معاريف: بعد فشل التهديد بـ”مسدس فارغ”: هل سينجح أبو مازن في خطته التالية؟

الساعة 06:42 م|19 يونيو 2020

كتب: آفي يسسخروف

لم يحدث بعد ضم أي أجزاء من الضفة، ولم يتخذ أي قرار حتى الآن، ولم يجد أي فلسطيني أو مستوطن نفسه مضموماً لدولة إسرائيل، غير أن شيئاً ما يحصل على الأرض، مثابة بقبقة طفيفة، وهيجان إن شئتم، الأحاديث عن الضم تنجح في خلقهما.

أولاً، التنسيق الأمني الذي أوقف رسمياً بين إسرائيل والسلطة. صحيح أن هناك مكالمات هاتفية لا تزال جارية بين الطرفين، ولكنها تقل شيئاً فشيئاً. الأنباء الطيبة في هذا السياق هي أن السلطة تواصل العمل على إحباط العمليات، بل وتسمح أيضاً بأعمال مثل زيارة المصلين إلى قبر يوسيف (قرب مخيم عسكر للاجئين، نابلس). ثانياً، القطيعة بين إسرائيل والسلطة أدت إلى تغيير دراماتيكي في كل ما يتعلق بالعلاقات التي بين السكان الفلسطينيين وإسرائيل والسلطة. في هذا الأسبوع، بُشر الفلسطينيون في الضفة بأن كلما طلبوا تصريحاً، فعليهم أن يفعلوا ذلك مباشرة عبر موقع الإنترنت الخاص بمكتب منسق الأعمال في المناطق وليس عبر السلطة. إن التقاليد طويلة الزمن التي بدأت في 1994، القاضية بأن يمر كل تصريح للعمال، والطلاب، ورجال الأعمال، والمرضى وما شابه، عبر مكتب الشؤون المدنية في السلطة، وصلت إلى منتهاها هذا الأسبوع. من الآن فصاعداً سيتوجه الفلسطينيون مباشرة إلى إسرائيل، من فوق رأس السلطة، فيحصلون (أو لا يحصلون) على التصريح المطلوب.

ظاهراً، تعد هذه خطوة بيروقراطية، غير أن لذلك تداعيات رمزية دراماتيكية. المقيم الفلسطيني في الضفة يدير شؤونه مرة أخرى مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي وليس مع السلطة.

هذه أنباء سيئة لوزير الشؤون المدنية في السلطة، حسين الشيخ، الذي درجت وزارته على معالجة كل هذه التصاريح، على اقتطاع مكاسب سمينة عن كل تصريح وتصريح صدر لكل فلسطيني كائناً من كان. والآن تتبخر كل مداخيلها. كما كانت وزارة الشيخ أيضاً أحد السبل الفضلى لتصفية الحسابات مع المعسكرات الخصم في فتح أو مع حماس. فمثلاً، في كل مرة كان يحتاج فيها أحد ما في معسكر دحلان تصريحاً من هذا النوع أو ذاك، كانت الوزارة تعرف كيف تؤخره أو تمنعه من تلقي التصريح.

هذه أنباء غير طيبة أيضاً لقيادة السلطة الفلسطينية ولأبو مازن، ولا سيما في ضوء ما يبدو كتجاهل أو عدم مبالاة من الجمهور الفلسطيني من المسألة التي تسمى الضم. يقول د. ميخائيل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز دايان، إن “القيادة الفلسطينية في أزمة استراتيجية. لقد بدأ عباس بإجراءات كان يفترض بها أن تحرك شيئاً ما. غير أن الجمهور لم يرتبط بذلك، وكذا الأسرة الدولية. أما تهديد وضع المفاتيح وحل السلطة فهو تهديد بمسدس فارغ من الرصاص.

السلطة ترى وتسمع الأصوات وتحذر بأن إسرائيل بدأت تستعد على الأرض للضم، ولكنك ترى الأعداد المشاركة في المظاهرة ضد الضم في الغور والزبيدات لا تتجاوز 5 آلاف شخص. عندما ينظر أبو مازن إلى الجمهور يفهم فشله. ما يهم الجمهور في هذه اللحظة هو أن نحو 200 ألف موظف في السلطة لم يتلقوا بعد الرواتب التي كان يفترض أن تدخل في الأول من حزيران، بسبب قرار السلطة عدم أخذ أموال الضرائب. وجاءت هذه الخطوة لردع إسرائيل وخلق هياج ضدها، غير أنها تبدو سهماً مرتداً وتشجع الغضب اتجاه السلطة”.

