحت عدّة أسباب:
أولى هذه الأسباب: فساد تلك الحكومات التي تحكم الشعوب منذ عقود من الزمن وتنهب خيراتها وثرواتها دون حسيب أو رقيب.
وثانيها: التبعية العمياء والرهان الخاسر على أمريكا وفتاها المدلل دولة الكيان الصهيوني، وكأن دولنا العربية غاب عن ذهنها تلك التصريحات التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس في العام 2006م عن شرق أوسط جديد حسب الرؤية الأمريكية الصهيونية. نعم هذا هو المطلوب عدم الاستقرار في المنطقة وأن يبقى حال الدول العربية مستغلًا في الحروب الداخلية، هذا الوضع المتأزّم والملتهب أوجد حالة من الانهيار غير المسبوق في الموقف العربي الإسلامي بالانزلاق نحو التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني، وأصبحت هناك مؤشرات وحملات إعلامية عربية وكتاب مأخوذين لتهيئة الرأي العام وغرس ثقافة التطبيع والخنوع في عقول الأمة باعتبار الكيان الصهيوني هو دولة محبّة للسلام، والعدو الحقيقي في المنطقة هي إيران، هذا الانزلاق والتحول التاريخي في الموقف العربي لم يكن اعتباطًا وليس بمحض الصدفة، بل كان له مقدماته ومؤشراته واضحة المعالم، فكيف إذًا نفسر وصول وفود عرب وعلماء دين مسلمين في فعاليات متنوعة، والراعي لهذه الزيارات الموساد ووزارة الخارجية الصهيونية والناطق بلسانها للشؤون العربية حسن كعبية، وكذلك تأكيد مسؤولين صهاينة على موافقة السعودية تسيير رحلات جوية مباشرة من الكيان الصهيوني إلى دول الخليج، وما نسمعه بين الفينة والأخرى من تصريحات هنا وهناك أبرزها تصريح وزير المواصلات الصهيوني يسرائيلكانتس حول مشروع السكك الحديدية الذي يربط ميناء حيفا بالسعودية ودول الخليج والبحر المتوسط، ويصب في صالح الاقتصاد الصهيوني، هنا استحضرني سؤال:هل جرى لقاءات سابقة بين رؤساء دول عربية وقادة من دولة الكيان؟
في الحقيقة أخي القارئ إن كنت لا تعلم فقد حصلت لقاءات سرية كثيرة وعلى مستوى عالٍ كان لها ما بعدها، ومن أبرز هذه اللقاءات لك أن تسميها المسمار الأول في نعش الدول العربية المطبعة، لقاء نتنياهو بوزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد وسفير بلاده في واشنطن يوسف العتيبة وتحديدًا في تاريخ 28/09/2012م تمّ عقد اللقاء في فندق ريجنسي في شارع 61 زاوية بارك في نيويورك، ورافق نتنياهو في هذا اللقاء مستشار للأمن القومي في حينه اللواء احتياط يعقوب عميدو السكرتير العسكري، وتمحور اللقاء حو تكثيف الجهود العدوانية المشتركة ضد إيران، والذي ساعد نتنياهو في عقد هذا اللقاء ما كان يسمى بمبعوث السلام في الشرق الأوسط سابقًا طوني بلير، وقد كشفت صحيفة هآرتس الصهيونية عن فحوى هذا اللقاء عام 2017م.
ومن ضمن اللقاءات السرية ما كشفته المحطة العبرية (13) في 11/04/2019م عن محادثات سرية بين نتنياهو وسلاطين الخليج (وفود، مقابلات، رسائل سرية) برعاية رئيس الموساد يوسي كوهين، وكذلك اللقاء السري في عام 2009م الذي جمع الرئيس الصهيوني السابق بيريز في حينه وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، إذ إن التطبيع مع دولة الكيان لم يكن وليد اللحظة وكما أسلفنا كان له مقدماته ومؤشراته وبصريح العبارة تم التحضير له على قدم وساق.
فحالة الضعف والهوان في وطننا العربي كانت هي الأرض الخصبة التي أنبتت هذا الخنوع والتبعية العمياء لعدو الأمة بأسرها أمريكا والكيان الصهيوني.
وحتى لا نبتعد كثيرًا فصفقة القرن التي خرج علينا بها هذا الفاشي المسمى ترامب من أهم بنودها التطبيع قبل حل القضية الفلسطينية مقابل تشكيل جبهة عربية صهيونية ضد إيران وتغيير نظام الحكم فيها الداعم للمقاومة، إذًا ما المطلوب؟ وما الذي نحن بحاجة إليه في هذا الوقت؟
في الحقيقة ما نحن بحاجة إليه في ظل هذا الوباء التطبيعي:
أولًا:تحصين البيت الفلسطيني من الداخل، وإنهاء حالة الانقسام الذي أضرّ بالقضية الفلسطينية، وما شهدناه من اجتماع القيادة الفلسطينية والأمناء العامين لفصائل المقاومة في تاريخ 03/09/2020م في فلسطين والشتات هو باكورة الشعور بالمسؤولية حيال هذه المذبحة السياسية.
ثانيًا: إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس واضحة وبرنامج وطني شامل يشارك فيه الكل الفلسطيني ويعيد للقضية اعتبارها بين الأمم.
ثالثًا: يجب التحرك دوليًا بأن يكون حراك نوعي ومنظم لمؤسسات المجتمع الأهلي والتجمعات المناصرة للقضية الفلسطينية على امتداد العالم لتبقى هذه القضية حاضرة باستمرار في عقول ووجدان الأحرار.
وأخيرًا: المباشرة في حراك دبلوماسي وإعلامي مضاد في كافة المحافل الدولية.