توازن العالم في عين العاصفة أميركا بين الوجود واللا وجود/ بقلم: محمد صادق الحسيني

الساعة 08:38 ص|06 يونيو 2020

فلسطين اليوم

ماذا يجري في دهاليز السياسة الأميركية، على خلفية مقتل المواطن الأميركي ذي البشرة السوداء جورج فلويد خنقاً..!؟

ماذا يحضّر لمستقبل أميركا خلف الستار على عتبة استحقاق الانتخابات الرئاسية..!؟

هل يحضّر أمرٌ ما لن تظهره الشاشات الآن بسبب غبار معارك الشوارع بين الـ «انتيفا» والقوى الخفية ذات اليد العسكرية الطولى التي تخرج من بين عسكر أميركا..!؟

هل يخرج ترامب بطلاً قومياً من هذه المعارك ليعود العسكر فارضين شروطهم عليه ليتخلى عن شعاراته الانتخابية في العام 2016 أم يُطاح به ليتسلّم العسكر الحكم مباشرة وتتحوّل أميركا الى جمهورية موز، ومن ثم تبدأ رحلة تفكّك الفيدرالية والانقسام والحرب الأهلية وزوال القوة العظمى الأميركية على وقع تغريدات وخطوات «أبو ترامب البغدادي» العنصرية والمتوحشة، فيكون ترامب غورباتشوف أميركا في قرن أفولها وانقراضها..!؟

هذه الأسباب وغيرها في القراءة التالية:

اياً تكن أسباب تفجر المظاهرات الاحتجاجية، منذ ما يقارب الأسبوع، في الولايات المتحدة، وبغضّ النظر عن السبب المأساوي المباشر لذلك، أيّ مقتل الشاب الأسود جورج فلويد، وبنظرة موضوعية لا بدّ من التأكيد على ما يلي:

1 ـ هناك قوى عميقة (ليست الدولة العميقة بالضرورة)، تحكم الولايات المتحدة، لها مصلحة في تصعيد المظاهرات وتسعير الصدامات والعمل على تحويل المواجهات الى مواجهات مسلحة.

2 ـ لا يعني هذا الكلام تعارضاً مع الحقوق المشروعة، والمكفولة في الدستور الأميركي، لهؤلاء الأميركيين بالتظاهر والتعبير السلمي عن مطالبهم العادلة، لا بل الدستورية. ونعني بالدستورية هنا حق المواطن الأميركي من اصول افريقية في المساواة الكاملة والشاملة مع المواطنين البيض في البلاد.

3 ـ وعليه فإن مطالب المتظاهرين الحاليّة، اي المطالبة بالعدالة، لا ترتقي الى مستوى حقوقهم الدستورية. تلك الحقوق (المساواة العملية بين الابيض والاسود) التي تجب المطالبة بتغيير أسس النظام الحاكم من أجل تحقيقها على ارض الواقع. وهذا يعني ضرورة إنهاء التقاسم الحزبي، بين الجمهوريين والديمقراطيين، للحكم في أميركا من دون إجراء اي تغييرات تذكر في مجال حقوق الانسان. اذ لا مساواة في ظل الطائفية السياسية السائدة في الولايات المتحدة والتي تشكل الضمانة الموضوعية لسيطرة العرق الأبيض على كل مفاصل الدولة وتفاصيلها.

4 ـ لكن مأزق القوى أو الطبقات المسحوقة في الولايات المتحدة، المواطنون من أصول افريقية وجنوب أميركية، يتمثل في عدم وجود تنظيم سياسي او حزب سياسي، يمثلهم ويقود نضالهم. وهذا يعود لما ذكرناه آنفاً، من الدكتاتورية السياسية، التي يفرضها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، والتي هي أقرب ما تكون الى ديكتاتورية الطوائف التي نعرفها في بعض دول العالم الثالث وفي المملكة المتحدة (حكم البروتستانت ضد كاثوليك أيرلندا).

5 ـ خاصة انّ ما يتصدّر الاخبار والمعلومات المتداولة، حول القوى التي تحرك هذه الاحتجاجات، هو الحديث عن منظمة انتيفاAntifa ، والتي أعلنها الرئيس ترامب منظمة إرهابية، ما يثير الانطباع بأنها منظمة ثورية تحمل برنامجاً سياسياً يهدف الى إحداث تغيير جذري في الولايات المتحدة. بينما الحقيقة هي غير ذلك تماماً.

