صحيفة: أمريكا تسعى لموافقة السعودية والسودان على التطبيع مع "إسرائيل"

الساعة 10:31 ص|20 سبتمبر 2020

فلسطين اليوم

النفاق والفساد السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة وصل إلى نقطة حرجة بعد التوقيع على اتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين وكيان الاحتلال الإسرائيلي، إذ تجاهل أهل اليسار كراهيتهم للرئيس اليميني المتطرف، دونالد ترامب، ليقترحوا بأنه يستحق الحصول على جائزة نوبل للسلام أو على الأقل مستشاره وصهره، جاريد كوشنر، ولم يصل الانتقاد إلى حد القول إن “الحفل” كان فقط لتشتيت الانتباه عن القضايا المحلية، بما في ذلك كورونا وعنف الشرطة.

ومن الواضح أن إدارة ترامب لن يهدأ لها بال إلا إذا أقدمت دول أخرى على التطبيع مع إسرائيل. ووفقا للتصريحات الصادرة بشكل متكرر من مسؤولي البيت الأبيض، بمن فيهم ترامب نفسه، فإن هناك خمس دول على الأقل ستقيم علاقات في المستقبل القريب مع إسرائيل، وهناك تركيز خاص على بعض الدول مثل السعودية والسودان لأسباب رمزية.

المفاوضات مع السودان جارية، وفقا للعديد من المحللين الأمريكيين، بشأن عملية التطبيع، وبالنسبة لواشنطن وتل أبيب هناك اهتمام رمزي خاص بالخرطوم بسبب “اللاءات الثلاث” التي خرجت من العاصمة السودانية في مؤتمر للجامعة العربية في عام 1967 وهي لا للسلام مع إسرائيل ولا للمفاوضات مع إسرائيل ولا للاعتراف بإسرائيل، وهذا الرفض يشكل نقطة أفضل لفهم سبب التركيز على أهمية عقد صفقة مع الخرطوم.

وكشف المحللون الأمريكيون أن من الأمور الحاسمة لمحاولة ابتزاز السودان للتطبيع مع إسرائيل هو قطع الإمدادات الفلسطينية، وإجبار الفصائل الفلسطينية على قبول “اتفاقيات السلام” المزعومة التي يدعيها ترامب.

ولاحظ المحللون الأمريكيون أن ردود الفعل العربية الشعبية على تطبيع العلاقات بين البحرين وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة في فلسطين والأردن ومصر، كانت ممزوجة بمشاعر من السخرية والغضب وخيبة الأمل ولكن مع القليل من الدهشة، وقالوا إن السخرية تكمن في الاعتقاد بأن البحرين ليست ذات أهمية جغرافية سياسية أو إقليمية وهي لا تمارس سوى تأثير عالمي ضئيل.

البحرين عملياً تعيش تحت المظلة السعودية وتختبئ تحت عضلات الرياض، وهي على حد تعبير العديد من المعلقين الأمريكيين، شبه محمية سعودية، وهناك اتفاق بين غالبية الخبراء بأن حاكم البحرين لم يكن ليمضي قدماً في اتفاقية التطبيع إلى جانب الإمارات من دون موافقة سعودية ضمنية، وقالت صحف أمريكية نقلاً عن حاكم البحرين إن بلاده لم توقع على الاتفاق إلا بالتنسيق مع السعودية.

هذه القراءة تعني بالنسبة للعديد من المحللين الأمريكيين، أن السعودية تسير في الطريق نحو التطبيع، وأن المسألة لا تتجاوز تحديد التوقيت. ووفقاً للتقديرات الأولية، فإن السعودية لا تبدو في عجلة من أمرها نحو التطبيع، ليس إلا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولم يلتفت الخبراء كثيراً للتصريحات السعودية بشأن التزام المملكة بالمبادرة العربية التي تنص على أن علاقات كيان الاحتلال مع الدول العربية مشروطة على إقامة دولة فلسطينية، وقالوا إن الكلمات السعودية، تماماً مثل البحرين، لا تعني أي شيء.

واستنتج العديد من الخبراء أن الغضب الواسع من تورط السعودية في حرب اليمن لا يمكن مقارنته مع الغضب الشديد الذي سيعم الدول العربية والإسلامية إذا أقدمت السعودية بالفعل على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، التي يُنظر إليها من قبل الشعوب بغض النظر عن قياداتهم بأنها عبارة عن مشروع استيطاني استعماري مزروع في قلب الأمة الإسلامية.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن فقدان السعودية لدورها القديم في العالم الإسلامي سيعني زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، وخاصة بين الفلسطينيين، حيث تشد حركات المقاومة الإسلامية مثل حماس والجهاد الإسلامي بالفعل على علاقات متزايدة مع طهران، وهي علاقات ستزداد مع تضاؤل الدعم العربي الرسمي، كما لاحظ بعض الخبراء في واشنطن.

