معركة الأسير ماهر الأخرس ومقاطعة محاكم الاحتلال.. بقلم: راغدة عسيران

الساعة 02:32 م|12 سبتمبر 2020

فلسطين اليوم

قبل أيام، أوصى قاضي محكمة الاستئناف الصهيونية بقرار "تجميد" الاعتقال الإداري، بحق الأسير المضرب عن الطعام المجاهد ماهر الأخرس، الذي نقل الى مشفى "كابلان" المدني، بعد تدهور حالته الصحية.

ينفذ الأسير ماهر الأخرس الإضراب المفتوح عن الطعام بعد اعتقاله في يوم 27/7/ 2020. وهو من بلدة سيلة الظهر قضاء جنين، بالضفة الغربية المحتلة. ولد بتاريخ 2/8/1971، وهو متزوج، ولديه خمسة أبناء، وأمضى في السجون الصهيونية نحو خمسة أعوام.

لم يتوقف الأسير ماهر الأخرس عند قرار التجميد، بل اعتبره كما هو، خديعة من قبل الجهاز القضائي الصهيوني، كما وصفته محامية الأسير أحلام حداد، التي أشارت الى أن هذه التوصية، تدلّ أولاعلى جبن القاضي لأنه "رمى الكرة في ملعب قائد جيش الاحتلال بالضفة رغم أنه يملك قرارًا بتجميد قرار" الاعتقال الإداري، ثم أنه "يتلاعب ويحاول خداع الأسير الأخرس"، بعد أن تدهورت حالته الصحية وبات "يواجه خطر الموت الحقيقي"، وفقا لتقرير إدارة مصحلة السجون. فبدلا من الإفراج عنه، صدر قرار التجميد الذي يعني عمليا "فك الكلبشات من يديًّ الشيخ الاسير ماهر الاخرس، وإنهاء الحراسة المشددة من قبل ادارة مصلحة السجون وترك الحراسة فقط لحراس المستشفى". و"بعد فك الاسير اضرابه عن الطعام واستعادة حالته الصحية قد يُعيد الاحتلال فرض الاعتقال الاداري بحقه مرة أخرى"، وكأن شيئا لم يحصل، لا إضراب عن الطعام ولا معركة مؤلمة ضد السجان.

لكن الأسير ماهر الأخرس واصل معركته ضد الاعتقال الإداري، السيف المسلط على الشعب الفلسطيني الرافض لاحتلال وطنه وأرضه. ولم تنطل عليه الخدعة. إذ كما صرّح الشيخ خضر عدنان، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، والأسير المحرر الذي خاض الإضراب عن الطعام مرات عدة ضد الاعتقال الإداري، لقد "فعل ذلك الاحتلال سابقًا مع الأسيرين المحررين المحامي محمد علان والصحفي محمد القيق"، ما يدلّ على أن قرار التجميد لا يعني إلا محاولة الاحتلال لجعل الأسير يفك إضرابه، بوسيلة "ناعمة" تضاف الى وسائل القمع ومنع الزيارات والعزل.

يؤكد هذا المثال الأخير ما كتبه الأسير المحرر عبد الرازق فراج في كتابه الذي صدر حديثا: ("الاعتقال الإداري في فلسطين كجزء من المنظومة الاستعمارية"، مؤسسة الدراسات الفلسطينية)، حيث يبرهن أن "الجهاز القضائي (هو) في خدمة الأمن العام "الصهيوني، من خلال تجربته الشخصية وتجربة العديد من المعتقلين الإداريين، إضافة الى تقارير حقوقية فلسطينية ودولية.

هل يمكن لجهاز قضائي في كيان استيطاني ألا يكون إلا جهازا يعمل لصالح المستوطنين المتغطرسين؟ هل يمكن لهذا الجهاز أن يقف محايدا بين المستوطنين وبين الفلسطينيين، السكان الأصليين للبلاد، وينطق بالعدالة؟ هل من المفيد الاستعانة بهذا الجهاز المتكامل لاستعادة أرض مسروقة، أو منع إخلاء عائلة مقدسية أو خليلية من بيتها، أو منع تدمير المنازل ؟ هل يمكّن اللجوء الى المحاكم الصهيونية من منع تدمير قرية أم الحيران في النقب المحتل مثلا أو تحرير أسير أو معتقل إداري ؟

يشرح المؤلف عبد الرازق فراج كيف يعمل الجهاز القضائي الصهيوني، ويبرهن بالأدلة أنه خاضع لإرادة أمن كيانه، الذي يرى في كل فلسطيني تهديدا له. لا يوجد قضاء مستقل في كيان العدو، يمكن اللجوء اليه لاسترجاع بعض من الحقوق المسلوبة، وذلك واضح في مسألة الاعتقال الإداري، وهو الاعتقال الذي يطال كل أبناء الشعب الفلسطيني، الشباب والأطفال والنساء وكبار السن، الفلاحين والصناعيين والمثقفين والطلاب.

