خبر الحـوار الفلسـطيـني وترحـيـل الخـلاف إلـى لجـان ..حلمي موسى

الساعة 10:09 ص|01 مارس 2009

رحبت الجامعة العربية بنتائج مؤتمر الحوار الفلسطيني في القاهرة كما أن عددا من الدول العربية أشاد بالجهود, وخصوصا المصرية, للجمع بين طرفي الخلاف الداخلي الفلسطيني. وقد أكثر القادة الفلسطينيون ممن شاركوا في المؤتمر من الحديث عن الأجواء الإيجابية وعن سيادة روح التفاؤل. وبدا للوهلة الأولى أن مجرد اجتماع الفلسطينيين للحوار، بات هدفا بحد ذاته وليس مجرد وسيلة للتفاهم والاتفاق على ما فيه مصلحة لقضيتهم البالغة التعقيد.

ومن البديهي أنه لا يمكن تقويم مؤتمر القاهرة هذا من دون الإشارة إلى مؤتمر القاهرة الذي لم ينعقد في أواخر العام 2008. بل إن هناك بين الفلسطينيين من يشدد على أنه لولا عواقب عدم انعقاد ذاك المؤتمر, وبينها حرب غزة, لما عقد هذا المؤتمر. بل إن البعض كان سيذهب أبعد من ذلك ليقول إن هذا المؤتمر ذاته كان ممكنا الا ينعقد وأنه جرت محاولات لإفشال عقده. فعلى الصعيد الموضوعي، لم يتغير الوضع عما كان عليه قبل تشرين الثاني الماضي عندما امتنعت حماس وفصائل أخرى عن تلبية الدعوة لمؤتمر الحوار في القاهرة. بل إن الوضع ازداد سوءا.

وبدا جليا أن انعقاد المؤتمر في القاهرة كان نوعا من الاعتذار الفلسطيني المتأخر عن الغياب عن مؤتمر تشرين الثاني الماضي. فقد رأى البعض في ذلك الغياب صفعة لمصر ودورها في المنطقة وهو ما يجب أن لا يتكرر هذه المرة. وربما لهذا السبب، حاولت مصر الرسمية الإفادة من المؤتمر بتوفير أوسع تغطية إعلامية له والمطالبة بعقد مؤتمر صحافي موسع وطويل ومطالبة الجميع بحضوره. فقد أرادت من خلال المؤتمر تأكيد حقيقة أنها لا تزال اللاعب الإقليمي الأكثر تأثيرا في الموضوع الفلسطيني.

ومع ذلك، فإن التغيير الوحيد كان حرب غزة والتي جعلت من استمرار اشتراط الوصول للحوار عملا معرقلا لإعادة إعمار ما دمرته الحرب وفعلا غير مقبول. ويمكن أن يضاف إلى ذلك فوز اليمين بأغلبية كاسحة في الانتخابات الإسرائيلية مما يضعف عوامل الخلاف السياسي فلسطينيا.

 

وبكلمات أخرى تراخى التشدد في مواقف الأطراف الفلسطينية، مما أسهم في تقديم بعض المبادرات كالإفراج عن المعتقلين في الضفة وتخفيف حدة القمع في غزة والاستعداد لتشجيع التفاؤل والقول إن بالوسع منع المزيد من التدهور.

والواقع أن إيجابيات جلسات الحوار الوطني في القاهرة والتي تم فيها الاتفاق على تشكيل ست لجان، خمس منها للحوار حول قضايا الخلاف وسادسة للتوجيه أو المرجعية، كانت ظاهرة. وقد بينت أولا وقبل أي شيء أن لا أحد يخسر من الحوار وأنه إذا صفت النوايا فإن الاجتماعات مفيدة. ومع ذلك، فإن هذه الإيجابيات لم ترق لمستوى تغيير العقلية التي أوصلت الفلسطينيين إلى حالهم الراهنة. ففي الغرف المغلقة للاجتماع، كانت الخلافات على أشدها ليس فقط بين فتح وحماس، بل أيضا في داخل كل منهما وربما في الفصائل الأخرى. فالقضايا موضع النقاش قضايا مهمة، تحتاج إلى تفكير معمق ورؤية شاملة وتغليب للمصالح العليا على المصلحة الحزبية وما شابه.

ويمكن القول إنه تم التعامل مع كل هذه القضايا على قاعدة ترحيل الخلافات إلى لجان الحوار والاكتفاء في المرحلة الراهنة بالاتفاق على الجوانب الإجرائية. ويمكن القول إنه في هذا السياق توافقت الفصائل على وضع ورقة العمل المصرية المتعلقة بـ«المبادئ العامة ومهمات اللجان» جانبا والبحث في أساليب أخرى. وكان مهماً في نظر البعض أن حماس وفتح تقدمتا إلى المؤتمر بورقة مشتركة حول مهمة اللجان.

وهكذا اقتصرت النقاشات على تشكيل لجان الحوار ومهامها. ومع ذلك ولأن اللجان تشير إلى قضايا بالغة الأهمية كالانتخابات وحكومة الوحدة وإصلاح منظمة التحرير والمصالحة وتشكيل الأجهزة الأمنية، فإن خلافات ظهرت هنا وهناك. وقد استمر السجال حول لجنة الانتخابات حوالى ساعتين لم تخلوا من تهديدات بالانسحاب من المؤتمر بين رئيس وفد فتح أحمد قريع وعضو وفد حماس الدكتور محمود الزهار. بل إن ما اتفق عليه في المداولات بشأن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة وفي موعد لا يتخطى 25 كانون الثاني 2010، سقط في البيان الختامي بطلب من حماس وأدرج بدلا منه في موعد يحدده القانون. أما بخصوص موضوع المنظمة، فقد تم اعتماد الصيغة التي وردت في وثيقتي الوفاق ومكة واتفاق القاهرة. كما تم الاكتفاء بعموميات الكلام حول القضايا الأخرى وبينها إصلاح الأجهزة الأمنية.

ولا يقل أهمية عن ذلك أن الحوار الفلسطيني قفز عن مسألة مهمة وهي الرئاسة الفلسطينية. إذ كان الرئيس محمود عباس الغائب الأكبر عن الحوار ليس كوجود شخصي وحسب، بل كذلك كذكرى. وحسب أحد المشاركين في جلسات الحوار، فإن أحدا لم يأت على ذكره كشخص أو كرئاسة في أي من الاجتماعات إلا عند ذكر مدة الرئاسة.

وبالعموم، ثمة أمل بأن تقود الإيجابيات التي تبدت في الحوار إلى تغيير العقلية التي حكمت التعامل الداخلي الفلسطيني وأن يتجلى هذا التغيير في الطريقة التي ستبدأ فيها اللجان عملها في العاشر من آذار المقبل. كما أن هناك أملا بأن يستغل الوسطاء الفترة التي تفصلنا عن بدء عمل اللجان، لتوفير أجواء تقود إلى تفاهمات أثناء المداولات. فالوضع الداخلي الفلسطيني لا يحتمل المزيد من التشرذم والصدام، كما أن معاناة أهل غزة لن تتقبل استمرار المماطلة.