ولاحظ المحللون الأمريكيون أن الرحلات الأخيرة التي قام بها رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” إسماعيل هنية، إلى إسطنبول وبيروت، هي أفضل مؤشر على هذا النموذج، وهذا يعني أن الشعرة الرفيعة لحركات التحرر مع الرياض ستنقطع.

وهناك مخاوف حقيقية في أن يؤدي أي تطبيع بين السعودية وكيان الاحتلال الإسرائيلي إلى تشديد الخناق على الفلسطينيين. وقال خبراء واشنطن إن التجربة الفلسطينية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كانت مريرة، وعلى سبيل المثال كشف فيلم وثائقي أن إحدى المهام الحاسمة لقاعدة برنيس العسكرية المنشأة حديثاً في جنوب مصر على البحر الأحمر هي لتضييق الخناق على الأسلحة والإمدادات المتجهة إلى غزة من إيران وسوريا، والقاعدة ممولة بالكامل من الإمارات وبالتنسيق مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.

أهداف ونوايا إسرائيل واضحة جداً بالنسبة للعديد من المحللين، وهي السلام بدون ثمن، وكما قال بعض الخبراء إذا كانت إسرائيل مهتمة بالسلام حقاً فقد كانت لديها الفرصة لقبول المبادرة العربية.

الاهتمام الأمريكي بدخول السعودية في عملية التطبيع تبدو واضحة من خلال الدراسات الحديثة والتصريحات الصادرة بشكل متكرر من مسؤولي البيت الأبيض، بمن فيهم ترامب نفسه، وهناك اعتقاد بأن الديناميكيات الداخلية في السعودية تختلف عن البحرين والإمارات، حيث لم يفرض ولي العهد محمد سلمان قبضته على المملكة بشكل رسمي، وهناك مستويات متعددة من المعارضة لسلطته داخل العائلة والمؤسسة الدينية والجيش، وهؤلاء يؤمنون بأن أي علاقة للسعودية مع إسرائيل ستعتبر انتهاكاً لمعتقدات المملكة التقليدية وتعدياً على المبادئ التي وضعها الملك الراحل فيصل، الذي شدد على أن السعودية لن تعترف بإسرائيل حتى لو فعل العرب جميعهم.

ولاحظ الكاتب عماد موسى، في مقال نشره موقع “ميديو” أن أهمية التطبيع البحريني تكمن في تزويد السعودية بباب خلفي مع تل أبيب بدون عوائق.

الإدارة الأمريكية تتوقع أن تقوم خمس دول أخرى بتوقيع اتفاقيات مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين في المستقبل القريب، وواصل مسؤولو البيت الأبيض الترويج لمجموعة من الرسائل السامة بعد حفل التوقيع سيئ الذكر، بما في ذلك أن السلام العربي- الإسرائيلي الوهمي لن يكون مرتبطاً بالمطالب الفلسطينية وأن قرارات ترامب السابقة مثل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة لم تؤثر على فرص “السلام” المزعومة، وأن التهديد الإيراني هو مشكلة المنطقة وليس الاحتلال الإسرائيلي.

اتفاقيات التطبيع، أيضاً، تعني بالنسبة للمفاهيم الأمريكية والإسرائيلية أن الصراع العربي- الإسرائيلي لم يعد موجوداً، وأن القاعدة هي التعاون بين الدول العربية وكيان الاحتلال، هذا ما فعلته إدارة ترامب وهو ما ستفعله حتى اليوم الأخير من فترة ولاية الرئيس.

ما كشفت عنه اتفاقيات التطبيع وسياسة الإدارة الأمريكية والسياسة الإسرائيلية في الفترة الأخيرة مهم للغاية، إذا لا يمكن السماح بالنقاش أو الترويج من أي طرف لنظريات تناقش  بعض الحقائق الجديدة الواضحة المعلنة، ومن المهم جداً أدراكها وفهمها والتعامل على أساسها، وهي أن إسرائيل لم تكن يوماً ولن تسمح بقيام دولة فلسطينية أو السماح بعودة اللاجئين أو حق العودة أو إعلان القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وهذا يعني أن لا جدوى قطعياً من مفاوضات مستقبلية، مع الإشارة إلى أن السياسة الإسرائيلية هنا ليست محصورة فيما يدعى بتيار اليمين أو الليكود وغير ذلك من التسميات المشتتة للانتباه.

والأمر الثاني هو أنه لا يمكن التعامل مع الولايات المتحدة بعد اليوم كوسيط نزيه أو غير نزيه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فالفساد السياسي يتجاوز الرئيس الذي يحصل على أموال وتبرعات لحملاته الانتخابية مقابل تقديم الهدايا لإسرائيل، والأمر الثالث هو أنه لا يمكن الاتكاء على الأنظمة العربية الاستبدادية للدفاع عن قضية عادلة، ومن الواضح أن فسادها ينافس عفن واشنطن، وبالنسبة للفلسطينيين فقد حان الوقت للعودة إلى الوسائل التاريخية الوحيدة لمقاومة أي مستعمر وهي المقاومة الشعبية بجميع أشكالها.

كلمات دلالية