المنطقة الصناعية الوحيدة للمقدسيين يهددها الاستيطان

الساعة 09:29 ص|27 يونيو 2020

فلسطين اليوم

لم يتوقع المقدسي نايف الكسواني أن يُجبر يوما على ترك محله التجاري في حي واد الجوز شرق القدس المحتلة؛ فهو اعتاد العمل فيه مذ كان صبيا صغيرا يساعد والده في بيع أدوات البناء المختلفة، ولكنه الآن مهدد بالهدم لصالح مشروع استيطاني ضخم تعكف بلدية الاحتلال على تنفيذه.

ويشمل المخطط الجديد مبان ضخمة ومشاريع تجارية وفنادق ستحل مكان مئات الورش والمنشآت التي تشكل المنطقة الصناعية الوحيدة شرق المدينة، والتي تعتاش منها آلاف العائلات الفلسطينية.

ويقول الكسواني:"إن بلدية الاحتلال في القدس المحتلة قامت مؤخرا بتوزيع عشرات إخطارات الهدم على الورش والمنشآت في المنطقة؛ حيث أخبرتهم أنه سيتم تجريفها لصالح المشروع الذي قالت إنه سيخدم المقدسيين.

ويوضح بأن المشروع استيطاني بامتياز حيث سيعمل على ربط شطري المدينة الشرقي والغربي ببعضهما لتسهيل تنقل المستوطنين ما بين البؤر الاستيطانية، مبينا بأن ادعاءاتها لا تنطلي على المقدسيين الذين يكتوون كل يوم بنيران الهدم والتضييق بوسائل مختلفة، حسب تعبيره.

ويشير الكسواني إلى أن محله التجاري مقام منذ ٣٠ عاما وورثه عن والده، حيث يوفر له ولعائلته المعيشة الأساسية التي يحتاجونها، كما أن جميع المنشآت في المنطقة تعود لعشرات السنين وتسد حاجة آلاف العائلات.

ويزيد على ذلك بأن أصحاب هذه المنشآت والورش يدفعون باستمرار الضرائب الباهظة التي تفرضها بلدية الاحتلال عليهم، ومنها ضريبة "الأرنونا" التي تثقل كاهلهم وتحوّل جزءا كبيرا من دخلهم إلى خزينة البلدية الإسرائيلية.

ويضيف: "نحن ندفع أكثر من ١٦٠ ألف شيكل (٤٥ ألف دولار) سنويا لضريبة الأرنونا، وهو مبلغ ثقيل علينا إلى جانب ما يجب دفعه للفواتير والضرائب الأخرى، ونحن نعلم تماما أن فرضها علينا تهدف إلى تهجيرنا، فهناك أصحاب محلات وورش عليهم ديون بملايين الشواكل للبلدية لا يستطيعون سدادها بسبب التضييق الممنهج عليهم".

وفوق ذلك ترفض بلدية الاحتلال منح التراخيص للمحال التجارية والمنشآت الصناعية هناك؛ فهي تعلم تماما أن منح التراخيص يثبت شرعية أصحابها في المنطقة وهو ما لا تريده تحديدا كي يتسنى لها تغيير معالم المدينة وهدم كل ما يروق لها بحجة عدم الترخيص.

ويؤكد الكسواني لـ"عربي 21" بأن إجراءات الترخيص تستغرق في بلدية الاحتلال أربع سنوات على الأقل للفلسطينيين؛ بينما لا تزيد عن خمس دقائق للمستوطنين، كما أنها تكلف أصحاب المدينة ملايين الشواكل وأحيانا تنتهي الإجراءات بالامتناع عن إعطاء الترخيص.

