"يا أبا عبد اللهِ سلاما" بقلم الكاتب عبد الله الشاعر

الساعة 11:38 ص|09 يونيو 2020

فلسطين اليوم

هل سنضع مع الرحيل آخرَ نقطةٍ في سطور المرايا، أم سنتركها مبلّلة بالدموع، حزينة كراية سوداء في مهبّ الفجيعة؟

كأنّ عليّ الآن حزم أمتعة اللغة، وبعثرة الحروف، فما عادت هناك يدٌ تلمّ شتات الصوت، وتصنع من الهمس رعدًا ونشيدًا للقابضين على جمر المدى والأغنيات.

قال لي ذات يوم: أريدك أن تحمل الراية؛ وتواصل النشيدَ الذي بدأتُه في المرايا، ومنذ ذلك التاريخ، والكتابة في المرايا محاولةٌ للصعود إلى يقين حروفه، وأَلق لغته، وعزيمة صوته المقدود من وجعٍ وبسالةٍ ويقين... 

يا إلهي، ألف مشهدٍ أمام ناظريّ الساعة، ورمضان يرتدي كوفيّتة ويعتلي مصطبة في ساحات الأقصى، ويُشهر قبضته سيفًا من عزّ، وبوصلة من يقين.

منذ ان وقف إلى جوار الجسد المُسجّى للشهيد الشقاقي، وقلبه مُعلّقٌ بوصاياه، بدمائه التي لم تجفّ، وبنهجه الذي ارتضاه دينا وقربى لرب العالمين، حمل فلسطين في قلبه قبسًا من نور، وبوصلة للهدى، وواجبًا مقدّسًا.

كان يُدرك حجم الزلزال الذي ضرب الحركة باستشهاد أمينها العام، فامتشق سيف الحق، ونهض وإخوانه المخلصين من بين الجراح، ومضَوْا نحو واجبهم مبتسمين، لا يضرّهم مَن خالفهم، ولا يُرعبهم من هدّدَ باغتيالهم، فلم يُخيفهم الوعيد، ولم تفتّ من عزائمهم مؤامرات الأعراب، ولا جرائم المجرمون.

آمن أبو عبد الله بأنّ الحقّ تحرسه البنادق، وأنّ الكلمة شرفٌ ورصاصة، فقدّ من صخور القدس حروفًا من إباء، وخطّ على جبين المدى ملاحم من نور ونار...ربّت على كتف أنور الحمران، وتحصّن مع الطوالبة ورفاقه حتى آخر رصاصةٍ ورمق، وفرش للنعمان مدىً من عزيمة، وخبّأ لؤيّ السعدي في حدقاته، وطوى على محمد سدر ورفاقه القلب والشغاف.

رثى الخواجا بالدم والدموع، وحمل عتاد الشهداء على كاهله، وكان الحاضر إلى جوارهم أبدا، يُهدهدُ جراحهم، ويُربّت على قلوبهم، ويهمس في آذانهم نشيد الصبر والعنفوان.

كان طوال الوقت أرقّ من نسمة صبح، وفي الليلة الظلماء بدرًا من حياة...إذا تحدّث أصغى الأحرارُ لصوته أسماعَهم، فوجدوه الصادق مع شعبه، والوفيّ لآمالهم، والحافظ لتاريخهم، والحارس لحقوقهم، والصادح بالحقّ دون أن يخشى في الله لومة لائم.

طاف العواصم والمدن الكبيرة، لكنه لم يجد أرحبَ من عينِ شهيد، لقي الله وهو يرنو للقدس، ويُسيّجها بالدما والعزائم...

بدأ قيادته للحركة دكتورًا، وخرج من الدنيا، بقلبٍ يُحبّ الأحرار ويحنو عليهم، ويُنفقُ كُلَّه على دين الله، ولا يرجو إلا رضاه...باع لله نفسه، فربح البيع، ورهن لفلسطين الروح، وظلَّ على موعدٍ مع القدس، وما بدّل تبديلا.

كلمات دلالية