أكد أن المحكمة تخضع لثقافة الانصياع لاملاءات سياسية

قاضي دولي : المحكمة الدولية مسيسة وتهدف لإدانة حزب الله في قضية اغتيال الحريري

الساعة 05:11 م|18 أغسطس 2020

فلسطين اليوم

في منتصف أيار/مايو من العام 2018، أكد الرئيس السابق لغرفة البداية في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وآخرين، القاضي روبرت روث، بشكل مباشر وواضح وصريح، أن المحكمة الدولية تخضع لـ"ثقافة الانصياع" لإملاءات سياسية.

وقدم القاضي السويسري دلائل تشير إلى أن بعض إجراءات هذه المحكمة تهدف إلى إدانة حزب الله لا إلى تحقيق العدالة.

وتعلن المحكمة الدولية اليوم الثلاثاء حكمها في قضية اغتيال الحريري، بعد 13 عاما من إنشائها في ظروف سياسية مضطربة، وبشكل ينتهك الدستور اللبناني ويتجاوز الميثاقية وصلاحيات الرئاسة والبرلمان.

وأنفق لبنان أكثر من 500 مليون دولار أمريكي كإنفاق مباشر في ميزانية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

ولدى الحديث عن تسييس المحكمة، لا بد من الإشارة إلى أنها نشأت بقرار من مجلس الأمن، وأن مجلس الإدارة الذي يتألف من سياسيين وديبلوماسيين هو الذي يقرّ موازنة المحكمة ويشرف على تقدم عملها. في المقابل، يبدو أن القضاة ينصاعون لتوجيهاته، خصوصاً لجهة تحديد برنامج المحكمة الزمني.

ويؤكد ذلك خضوع المحكمة لأجندة سياسية غربية واضحة: الإسراع في إدانة حزب الله قضائياً من أجل استثمار ذلك سياسياً واجتماعياً في إطار الحملة الأميركية الإسرائيلية الهادفة للنيل منه.

الرئيس السابق لمحكمة البداية في المحكمة الخاصة بلبنان القاضي السويسري روبرت روث قد يكون الشاهد المثالي على تسييس المحكمة الدولية لا بسبب صدقيته أو نزاهته التي لم يخضع لامتحان بشأنها بسبب استقالته المبكرة (استقال في 10 أيلول/سبتمبر 2013) بل بسبب موقعه القيادي المتقدم، حيث إن رئيس غرفة البداية هو الذي يحدّد، بمعاونة مستشاريه، مسار الجلسات والبرنامج الزمني لإجراءات المحاكمة والترخيص للفرقاء لاستئناف القرارات القضائية وهو الذي يتلو الحكم.

القاضي روث كان قد استقال بعد تعرضه لضغوط مارسها عليه رئيس المحكمة القاضي دايفد باراغوانث بسبب اتهام زوجته بانحيازها للكيان الإسرائيلي.

وكانت المحكمة الخاصة بلبنان قد شهدت توتراً شديداً بين القاضيين وصل إلى حدّ اتهام روث باراغوانث بـ"التلاعب" بالقرائن للتخلص منه.

وأتاح هذا الصراع بين قاضيين دوليين مزيداً من الشفافية بشأن عمل المحكمة الخاصة بلبنان حيث إنه دفع القاضي روث إلى الإفصاح عن معلومات وعرض قرائن تؤكد كل الشكوك بحيادية ومصداقية ونزاهة المحكمة الخاصة بلبنان منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1757 في 30 أيار/مايو 2007.

يدعي القاضي روث أن طلب باراغوانث منه الاستقالة بسبب انحياز زوجته المزعوم إلى إسرائيل، يدل، بحدّ ذاته، على أن وظيفة المحكمة الخاصة بلبنان هي محاكمة حزب الله كتنظيم وليس محاكمة أفراد كما ينصّ نظامها الأساسي.

ويعرّف القاضي روبرت روث مصطلح "تسييس العدالة الدولية" في مقال أكاديمي (نشر في النشرة البلجيكية للقانون الدولي 2017) ويشرح التأثير المباشر لبعض الدول ولبعض السياسيين على عمل المحاكم وعلى قرارات الملاحقة والأحكام حيث تتقدم الاعتبارات السياسية على المعايير القانونية وحيث تتخذ قرارات لا تتعارض مع توجهات سياسية محددة.

