آب أغسطس 2006، لبنان العزة والكرامة

الساعة 10:59 م|09 أغسطس 2020

بقلم/ أ. محمد حسن حميد*

عقب الانسحاب المذل لقوات الاحتلال الصهيوني  من جنوب لبنان بداية الألفية الجديدة، ساد اعتقادٌ لدى كثيرٍ من المحللين السياسيين والعسكريين أن العدو لن يفكر مرةً أخرى بالعودة إلى لبنان بعد أن تلقى ضرباتٍ موجعة من المقاومة الإسلامية في لبنان، وانتشرت بعض المطالبات لقيادة حزب الله بتفكيك مجموعاته العسكرية والتحول إلى حزب مدنيٍ لبناء الدولة اللبنانية، إلا أن طبيعة هذا الكيان العدوانية المستديمة تأبى إلا تكون حاضرةً في عدوانٍ جديد، وهذه العدوانية اصطدمت بحكمة قيادة المقاومة الإسلامية وحزب الله  وقراءتها الواعية لذهن الاحتلال الذي يدور دوماً حول الاعتداء أو التفكير فيه. ففي الوقت الذي كانت قيادة حزب الله منغمسةً في موقفها الإيجابي لبناء الدولة اللبنانية ووعيها السياسي ومشاركتها في العمل المدني المحلي على مستوى لبنان الوطن، كانت في الوقت ذاته تتوقع عدواناً جديداً على لبنان ولذلك أعدت العدة وكان استعدادها يجري على قدمٍ وساقٍ وسابقَ أبناء حزب الله الزمن وصولاً للاستعداد الملائم لهذا العدوان  فضلاً عن وجود عهد على عاتق قيادة حزب الله متمثلٌ في تحرير الأسرى اللبنانيين المعتقلين في سجون العدو، بالإضافة إلى وجود حسابٍ مفتوح وجزءٍ من الأرض اللبنانية متمثلة بمزارع شبعا المحتلة من قبل قوات الاحتلال حتى يومنا هذا.

ففي تموز 2006م قبل ما يقارب خمسة عشر عاماً خطط حزب الله لأسر جنود صهاينة لمبادلتهم بالأسرى المعتقلين لدى الاحتلال وعلى رأسهم الأسرى اللبنانيين، وقد تمكنت المقاومة الإسلامية بالفعل من أسر جندييْن من جنود العدو في عمليةٍ أوقعت عدداً كبيراً من الإصابات والقتلى في صفوف قوات الاحتلال الصهيوني. وقد وجدت آلة الحرب الصهيونية المتكبرة في هذه العملية مبرراً لشن حملة عسكرية كبيرة معلقةً الآمال على إنهاء حزب الله من الخارطة السياسية اللبنانية وفق اصطلاح "الشرق الأوسط الجديد"، هذا الاصطلاح الخائب أعطى نشوةً عابرةً إلى بعض وكلاء العدو الصهيوني من العرب الذي دفعهم إلى إيصال رسالة إلى الحزب مفادها "شوفوا وين بدكم تروحوا".

ورغم أن مبرر أسر الجندييْن الصهيونيين كان ماثلاً، إلا أن ظاهر الحال يكشف أن هذه الحرب مخططٌ لها منذ سنوات في مؤامرةٍ صهيونية أميركية شاركت في حبكها بعض الدول العربية وفقاً لما كشفته بعض التسريبات المنشورة في بعض الصحف الأجنبية، وساهمت بعض الدول العربية في دفع تكاليف الحرب للعدو.

وبفضل الله أولاً ومن بعده ثبات حزب الله وصموده في المعركة وجهوزية مقاتليه وانتشارهم الجيد مع الحاضنة و العمق السوريين والدعم والمساندة الاستراتيجية التي وفرتها الجمهورية الإسلامية في إيران، مكنت الحزب من البقاء في الخارطة السياسية الإقليمية وليس الخارطة اللبنانية وحسب، وتمكن الحزب ومقاومته الإسلامية من إلحاق خسائر فادحة في قوات الاحتلال على مستوى الأفراد والمعدات، وقد حقق مجاهدو حزب الله مفاجآتٍ عسكرية نوعية خلال أيام الحرب التي استمرت أكثر من ثلاثين يوماً افتتحت باستهداف البارجة الحربية الصهيونية التي كانت تعتبر مركز عمليات متقدم للعدو قبالة ساحل بيروت مروراً بمجزرة دبابات الميركافاه التي كان يحاول الاحتلال تسويقها من خلال دماء اللبنانيين والفلسطينيين كأفضل دبابة محصنة في العالم، فضلاً عن عشرات الكمائن والمصائد العسكرية المحكمة إلى الحد الذي أصبح فيه منحنى إصابات وقتلى العدو الصهيوني متسارعاً كتسارع أرقام المصابين بمرضٍ فائق العدوى.

ورغم الفاتورة البشرية المرتفعة على مستوى الشهداء و ما حل بلبنان من تدميرٍ وحشيٍ طال مباني ومساكن المواطنين وأفضى إلى تهجير مئات الآلاف من السكان الأبرياء إلى وسط وشمال لبنان نتيجة السعار الذي أصاب طائرات العدو التي كانت تستهدف كل شيءٍ متحرك في مناطق بيروت والبقاع وجنوب لبنان، ولا زال لبنان المقاومة يدفع ثمن الصمود والمقاومة، ولا زالت بيروت المقاومة (الحلم والأمل) بوصلة المحراب كما نعتها درويش تشارك وبقسطٍ كبير في دفع هذا الثمن، بأخطاءٍ متعمدة يرتكبها العدو وزمرته أو غير متعمدة تحترق بيروت ويحترق معها أهلها ومن يحبها، ولكنها ستبقى كما عهدناها دوماً عصيةً على الموت عصيةً على الكسر قويةً بأهلها وشعبها ومقاومتها، لقد   فشل العدوان فشلاً ذريعاً وانتصرت المقاومة وثبتت بل وازدادت قوةً وتمكيناً، وفي المقابل خسر العدو وحلفائه الغربيين والشرقيين وخرجوا من بيروت مطأطئي الرؤوس مكبّدين بالخسائر المعنوية الفارقة في هذه المرحلة، بالإضافة إلى الخسائر البشرية والعسكرية الهامة جداً، كما سيخسر المبطلون كما خسروا أول مرة، إننا نستذكر هذه الانتصارات للإخوة في حزب الله وللشهيد القائد/ عماد مغنية "الحاج/ رضوان" ولكل مقاتلي حزب الله وأحرار لبنان لأن الأمة المظلومة والمغلوبة على أمرها كانت تنتظر مثل هذه المحطات الهامة التي تثبتها وتقويها وتؤكد لها أنها قادرة على الانتصار وقادرة على توجبه الضربات النوعية لهذا الكيان الغاصب، وأن الماضي بما يحمله من معانٍ للهزيمة لن يعود، فلا مجال للتراجع إلى الخلف، والصمود يبنى عليه صمودٌ آخر وعزٌ آخر ونصر آخر ولا عودة إلى الوراء، الرحمة لشهداء الشعب اللبناني الشقيق، الشفاء العاجل للجرحى، والتحية كل التحية للمجاهدين والمرابطين على ثغور شمال فلسطين يعدون العدة ويعملون ليل نهار منتظرين أمر الله سبحانه وتعالى بوعد الآخرة، وما ذلك على الله بعزيز.

-------

* عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الاسلامي