ما حكاية عربة "المهندس" التي تلف شوارع غزة..؟

الساعة 10:01 ص|09 يوليو 2020

فلسطين اليوم

تَجوبُ عربةُ الشاب حمدي لبد أرصفة مدينة غزة، والمتخصصة في بيع أكواز الذرة والقهوة للمارة، إذ قرر اللجوء إليها بعدما تعرض لانتكاسةٍ صعبةٍ بعد إغلاق محله المتخصص في صيانة الحواسيب؛ بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السائدة في قطاع غزة.

ويُشغلُ الخريج المهني نفسه يومياً في جرِ العربة التي أطلق عليها اسم "المهندس" من وسط شارع الجلاء، وصولاً لساحة السرايا التي تتجمع العائلات والأشخاص فيها، لينال قوته الوحيد، في وقت بلغت فيه نسبة البطالة في القطاع 50% وثلثها من الشباب.

وكنى بسطته بـ"المهندس"، كرمزٍ على صعوبة الحياة التي يمر بها، حيثُ حصل قبل ثماني سنوات على العديد من الدورات التدريبية في مجال صيانة الحاسوب من معاهد القطاع، فيما لم تفلح صنعته بالصمود أمام الواقع الصعب، بعد أن تكبد خسائر جمة.

وتفرض سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا خانقًا على القطاع، منذُ ما يزيد عن 13 عامًا، ما أدى لانهيار المنظومة الاقتصادية بالقطاع، وإغلاق عشرات المنشآت الاقتصادية.

"بعد أن تقطع بي السبل في البحث عن فرصة عمل، قررت أن أصنع البسطة بإمكانيات بسيطة ومحدودة، وغير مكلفة، لأتمكن من بيع الأكواز"، كما يقول لبد "فلسطين اليوم الاخبارية".

وفي وقت الظهيرة وتحت حر الشمس، يواصل لبد بيع الذرة المسلوقة، ويضيف، أنها "تكاد توفر له ولعائلته المكونة من 10 أفراد قوت يومه"، حيثُ يساعد والده في مصروف البيت.

وبعد أن كان يُبرم الخريج على مناقصات مع مؤسسات محلية لتصليح الحواسيب وبيع قطع الغيار لها، أصبح يحصل من وراء بيع الذرة والقهوة على عشرة شواقل فقط وتزيد وتنقص من يوم لآخر، مما جعله يعيش حيرة التفكير بين بناء مستقبلة الزاهر "الضائع"، والمساعدة في رعاية أسرته.   

ويشير، إلى أن بسطته أصبحت اهتمامه الأول في توفير المصروف اليومي، لاسيما أن الذرة تنضج في فصل الصيف، وتعتبر موسم النبتة مصدر رزق لعشرات الباعة.

وما يزيد الطين بِلة، فإن طواقم بلدية غزة ترصد عربة لبد، وتمنعه من الاصّطفاف بزاوية الشارع، ويوضح: أنها" تهدده بزوال البسطة، ما لم يُغير مكانه، بدعوى أنه مكان غير مناسب"، أو عليه دفع ضرائب لها، وهو بغير حاجة لها.

وفي قطاع غزة، ينتشر الفقر المدقع بين أكثر من مليوني مواطن بواقع 5.453 فرداً لكل كم2، حيثُ وصلت نسبة معدلات الفقر والبطالة في القطاع إلى 75%، وفق إحصائية نشرتها وزارة التنمية الاجتماعية عام 2019.

ومنذُ تولي حكومة "حماس" دفة الحكم في قطاع غزة عام 2007، شنّ جيش الاحتلال ثلاث حروب مدمرة على القطاع، ما راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى، وتدمير مئات الالاف من المنازل والمنشآت الزراعية والاقتصادية.

وبجانب بسطة لبد، تصّطف عشرات العربات على مفترق السرايا في شارع عمر المختار؛ وصولاً إلى النصب التذكاري "الجندي المجهول" الذي يعرفه سكان القطاع كافة، فيما تتنوع تلك البسطات ببيع حاجاتها مثل: (الذرة، القهوة المكسرات، البرد، السندويشات، وغيره..)، وبها يسترزق الباعة في الحصول على قوت عائلاتهم المستورة.

ويعيش معظم شباب غزة، في ظروف اقتصادية صعبة للغاية، وتشير بيانات الإحصاء الفلسطيني إلى أن معدل العاطلين عن العمل من بين المشاركين في القوى العاملة عام 2018، بلغت 52% في قطاع غزة.

ولم تقتصر مصائب البائع عند ذلك، إذ تُعاني والدته من ورم سرطاني وتقضي أيامها في السفر لتلقي العلاج في مستشفيات الضفة، ويقول لبد: إن "جسد والدتي الهزيل ينتشر فيه بالسرطان"، ويضيف أنها بحاجة لقرابةـ1000 شيقل لشراء الأدوية، من أجل البقاء على قيد الحياة.

وكغيره من الشباب العاطلين عن العمل، يطالب لبد، بضرورة رفع الحصار "الإسرائيلي" المقيت عن القطاع، وتوفير فرص عمل للشباب، داعياً الجهات المعنية بتوفير أماكن خاصة لبسطات الباعة.

وخلال الربع الأول من عام 2020، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين بنسبة 4.9% ، مقارنة مع الربع الرابع عام 2019 بالأسعار الثابتة، فيما لعبت تداعيات أزمة "كورونا" جزءًا كبيرًا في ذلك، وفق أحدث إحصائية نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

دعم الطبقات الهشة

وأوضح المختص الاقتصادي محمد أبو جياب، أن الطبقات الهشة وأصحاب الأعمال اليومية يواجهون أوضاعا كارثية، لاسيما في هذه الأيام التي تشهد أزمة كورونا، وتداعياتها على الاقتصاد الفلسطيني.

وذكر أبو جياب، أنه على الجهات المعنية والرسمية توفير المزيد من الدعم والإسناد للمستثمرين وللطبقات العاملة، في ظل توسع دائرة الفقر بين سكان القطاع، جراء الحصار وقلة فرص العمل، وارتفاع معدلات البطالة.

وقال المختص الاقتصادي، إن" العجلة الاقتصادية في غزة المحاصرة، تعتمد على ما يرد إليها من سيولة نقدية من الخارج ومن أطراف متعددة، وبالقيمة المتوسطة تتجاوز 100 مليون دولار شهريًا"، مضيفًا إلى أن الرقم انخفض جراء العقوبات والحصار على القطاع، ما انعكس على ظروف حياة الناس المعيشية.

وأشار في برنامجه "بـلا نقود"، إلى أن حكومة غزة تعتمد في دخلها المالي الشهري على الضرائب والرسوم والجبايات والجمارك المفروضة على العمليات التجارية والاقتصادية.

ولفت أبو جياب، إلى أن الحكومة تًعاني من انخفاض تحصيل الضرائب، جراء أزمة جائحة "كورونا"، ما أثر على مصروفات الحكومة.

كلمات دلالية