رثاء الأمين الراحل الدكتور رمضان شلح للشهيد محمود الخواجا

الساعة 01:23 م|22 يونيو 2020

فلسطين اليوم

ستجيئ يا محمود!

"أخي محمود! يا شمس فلسطين تجري لمستقرها العربي الأعز، يا قمر الجهاد في منازل العاشقين، يا جمالاً طار للفردوس في قنوت الفجر، يا سيف عز الدين، يا سرب الجياد المقبلة تتلو على موج الجماهير نشيد الزلزلة.

أيها القاتل المجنون صبرك، دمي المسفوح لن يكتب نصرك.

إنّهُ يحفرُ فوق الصخر ميلادي وقبرك.

أخي محمود! حين سألني الناس عن حدود أصابعك على خريطةِ الجهاد وفي تضاريس الشهادة، كان اسمك يقدح شرراً فوق شفاهي، وكانت حروفه تفرقع بين أصابعي فتشتعل أنشودة النور والنار في موسم العار، ويعلو صباح الخميس هتاف الصغار:

محمود أنت المسدس .. أنت القلم .. أنت الخريطة .. أنت العَلم .. أنت فلسطين كل فلسطين .. وأنت مع الله دوماً ( قسم).

محمود (أبو عرفات): في موكب الفاتحين كُنتَ أنت بوصلة القلب، وكُنتَ الجهات الأربع.

كُنتَ تهيء للذاهبين إلى جنّة الخلد مواعيدهم، وكنت تلملم شعث الجماهير في شطط الدرب وسط الزوبعة، كنت الخريطة في أطلس الذاهبين إلى القدس، وكنت دليل الحيارى في الطريق إلى الأندلس، كنت فلسطين من النهر إلى البحر، عُمرية اللون أبد الدهر، على جبهتك السمراء تنمو رياحين عكا وحنطة مرج بن عامر، وعلى صدرك تستريح جبال الخليل وتهب الصغار رصاص المحاجر، في عينيك تلمع فضة المتوسط ووهجه المتجدد، والقدس تغفو على زندك المقطوع من بلوط يَعْبد.

أخي محمود: الآن تشرق صورتك، في القدس، في مكة، في المدينة المنورة، والآن تسقط في الوحل كل الوجوه المزورة، في زمن الغاصبين كم مرّة راودتك المنايا؟ كم مرة أسلمك السجان للسجن؟ والآن يصطادك الرصاص الأخرس في وطن ملطخ بالجواسيس وبالخطايا.

لم تكن بعنادك القادم من كربلاء تهاب الكلاب، وللنفاذ إلى دمك المتمرد كان على الثورة أن تُهدى فريسة للذئاب.

نعم كفى الثورة أن تغازل الحيات والثعالب، كان عليها أن تفتح للسماسرة المكاتب، وتوزع في مأتم الوطن الحقائب، نعم في غزة البطلة يتزاحم القتلة، في غزة الفرسان الموت بالمجان، والقهر للإنسان، والمجد للسلطان!

 

أخي محمود: يا ابن رصاصة السلم ويا ابن حمامة الحرب، هل هذه نهاياتنا في أول الدرب، درب البراق، أم هذه بداياتنا مع الحب والشمس والانعتاق؟ إنّ لنا موعداً ننثر فيه على شاهد القبر ورد الخلاص، ونعلن من كاتم الصوت هذا زمان القصاص، فقرّ عيناً محمود (أبا عرفات)، وابسط أخي راحتيك لصافنات الثأر معبراً، قسماً برب الجرح والرمح، سيحيل ملح الشاطئ المغدور سُكّراً، وتجيء يا محمود، تطلع من بقايا الروح والأشلاء، تحمل لوعة الفقراء، تنسج من دم الشهداء ثوب العز للأحياء.

وتسيل يا محمود من دمع المخيم، وتطل يا محمود من دمنا المقاتل، من عطش السجن وجوعه، وتجيء يا محمود من زرد السلاسل، في ضحكة الأطفال، في حزن الأرامل.

 

كلمات دلالية