ويضيف:" أين سيذهب أصحاب المنشآت بعد هدم محلاتهم؟ وكيف سيعيلون أبناءهم؟ الإجابات لم تفكر بها بلدية الاحتلال لأنها لا تكترث بنا وهي تريد فقط تنفيذ مشروعها للمستوطنين، فهي لم تطرح بديلا لهؤلاء العاملين ولن تعوضهم بدل هدم محلاتهم ومنشآتهم، وهو الأمر الكارثي لأننا نعلم تماما أن المشروع سيتم وستمحى المنطقة الصناعية لصالحه".

ويقترح الكسواني تقديم اعتراض من أصحاب الورش والمنشآت في المنطقة وتوكيل محام للدفاع عنهم؛ رغم علمه المسبق بأن بلدية الاحتلال ستقوم بكل ما في وسعها من أجل تمرير المخطط كما يحدث في كل مرة، حيث ترجح الكفة لصالح المستوطنين ورفاهيتهم على حساب لقمة عيش المقدسيين.

حرب اقتصادية

بدوره يؤكد مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري لـ"عربي21" بأن المخطط هو جزء من تغيير معالم كل مدينة القدس المحتلة.

ويوضح بأنه مشروع كبير وواسع جدا تبلغ مساحته حوالي ٢٠٠ ألف متر مربع وستبنى فيه مراكز تجارية ضخمة وفنادق وكليات تكنولوجية، مبينا أن الاحتلال يزعم أنه لخدمة الفلسطينيين ومساعدتهم خاصة طلبة الجامعات بدلا من التوجه إلى جامعات خارج المدينة، ولكنه يسعى لنسف كل المنطقة الداخلية حتى نهاية الشارع.

ويبين بأن المشروع سيتضمن بنايات ضخمة جدا تتكون من عشرات الطوابق وسيكون الشارع المحاذي لها بعرض ٢٦ مترا لخدمة المستوطنين في المستوطنات المحيطة بالقدس المحتلة، وذلك لأن المنطقة تصل المستوطنات المحيطة بالمدينة بتلك البؤر داخلها.

ويرى بأن المنطقة ستصبح يهودية بالكامل بحيث سيعمل الشارع على ربط المستوطنات ببعضها، لافتا إلى أن هناك مشروع مماثل سيتم في منطقة باب العامود لتغيير ملامح المدينة العربية والإسلامية، وذلك عبر تشييد بناية ضخمة فوق الأرض وتحتها.

ويشير إلى أن الورش في المنطقة الصناعية بحي وادي الجوز موجودة قبل احتلال الجزء الشرقي من المدينة عام ١٩٦٧ وتعيل نسبة كبيرة من المقدسيين، وأن الخطورة تكمن في عدم قدرتهم على العودة إلى هذه المنطقة وبالتالي تعتبر عملية جديدة في تهجير السكان من القدس المحتلة.

ويؤكد على أن بلدية الاحتلال آخر ما تكترث به هو راحة المقدسيين؛ حيث تقوم بعمليات هدم لمنازلهم على مدار العام وأحيانا تهدمها على أثاثهم وممتلكاتهم ما يتسبب بتشريدهم، فهي تتجاهل حقهم البسيط في العيش والسكن.

وبحسب الحموري فإن المنطقة الصناعية هذه كانت تعج بالمحلات التجارية والمنشآت والورش؛ ولكن أعدادها انخفضت مع مرور السنوات بسبب التضييق الممنهج من بلدية الاحتلال عليها سواء عبر المخالفات أو الضرائب الباهظة.

ويضيف:" الوضع العام للمقدسيين اختلف كثيرا فالضغط الاقتصادي عليهم كبير جدا وغير عادي على الإطلاق، لدينا أكثر من ٥٠٠ محل تجاري أغلقت في البلدة القديمة بسبب الديون المتراكمة عليها للبلدية ويحصل هذا الأمر بشكل شبه يومي، فالوضع بالقدس المحتلة لا نحسد عليه وهو صراع بقاء نعيشه فكل شيء متوقع من الاحتلال أن ينفذه بحق المقدسيين الذين يصارعون ذلك فقط بقواهم الذاتية".

كلمات دلالية