صحيفة إسرائيلية للفلسطينيين: ألم تفهموا أن عصر منظمة التحرير انتهى منذ أسبوع ونصف؟

الساعة 10:06 م|25 سبتمبر 2020

فلسطين اليوم

قبل بضعة أشهر، أعلنت كلية الإدارة السياسية، التي تحمل اسم جون كيندي، في جامعة هارفرد، بأن أمين سر اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف صائب عريقات سينضم في السنة الدراسية 2020/2021 إلى الكلية كزميل كبير للدبلوماسية. وبعث مسؤول كبير في وزارة العدل الأمريكية سابقاً، المحامي نيل شير، هذا الأسبوع، برسالة لوزير العدل والأمن الداخلي الأمريكيين، طلب فيها منهما منع دخول عريقات إلى الولايات المتحدة. وذلك بسبب أعماله الداعمة للإرهاب على مدى السنين كمسؤول كبير في م.ت.ف. هذه الأعمال التي عدّدها “شير”، تضمنت التحريض، والتأهيل والتشجيع على الإرهاب. وحسب قوانين الهجرة الأمريكية، كما شرح شير، محظور أن تطأ قدم عريقات الأراضي الأمريكية.

ثمة معان للتوقيت أو لجوهر رسالة شير؛ ففي هذا مثل الأسبوع قبل 20 سنة، شرعت السلطة الفلسطينية بحرب إرهاب ضد إسرائيل، سمّاها عرفات “انتفاضة الأقصى”. وأشار الاسم إلى عموم العالم الإسلامي بأن الفلسطينيين هم القوة الطليعية للجهاد العالمي. أما المذبحة بحق المواطنين اليهود، فقد أطلقت الرسالة بأن حرب الإرهاب هذه هي يوم الدين، كما يوصف في الحديث (الذي يقتبسه ميثاق حماس). فهو يقول إن يوم الدين سيأتي حين يقاتل المسلمون اليهود، فيختبئ اليهود خلف الصخور والأشجار فتكشف هذه عنهم وتدعو المسلمين ليأتوا فيقتلوهم.

رغم أعمال الذبح والقتل، وبرغم التحريض منفلت العقال لقتل اليهود، وبرغم التنكر لكل التزام بالسلام مع إسرائيل – لم يكن أي تنكر من السلطة، لا في إسرائيل ولا في واشنطن ولا في العالم الواسع. وبدلاً من الاعتراف بالواقع، واصلت حكومة باراك التفاوض مع ممثلي عرفات. وبعد ثلاثة أشهر من بدء السلطة حربها الجهادية، نشر الرئيس كلينتون “رؤياه” للسلام، وتضمن لأول مرة الإعراب عن تأييد أمريكي علني لإقامة دولة فلسطينية.

وبعد تبادل الحكم في الولايات المتحدة وإسرائيل، ومع ارتفاع عدد الضحايا الإسرائيليين وبحجوم الفظاعة، استمر التأييد لـ م.ت.ف وسلطتها اتساعاً. بعد هجمة 11 أيلول، أعلن الرئيس جورج بوش الابن حرباً على “الإرهاب العالمي”. كان هناك إسرائيليون كثيرون ممن أملوا في أن توقظ هذه الهجمات الأمريكيين على الجوهر الإرهابي للسلطة. ولكن بوش أوضح بأن الإرهاب الفلسطيني لا يمت للأمر بصلة. بعد شهرين من الهجمات، أعلن وزير الخارجية كولين باول بأن إدارة بوش تؤيد إقامة دولة فلسطينية.

إلقاء “مفتاح السلام” إلى البحر

عبر مذبحة الدولفيناريوم كارين ايه، وحملة السور الواقي وغيرها، تواصل وتعاظم التأييد الأمريكي والإسرائيلي للسلطة. في عامي 2007 – 2008 عملت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بنشاط للتوصل إلى تسوية دائمة في ظل ممارسة الضغط الشديد للغاية على إسرائيل لتقديم التنازلات.

في العام 2008 قدم إيهود أولمرت لخليفة عرفات، محمود عباس، عرضاً كان أكثر سخاء من عرض باراك في طابا. في عهد إدارة أوباما، رفع الأمريكيون الفلسطينيين وحربهم غير المتوقعة ضد إسرائيل على رأس فرحتهم في ظل تحرير وابل لا يتوقف من الضغط واللذعات ونزع الشرعية نحو إسرائيل. أما الفلسطينيون فتمسكوا برفض السلام وبنشر الكراهية لإسرائيل على مدى السنين.