6 ـ لذا فإنّ توضيح ماهية هذا المسمّى ضروري جداً، من اجل فهم خلفياته وآفاقه وقدراته، وحتى إرادته في التغيير. فهذا المسمّى ليس حزباً سياسياً ولا منظمة سياسية عسكرية، كالجيش الجمهوري الأيرلندي مثلاً، بل انها مجموعة من التنظيمات الشبابية والطلابية الصغيرة المبعثرة على كل اتجاه سياسي، من أقصى اليسار الى أقصى اليمين، والتي لا تملك لا عقيدة موحدةً ولا برنامجاً سياسياً موحداً ولا خطط عمليات موحدة.

7 ـ وهي تنظيمات منتشرة في اوروبا وأميركا بشكل خاص، ومنذ بداية عشرينيات القرن العشرين، إثر استيلاء بيتينو موسوليني وحزبه الفاشي على الحكم في إيطاليا سنة 1922، وما تلا ذلك من محاولات لصعود القوى اليمينية المتطرفة في اوروبا الى الحكم، كمثل أدولف هتلر الذي حاول تدبير انقلاب عسكري للاستيلاء على الحكم في المانيا، وكذلك تحرك الجنرال فرانكو لقيادة القوى الفاشية في اسبانيا والجنرال سالازار في البرتغال…

كل ذلك دفع الى نشأة هذه الحركة، التي رفعت شعارات معاداة الفاشية والتطرف والنازية، وكانت لها فروع ونشاطات في فلسطين، الواقعة تحت الانتداب البريطاني آنذاك. ولكن ما كان يجمعها بالتنظيمات الموجودة في اوروبا هو شعار «التضامن مع إسرائيل» والتي لم تكن موجودة في تلك الحقبة.

8 ـ إذن فما يطلق عليه اسم «أنتيفا» حالياً ما هو الا مظلة لمجموعات، تسمّي نفسها يسارية، تموّلها وتحركها، في حقيقة الأمر حالياً، القوى الخفية التي تحكم الولايات المتحدة الأميركية. وهي لا تزال ترفع شعار التضامن مع «إسرائيل» وتعتبرها «البقرة المقدّسة»، التي تجب رعايتها وتسمينها.

9 ـ أما عن علاقة ذلك بما يدور حالياً من احتجاجات في الولايات المتحدة فتتمثل في أن القوى الخفية، التي تحكم هناك، وبرغم عدم ظهور أي دور واضح لها، الا انها تعمل على استغلال هذه التحركات الجماهيرية العادلة لمصلحة ممثله (القوى الخفية) الجالس في البيت الابيض، وذلك من خلال حملة التصعيد التي ينفذها ترامب والهادفة الى عسكرة المواجهات بهدف:

أ) إظهار نفسه كرئيس قوي، قادر على ضبط النظام والوقوف في وجه «المنظمات اليسارية» التي تعمل ضدّ مصالح الولايات المتحدة، حسب رأيه، وذلك في محاولة لإعادة تحشيد انصاره، من العنصريين البيض، بعد الأضرار التي لحقت بصورته بسبب فشله في ادارة ازمة كورونا داخلياً وفشله في ادارة التوتر مع الصين خارجياً، مما جعل جمهوره من المزارعين يتعرضون لأضرار وخسائر كبيرة، اثر قيام الصين بإلغاء العديد من صفقات المنتجات الزراعية التي كانت ستستوردها من الولايات المتحدة.

ب) تأجيج الصدام الداخلي، بشكل يوصله الى الصدام المسلح، وذلك بهدف تأجيل الانتخابات الرئاسية القادمة، اذا ما اتضح لترامب والقوى الخفية التي تدعمه انه لن يفوز في هذه الانتخابات.

وهذا يعني أن خطابه العنصري وتصرفاته الرعناء مدروسةً بعناية ومخطط لها بدقة وتهدف الى خلق الظروف المناسبة لإعادة انتخاب ترامب، وتحويله الى اداةٍ في ايدي تلك القوى الخفية، من أجل استغلاله لتنفيذ مشاريعهم العدوانية العسكرية، سواءً ضد الصين وروسيا او ضد إيران ومحور المقاومة. خاصة أنّ هذه القوى هي من المتطرفين الإنجيليين، المحافظين الجدد، الذين تربطهم مصالح عقائدية ومالية كبيرة مع الدوائر اليهودية التي تدعم نتن ياهو في الولايات المتحدة، والتي لا تتوانى عن إشعال الحروب، خدمة لمصالح تجمع الصناعات العسكرية الأميركية.