الكل الفلسطيني مهدّد بهذا النوع من الاعتقال، وخاصة خلال الانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال، لأنه اعتقال سياسي مبني على أنظمة الطوارئ البريطانية، حيث يمنح المحتل نفسه حق إصدار أوامر عسكرية بحق كل من يعتبره "تهديدا" لأمنه.

يفنّد الكاتب أكذوبة "الإجراء الوقائي الاستثنائي" التي يلجأ اليها المحتل لتبرير الاعتقال الإداري، ويفسّر، من خلال الأمثلة، لماذا يمكن اعتبار هذا الاعتقال نوعا من التعذيب للأسير وعائلته، حيث يتم تمديد الاعتقال قبل ساعات أو ثوان من موعد الإفراج، في نيّة واضحة للأذى وتحطيم المعنويات، كما يمكن تمديد الاعتقال الى ما لا نهاية، دون أي مبرّر منطقي، لأنه يستند على ما يسمى "الملف السري" الذي ركبّه الشاباك لمنع المحامين من الدفاع عن الأسير والإفراج عنه، وقد يتم تركيب هذا الملف بعد الاعتقال والتحقيق، ما يدلّ على هشاشته وفراغه من أدلّة واضحة "تبرّر" الاعتقال.

خلافا للأسرى الذين تم محاكمتهم والذين يعرفون الأسباب، وإن كانت واهية، لا يعرف المعتقل الإداري سبب اعتقاله، ولا يعرف تماما المدة التي سيظل فيها معتقلا. وفي الآونة الأخيرة، تم تحويل الأسير المنتهية مدة حكمه للإعتقال الإداري، بناء على توصية الشاباك وملفه السري، ومن يتم الإفراج عنه بعد 4 أو 6 أشهر أو أكثر في الاعتقال الإداري لا يتمتع بالحرية النسبية إلا أيام أو أشهر، ويعاد اعتقاله.

هل يمكن تخفيف مدة الاعتقال أم إنهاءه من خلال التوجه الى المحاكم الصهيونية ؟ وما هي الوسائل التي استخدمها الفلسطينيون لمواجهة هذا النوع من الاعتقال ؟ يورد الأسير المحرّر ومؤلف الكتاب بعض من هذه الأساليب، أولها الإضراب الجماعي الذي واكب الإنتفاضة الأولى، حيث كان المعتقلون يتماهون مع شعبهم المنتفض، ثم كان الإضراب الجماعي في العام 2014، حيث "لم يطرأ (أي) تغيير جوهري على مضمون ممارسة المستعمِر لهذه السياسة الإخضاعية القهرية".

ثم يذكر "الإضرابات الفردية" التي عمّمها الأسير المجاهد الشيخ خضر عدنان بعد العام 2011، التي لم تكن دائما فردية بل شبه جماعية، حيث شارك بالإضراب عن الطعام العشرات من المعتقلين الإداريين، يطالبون بإنهاء هذا الصنف من التعذيب، والتي حقّقت "نجاحات جزئية"، إذ تمكّن الأسرى من نيل حريتهم "الفردية"، وقد أربكوا مصلحة السجون أكثر من مرة، واستطاعوا، بفعل معاناتهم، "تحريك" الشارع الفلسطيني وأحيانا الشارع العربي والدولي، ولفت أنظار مجتمعات العالم حول الاعتقال الإداري.

ويذكر أخيرا أسلوب مقاطعة المحاكم الصهيونية، التي مارسها الأسرى والمدافعين عنهم، منذ العام 1996، حيث أقدم المعتقلون الإداريون "لأول مرة على مقاطعة محاكم الاستئناف العسكرية مقاطعة شاملة"، لتوضيح دور الشاباك فيها. وفي العام 2018، أعلن المعتقلون الإداريون مقاطعة المحاكم مقاطعة نهائية وغير مسقوفة، كما كانت في المرات السابقة، "إيمانا منا أن حجر الأساس في مواجهة هذه السياسة الظالمة يكمن في مقاطعة الجهاز القضائي "الإسرائيلي"، الذي يسعى دائما لتجميل وجه الاستعمار البشع..." ولكن لم تستمر المقاطعة أكثر من 6 أشهر ولم تشمل كل المعتقلين الإداريين، وتم تعليقها. فأخفقت هذه الوسيلة من إحداث أي تبدّل في سياسة الاعتقال الإداري، كما لاحظ الكاتب.

يدافع الكاتب عن وسيلة مقاطعة الجهاز القضائي الصهيوني لنزع الشرعية عنه، ولأنها محاكم صورية و"أدوات استعمارية تنفّذ بأمانة توجهات السلطتين التشريعية والتنفيذية". لكن يجب أن تكون هذه المقاطعة شاملة وطويلة الأمد، وليست تكتيكية، وأن تكون ضمن معركة شعبية شاملة ضد كيان العدو وأجهزته المختلفة.