ما الذي وقف خلف هذا السلوك الهاذي للولايات المتحدة ولإسرائيل؟ لماذا تواصل الإرهاب والدعم الاقتصادي والسياسي بل والعسكري لواشنطن من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، للسلطة الإرهابية التي لم تتوقف عن التأييد العلني لإبادة إسرائيل؟ ثمة سبب واحد مشترك لواشنطن والقدس، أو على الأقل لليسار وللمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وثمة سبب آخر يعود أساساً للمؤسسة الأمنية ولليسار في إسرائيل: فهم، مثل الأوروبيين، كانوا مقتنعين بأن المفتاح الحصري للسلام وللاستقرار في الشرق الأوسط هو السلام بين إسرائيل وم.ت.ف. هذا الإيمان الأعمى قبع في جذر الرفض المتواصل للاعتراف، وبقيت م.ت.ف منظمة إرهابية إجرامية نجحت في الجسر بين القومية العربية والإسلام الجهادي. عندما هدد عباس بحل السلطة إذا لم يتلقَ المزيد من المال من إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، كان يعرف بأن التهديد سيحقق النتيجة المرغوب فيها. فقد كان هو الرجل، وحكمه كان الحكم الذي لا بديل عنه.

سبب آخر، إسرائيلي داخلي، دفع المؤسسة الأمنية واليسار لرفض الاعتراف بحقيقة السلطة وعدم قدرتهم على تخيل وضع تكون فيه المدن الفلسطينية في يهودا والسامرة تحت سيطرة جهة أخرى. وانطلاقاً من الخوف من التغييرات الديمغرافية الفلسطينية، أم انطلاقاً من إيمان أعمى بعدم وجود بديل لـ م.ت.ف (في وقت يوجد فيه نظام لحماس منذ 13 سنة في غزة)، أم انطلاقاً من كراهية اليمين الإسرائيلي ورفض الاعتراف بخطئهم في عقد اتفاقات أوسلو – فقد رفض اليساريون، مثلما فعلت قيادة الجيش والمخابرات الإسرائيلية على مدى الـ 20 سنة الأخيرة، مواجهة الحقيقة البسيطة: إن حكم م.ت.ف ليس مناسباً وإن لم يكن هناك بديل مناسب لها. فهو معاد، وفاسد، ومفسد وخطير على الدولة، بل لن ينشأ سلام منه أبداً.

انطلق القطار.. ولم يمر بالمحطة

وقعت اتفاقات السلام في البيت الأبيض الأسبوع الماضي بين إسرائيل والإمارات والبحرين، أما رفض الجامعة العربية الاستجابة لطلب السلطة بشجبها، فتكشف فراغ فكرة كل من في واشنطن وإسرائيل وأوروبا. فالسلطة وم.ت.ف ليست المحطة التي يجب أن نمر فيها في الطريق إلى السلام بين إسرائيل والدول العربية، وليستا ذات صلة على الإطلاق، وإذا كان لا بد فهما مصدر إزعاج، ليس أكثر. في اللحظة التي قررت فيها الإمارات والبحرين بأن السلام مع إسرائيل يخدم مصالحهما، فقد توجهتا إلينا. ويشير رفض الجامعة العربية شجب فعلهم إلى عمق واتساع التأييد للعلاقات مع إسرائيل في أوساط الزعماء العرب. وهذا يعيدنا إلى رسالة المحامي شير لوزيري العدل والأمن الداخلي الأمريكيين في شأن التأشيرة لعريقات. لا شك في أن عريقات أيد ويؤيد الإرهاب وشكل بوق دعاية للسلطة على مدى السنين، في ظل نشر فريات الدم ضد إسرائيل،كوان الأبرز فيها ادعاءه في نيسان 2020 -الذي أطلقه ثلاث مرات في الـ “سي.ان.ان” – بأن إسرائيل ذبحت الفلسطينيين في مخيم اللاجئين في جنين بلا تمييز في أثناء حملة السور الواقي. وبالنسبة لعريقات، فقد قتل جنود الجيش الإسرائيلي وبدم بارد أكثر من 500 فلسطيني. في السنوات الأخيرة، ومع أنه اجتاز عملية زرع رئة في الولايات المتحدة في نهاية 2017، يدعي عريقات بأن ليس لإدارة ترامب الحق في التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين.

على مدى كل سنواته كالمفاوض الرئيس لـ م.ت.ف مع إسرائيل وعضو في قيادة م.ت.ف، لم يكن عريقات مطالباً بدفع أي ثمن على أكاذيبه وتأييده النشط والعلني لقتل الإسرائيليين على أيدي مخربين فلسطينيين. ولكن الآن، حين يكون واضحاً بأن م.ت.ف وسلطته لم تعودا ذات صلة بالسلام، حان الوقت لأن تكفا عن تلقي الإعفاء من العقاب على دورهما المباشر وغير المباشر بالإرهاب. فليس هناك سبب يجعل عريقات يحصل على التأشيرة، وليس هناك سبب يجعل إسرائيل تواصل تمويل رواتب رجال السلطة أو تجبي لهم الضرائب. وبالتأكيد لا يوجد سبب يجعل الحكومة تمنع الإسرائيليين من رفع الدعاوى على السلطة على أضرار الإرهاب في المحاكم. عصر م.ت.ف انتهى قبل أسبوع ونصف، حان الوقت للاعتراف بذلك والعمل بموجبه. 

إسرائيل اليوم 25/9/2020

بقلم: كارولينا غليك