10 ـ وفِي اطار التصعيد الكلامي والعملي، من قبل ترامب، والمُشار إليه أعلاه، فإنّ مرافقة رئيس هيئة الاركان العامة للجيوش الأميركية، الجنرال مارك اليكساندر ميللي للرئيس الأميركي، في زيارته البائسة لكنيسة يوحنا بولص الثاني، في واشنطن، وإن لم يظهر الجنرال ميللي في الصور إلا انّ آلاف الأميركيين قد شاهدوه هناك بالعين المجردة. وبالتالي فإنّ وجود الجنرال ميللي مع ترامب قد أجّجَ موجة الغضب العارمة، التي اجتاحت الاوساط الأميركية، رفضاً واستنكاراً لاستغلال ترامب للدين والمشاعر الدينية الإنسانية للمواطنين الأميركيين، لما لذلك من معانٍ، لا يمكن التستر عليها.

ومن بين أهمّ معاني حضور هذا الجنرال، الرفيع المنصب، ما يلي:

ـ تهديد رئاسي مباشر للمواطنين، الذين تمّ اجلاؤهم بالقوة من محيط الكنيسة، باستخدام القوة العسكرية للجيش الأميركي لقمعهم بإحباط تحركاتهم ومنعهم من ممارسة حقهم الدستوري في التعبير عن الرأي، ما يعتبر تعدياً على الدستور وحقوق الانسان يستوجب محاسبة مرتكب هذه الجريمة ومن تواطأ معه في ارتكابها (الجنرال ميللي) وتقديمهم للمحاكمة، حسب ما تنص عليه القوانين الأميركية.

ـ تحريض الرئيس ترامب، من قبل القوى الخفية الحاكمة في واشنطن، على اتخاذ المزيد من خطوات التصعيد ضد المتظاهرين، وذلك عبر الإيحاء له وللرأي العام الأميركي، بان الجيش يساند ترامب، في ما يتخذه من اجراءات قادت البلاد الى حالة غير مسبوقة من الانقسام والحقت أضراراً كبيرة بمصالح الولايات المتحدة وسمعتها الدولية وأظهرتها كدولة دكتاتورية تمارس أقسى درجات العنف ضد مواطنيها من دون أي مبرر لذلك.

وهو الأمر الذي يظهر نفاق الإدارة الأميركية الصارخ، اذ انها تتهم كل دول العالم تقريباً، بعدم احترام حقوق التعبير عن الرأي وتطالبها باحترام تلك الحقوق. ولكن شرطة ترامب «التي تحترم حقوق الإنسان»، قد داست رقبة المواطن الأميركي حتى قتلته خنقاً، مع ما يرافق ذلك من ألم وتعذيب لا يمكن تخيّل شدته. وهذه جريمة إضافية يجب ان يحاكم الرئيس الأميركي على ارتكابها، ليس فقط بصفته رأس الدولة، وانما بصفته مقصّراً في اتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة، التي كان يجب ان تحول دون وقوع جريمةً مروعة كهذه.

من الآن حتى عشية الانتخابات الأميركية المرتقبة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، ستظلّ عيون العالم شاخصة الى واشنطن عاصمة الدولة الأعظم في العالم سابقاً والقوى الخفية التي تحاول الانتقام لهزيمة أميركا على أبواب بلاد الشام وبلاد الرافدين وأسوار صنعاء وتخوم إيران الثورة والاسلام ورجال الله في فلسطين ولبنان من معالوت الى إيلات ومن الجولان الى الجليل الى غزة وكل شبر من الضفة الغربية التي ساهم أهلها الصابرون والمحتسبون إلى جانب بحر أهلهم العرب والمسلمين في تهشيم وتقزيم جسم الإمبريالية الأميركية وتحويلها الى نمر من ورق..!

حتى ذلك اليوم نقول:

‏من كان يعبد أميركا وجبروتها فإنّ أميركا في حالة احتضار

‏ومن كان مخزّناً دولارات عليه أن يستبدلها بالتومان

‏أو الروبل أو اليوان…

‏هو الله الحيّ الذي لا يموت.

‏ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

‏بعدنا طيّبين قولوا الله