وإن عدم مبالاة الجمهور لن تؤدي بالضرورة إلى الهدوء، لا في أوساط نشطاء “فتح” الميدانيين (التنظيم) ولا من جانب السلطة. ويمكننا القول إن الشوارع لم تغرق بالمسلحين والأسلحة بعد. ومع ذلك يخيل أن الوحش القديم الذي حرك الانتفاضة الثانية في بداية طريقها، التنظيم، يبدأ بإظهار الوجود. فقد ظهروا في قلقيلية والخليل وفي “غلاف القدس”. وحسب سكان في شرقي القدس، في كل مساء تقريباً تسجل حوادث إطلاق النار في مخيم شعفاط للاجئين، الذي يعصف حتى في الأيام العادية. “وفي العيزرية، وكفر عقب، وقلنديا، غير قليل من إطلاق النار والمسلحين”، كما يروي أحدهم. واضح أيضاً أن الأماكن التي يكون فيها التنظيم منظماً ومنضبطاً أكثر، لن يكون “مثيراً للمشاكل”.

لشدة المفارقة، فإن ما أيقظ هذا الوحش من سباته كان موضوع كورونا. فقد بعثت فتح بنشطائها الميدانيين، أحياناً المسلحين، إلى مناطق القرى، لفرض انضباط كورونا، ومنذئذ بات من الصعب إعادتهم. في الأماكن التي تعد فيها فروع التنظيم أضعف، يسمح النشطاء المسلحون لأنفسهم بحرية عمل أكبر. وأحياناً تكون عناصر إجرامية، قد تصبح هماً حقيقياً للسكان ولقوات الأمن الإسرائيلية.

***

ولكن كما أسلفنا، لا تعتزم السلطة التسليم بلامبالاة الجمهور. في رام الله يفهمون بأن الشارع لا يريد انتفاضة قريباً، وأزمة حقيقية عسيرة على الإنتاج، ولهذا يسعون الآن للوصول إلى إنجازات رمزية. معنى هذا الأمر من ناحية السلطة وم.ت.ف هو التوجه مرة أخرى إلى مجلس الأمن في محاولة للوصول إلى اعتراف دولي بدولة فلسطينية تحت الاحتلال. من المتوقع أن يستخدم الأمريكيون الفيتو في مجلس الأمن فيوقفوا كل مبادرة من هذا النوع. ويقول مصدر فلسطيني إنه لا توجد أي نية للتوقف بسبب هذا. فالميل السائد هو العمل مع مؤسسات الأمم المتحدة لتحقيق مثل هذا الاعتراف حتى لو استخدم الفيتو المرة تلو الأخرى. توجد دول كثيرة تؤيد هذه الخطوة، ولهذا تؤيدها القيادة. في حالة الضم، سنطلب اعترافاً بمكانة دولة تحت الاحتلال، وثمة 12 – 13 دولة حتى الآن في أوروبا مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية تحت الاحتلال في حالة ضم إسرائيل. وهذا في واقع الأمر هو الثمن الذي يمكن جبايته من إسرائيل”.

وحسب هذا المصدر، فإن لا يريد أحد تصعيداً حقيقياً، انتفاضة أو فوضى. “قد يرغبون في مظاهرات مثل مظاهرات أزمة البوابات الإلكترونية في الحرم، ولكن ليس شيئاً يخرج عن السيطرة. من جهة أخرى، لن يكون ممكناً التسليم بالضم دون أن تدفع إسرائيل ثمناً ما عليه. ويتحدث المصدر عن تحقيق تفهم دولي للموقف الفلسطيني. “والدليل هو أن الدول العربية تقف منذ الآن ضد الضم بشكل صريح. وحتى في البيت الأبيض توجد خلافات في هذا الموضوع، ولا توجد نية من جانب السلطة لوقف الأعمال ضد الضم قريباً، بل العكس”.

كلمات دلالية