أمَا وقد دخل كورونا قطاع غزة....ماذا بعد؟ / بقلم: د. محمد مشتهى

الساعة 11:32 ص|26 أغسطس 2020

فلسطين اليوم

قبل دخول فايروس كورونا لقطاع غزة كانت الإجراءات الوقائية وخصوصا الحجر الصحي هي الضامن لعدم دخول كورونا، ولا احد يُنكر حجم الجهد الكبير الذي بُذل من أجل تحقيق ذلك، رُغم علم الجميع بأن كل هذا الجهد سيؤخر فقط دخول الفايروس لكنه لن يمنعه للأبد، ولكي يدخل الفايروس لأي منطقة هو يحتاج الى خطأ بشري واحد فقط، لأن قطاع غزة مُحاط ببيئة ينتشر فيها الوباء منذ أشهر عديدة، ومن المعلوم والحتمي أن طبيعة البشر تخطئ وتصيب، على كل حال...الآن الفايروس أصبح داخل القطاع وخريطته الوبائية في إتساع، ومن الخطأ تشبيه قطاع غزة بالبلدان الأخرى من حيث المساحة وعزل المدن بعضها عن بعض، حيث أن الدول الأخرى لها مساحات شاسعة ويفصل بين مدنها مسافات طويلة وساعات سفر بينما قطاع غزة جميع محافظاته متداخلة ولا يمكن عزلها تماما بعضها عن بعض، ما يجري من عزل بين المحافظات الآن هو اجراء فطري وطبيعي وعلمي وهو صحيح ويساهم في إبطاء سرعة انتشار الفايروس قليلا، لكنه لن يصمد طويلا لأن دكتاتورية الجغرافيا تفرض نفسها على الجميع، وبائيا: مطلوب التعامل مع قطاع غزة على أنه وحدة واحدة، هذا أولا، أما ثانيا: لقد ثبت من خلال تجارب الدول التي سبقتنا بالتعامل مع الفايروس أن العامل الأهم في صمودها لم يكن هو العامل المادي "أي المستهلكات الطبية والمعدات"، لأن كل العوامل المادية وقفت عاجزة وسقطت أمام فايروس كورونا، والذي نجح في مواجهة الفايروس هو الاهتمام بالعامل المعنوي والنفسي والتوعوي، وإن من أهم تلك العوامل هو الحفاظ على صلابة المنظومة الصحية، ولو قلنا أن كلمة السر وأهم عامل للحفاظ على المنظومة الصحية الآن هو بقاء الطواقم الصحية متواجدة في الميدان وتقدم الخدمة الصحية لأبناء شعبها، فهذا حقيقي... الآن يقع عبء كبير على الطواقم الصحية، ولا أقصد العبء الجسدي بل المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم من خلال تعزيز الطمأنينة وروح البقاء والصمود عند أبناء شعبهم، قد نجد أحدهم من عامة الناس يكتب وينشر ويقول ما يُربك الناس ويزيد من خوفهم وهذا يمكن استيعابه وتفهمه، لكن من غير المقبول لا أخلاقيا ولا مهنيا ولا انسانيا في هذه المرحلة أن يقوم أحد الكوادر الصحية بإثارة الخوف والبلبلة بين عامة الناس، الآن الوقت هو وقت المسؤولية ووقت الطمأنينة وووقت تعزيز الثقة ووقت حرمان الألسن من كثرة الحديث، فالكل يعلم أن دولا عظمى سقطت أمام الفايروس، فالرهان الآن ليس على الإمكانيات ولا على الماديات، الرهان الآن هو على العامل المعنوي والنفسي، الرهان الآن هو على صمود الطواقم الصحية.

صحيح أن الفايروس خطير، لكنه ليس خطير على كل الناس، هو فايروس كغيره من الفايروسات لكنه يتميز عن غيره بأنه يشكل خطرا أكبر على كبار السن، وليس على كل كبار السن، بل على أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة كالقلب وأمراض الجهاز التنفسي والأورام، وهؤلاء لا يشكلون نسبة كبيرة في مجتمعنا الفلسطيني، اذن الآن مطلوب من كل شخص من أبناء شعبنا عنده كبير بالسن لديه مرض مزمن أن يعزله تماما ويأخذ بالحسبان كافة الاجراءات الوقائية دون تهاون، وما يتبقى من عامة الناس مطلوب منهم التباعد والحد من الاختلاط بقدر ما يستطيعوا في هذه المرحلة واستخدام مادة الكلور (متوفرة) لتطهير الأشياء وأن يلتزموا بالاجراءات التي تتخذها وزارة الداخلية ووزارة الصحة وعدم التهاون بها. كما مطلوب من وزارة الصحة في هذه المرحلة الحساسة الاهتمام أكثر بكل ما يدعم صمود ومعنويات الطواقم الصحية ومحاولة توفير ما يعزز هذا الصمود، فلا يجوز التعامل مع الطواقم الصحية كما قبل دخول الفايروس للقطاع، مطلوب مزيدا من الاهتمام وتوفير ما يلزمهم ويلزم عوائلهم بقدر الإمكان خصوصا وأنهم هم الفئة الاكثر جهدا والاشد خطرا في هذه المرحلة.

يا أبناء وزارة الصحة، كونوا عونا لأبناء شعبكم، لا أحد منكم يتساوق مع بعض عامة الناس في نشر ما يثير القلق والخوف، فالآن المرحلة حساسة، فما يصدر عنكم من قول أو استنتاج في هذه الأوقات، الناس تتابعه وتأخذه على أنه مسلمات وربما تركِّب عليه استنتاجات وأفعال أخرى، لذلك مطلوب التحلي بالمسؤولية التي عهدناها عليكم وأن تصبروا وتجاهدوا حتى يأتي الفرج من الله ويتم تجاوز المحنة التي بكل تأكيد وكلنا ثقة بأنها ستكون جزءا من التاريخ، لذلك أنتم من يصنع التاريخ وأنتم من يحدد ملامحه، والله نسأل بأن يرحمنا ويحفظ أبناء شعبنا وأمتنا من كل سوء.