ولا شك لدى روث أن المحاكم الدولية المختلطة (أي التي فيها قضاة دوليون ومحليون والتي تعتمد القانون الدولي والمحلي في آن) مثل المحكمة الخاصة بلبنان هي أكثر عرضة للخضوع للتسييس من باقي المحاكم الدولية. وقد يزداد الأمر تعقيداً في ظلّ عدم وجود توافق داخلي وتشريع محلي لإنشاء هكذا محاكم، كما هو الحال محكمة الحريري.

إذ يذكّر روث بأن الاتفاقية بين الجمهورية اللبنانية ومنظمة الأمم المتحدة بشأن المحكمة الخاصة في لبنان لم يتم إقرارها من قبل الجانبين بل فُرضت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1557 (2007) الذي جاء تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ويضيف القاضي روث، وهو أستاذ في القانون الدولي في جامعة جنيف، أن أحد أبرز موانع استقلالية المحكمة الخاصة بلبنان جاء في تحديد مصادر تمويلها، إذ استُعيض عن خزينة الأمم المتحدة وكُلف لبنان بتسديد 49 بالمئة من كلفتها بينما فُتح المجال أمام الدول الأعضاء لتأمين 51 بالمئة. وشُكل مجلس إدارة للمحكمة في نيويورك يتألف من الممولين الأساسيين (كل من ساهم بأكثر من مليون دولار) للإشراف على تقدّم عملها.

وبات القضاة محكومين بمنطق "الطاعة المؤسساتية" (obeissance institutionnelle) وأداة لتنفيذ سياسة إقليمية خدمة للدول الممولة للمحكمة.

روث لا يقول إن على القضاة الابتعاد عن السياسة بل إن عليهم الاطلاع على البيئة السياسية والظروف المحيطة بالجريمة ومكان وقوعها، لكنه يشرح بأن عليهم أن يكونوا مستقلين عن سياسات الدول وهو ما لا يبدو قائماً بالنسبة إلى قضاة المحكمة الخاصة بلبنان وذلك بسبب "التوجيه الواضح للمشروع السياسي الذي أُنشأت على أساسه هذه المحكمة" وفقا له.

يقول روث إن المشروع السياسي الذي أنشئت المحكمة على أساسه كان هادفاً وموجهاً بشكل واسع (tres cible) لدرجة أنه منذ البداية كانت استقلالية ومصداقية المحكمة عرضة للشبهات.

ويضيف القاضي بأن التوتر السياسي الذي كان قائماً خلال مرحلة إنشاء المحكمة شهد تلازماً بين مواقف بعض القوى المحلية مع مواقف بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي. وهو ما يفسّر "الانتقائية الشديدة" (l’extreme selectivite) لاختصاص المحكمة الضيّق والذي اقتصر على جريمة اغتيال الحريري والجرائم التي وقعت بين الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2004 و12 كانون الأول/ديسمبر 2005 ولا يشمل جرائم أخرى مثل الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوان صيف 2006 مثلاً.

ويلفت روث إلى أنه لم يكن هناك أيّ مسعى جدّي أو مجرّد محاولة من قبل السلطات اللبنانية والدول الغربية الداعمة للمحكمة لتوسيع اختصاصها ليشمل مثلاً جريمة اغتيال الوزير محمد شطح

توجيهات سياسية تعطل الدفاع

يؤكد القاضي روث وجود ضغط وضعه مجلس إدارة المحكمة على قضاتها من أجل تسريع الإجراءات. ويشير إلى أن هذا الضغط جاء على حساب حقوق الدفاع عن المتهمين وعلى حساب عدالة تلك الإجراءات. وتكمن المفارقة هنا في أن مبدأ تسريع المحاكمات، بحسب القانون الدولي، ينبغي أن يكون لصالح المتّهمين لا العكس.

على أي حال إن التوجيه في الإسراع في المحاكمة بدا واضحاً في موضوع ضمّ المتهم الخامس (السيد حسن حبيب مرعي) إلى باقي المتهمين في 25 شباط/فبراير 2014 بعد أن كان قد اتهم في 31 تموز//يوليو 2013. ويقول روث إن قضاة محكمة البداية استعجلوا ضم مرعي إلى باقي المتهمين والسير في محاكمته من دون منح فريق الدفاع عن حقوقه ومصالحه الوقت الكافي للتحضير والاطلاع على كامل الملف.

كلمات دلالية