وقفات في ذكرى النصر الآتي من الجنوب

الساعة 11:05 ص|25 مايو 2020

الدكتور: يوسف الحساينة

- عضو المكتب السياسي في حركة الجهاد الإسلامي

عشرون عاما بالتمام والكمال مضت، على بدء مرحلة التحول الاستراتيجي في الصراع العربي الإسرائيلي، لصالح قوى المقاومة الحرة في المنطقة، على وقع الهروب الكبير والمذل لجيش الاحتلال الإسرائيلي، من الجنوب اللبناني الذي شكّل –ولا زال- كابوساً دامياً يؤرق قادة الكيان الإسرائيلي ومستوطنيه، بفعل فاتورة الدم العالية التي كان يدفعها "الإسرائيلي" مقابل بقائه في ذلك الجنوب المملوء غضباً وثورةً ويقيناً بالنصر الآتي، من بين ثنايا قنبلة ساجدة بين أكوام الصخر، أو وثبة صاروخ  يردد منطلقا هيهات منا الذلة!

وبالعودة إلى الوراء قليلا، وتحديدا إلى السادس من حزيران/ يونيو 1982، عندما قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في حينه شن عملية عسكرية (سلامة الجليل) ضد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان إثر محاولة اغتيال سفير الكيان في بريطانيا، استمرت نحو ثلاث سنوات (1982-1985)، لتنتهي باحتلال الجنوب اللبناني في محاولة "إسرائيلية" فاشلة لتأمين مستوطنات شمال فلسطين المحتلة أو ما تسميه "إسرائيل" (أصبع الجليل)، وفق اعتماد وتبني نظرية أمنية تقوم على بناء عمق "جيو استراتيجي" لحفظ أمن الكيان ومستوطناته في الشمال الفلسطيني المحتل.

ولكن، وكما يقولون، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فمنذ ذلك الحين، شكل التواجد الإسرائيلي وقوات عملائه (اللحديين) في الجنوب اللبناني، بالإضافة إلى المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة، هدفا مستمرا لضربات المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين بقيادة المقاومة الإسلامية المتمثلة في (حزب الله).

إصرار المقاومة اللبنانية وعلى وجه الخصوص حزب الله على المضي بلا هوادة في تكبيد المحتل الإسرائيلي خسائر مادية وبشرية فادحة، عبر تنفيذ عمليات نوعية كبيرة سيطرت في بعضها على مواقع متقدمة للعدو، وبراعة المقاومة في كشف زيف الرواية الصهيونية والتضليل الذى تمارسه حكومات الكيان المتعاقبة على العالم، وحتى على سكان الكيان أنفسهم، عبر جهاز الإعلام الحربي الذي ساهم في تعزيز صدقية رواية المقاومة وفضح كذب رواية الاحتلال، جعل كلفة بقاء جيش العدو في الجنوب العربي اللبناني عالية، لا قدرة لمجتمعٍ هجينٍ جُلب من أصقاع الأرض كي يتمتع ويستثمر ويستقر على حساب سكان الأرض الأصليين، على تحمل هذه التكاليف الممهورة بدم وأشلاء الجنود الإسرائيليين، فسرعان ما انكشفت  الدعاية الصهيونية التي تزعم أن جيش الكيان لا يُقهر، وتبين معها حجم الخداع والتضليل الإسرائيلي الرسمي والممنهج للرأي العام في الكيان القائم على معاناة الآخرين، وقد رأى سكان الكيان بأم أعينهم، جيشهم المتغطرس وهو يهرب ذليلاً تحت جنح الظلام  من الجنوب اللبناني دون قيد أو شرط، بعد أن "أصبح الجنوب طوق نجاة مثقوب" للاحتلال. كما قال المعلق العسكري لصحيفة هآرتس زئيف شيف.

ومن أبرز نتائج وتداعيات ذلك الهروب الإسرائيلي من جنوب لبنان:-

-فشل العملية الإسرائيلية الأمنية المسمّاة (سلامة الجليل) وإقامة حزام أمنى داخل لبنان على حدود فلسطين المحتلة.

 - سقوط استراتيجية الكيان في تشكيل عمق "جيو استراتيجي" له من خلال احتلال الجنوب اللبناني.

- بات مشروع المقاومة ونهجها، مشروعاً واقعياً قادرا على مواجهة الاحتلال واسترداد الحقوق المسلوبة، مع التأكيد بالشواهد والوقائع كافة، على أن كلفة ذلك المشروع أقل بكثير من كلفة وهم ما يسمى "السلام".

 -  تنامي قوه المقاومة في المنطقة سيما في فلسطين ولبنان.

- تراجع المشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة، ميدانياً، وعسكرياً، وسياسياً،  وما الإصرار الصهيوني على التطبيع  مع أنظمة عربية فاقدة لشعبيتها وخانعة  للإرادة الغربية، إنما هو محاولة بائسة لتعويض تراجع المشروع التوسعي الصهيوني، ومحاولة إنقاذ سمعته ودوره  الوظيفي الخبيث المتآكل في المنطقة بفضل نجاعة مشروع المقاومة.

- تفوق المقاومة أخلاقياً وسياسياً وإعلامياً في معركتها مع الكيان.

- إظهار مدى خسّة وقذارة الكيان في تعامله مع من ارتضى على نفسه أن يكون بمثابة "بندقية مستأجرة" للعدو، وهو ما برز جليّاً في التعامل مع جيش لحد العميل إبان الهروب الكبير لجيش الاحتلال من الجنوب اللبناني.

- لم تعد "إسرائيل" الدولة القوية الوثابة التي تحتل العواصم العربية في ساعات وتحتل الأرض العربية وتبقى فيها لسنوات، وإنما باتت دولة ضعيفة يمكن إلحاق الهزيمة بها.

ومما سبق نؤكد على ما يلي:

- المقاومة كمشروع وبرنامج عمل تحرري تبقى الأقدر والأمثل والأنجع لاسترداد الحقوق المغتصبة، وأن الرهان على إقامة ما يسمى "سلام" مع الاحتلال، رهان فاشل وخاسر.

-  المشروع الصهيوني ورغم ما يُضخّ فيه دولياً وإقليمياً، من عناصر للإحياء والاستمرارية والبقاء خاصة صفقات التطبيع المذل، إلا أنه أعجز ما يكون عن الصمود في وجه سنن الكون ونواميس الحياة، التي تقضي بإعادة الحق إلى أهله مهما طال الزمن أم قصر.

- الكيان الصهيوني الغاصب، هشٌّ وضعيف، ويمكن إلحاق الهزيمة به في حال تمت مواجهته بمقاومة  واعية مستبصرة  ومتماسكة وملتصقة  بالجماهير.

-  لا مجال ولا مستقبل للتطبيع مع العدو التاريخي للأمة، وسقوط المطبعين  حتميٌّ لا محالة.

- ستبقى فلسطين القضية المركزية للأمة وعنوان شرفها وكرامتها، رغم أنف المطبعين والمتسربلين بذل الهزيمة وعار الخيانة.

- ستظل قوى المقاومة الضمانة الأقوى والأجدى للأمة من الضياع والانهزام

- إن تحقيق الأهداف الوطنية والقومية للأمة، لا يتأتى إلا عبر استراتيجية ورؤية مقاوِمة واعية، وهذا يؤكد مدى وجوب توحيد الجهود المخلصة والمقاومة في المنطقة كافة باعتباره واجبا شرعيا ووجودياً.

- ستبقى "إسرائيل" (بذرة الشر في المنطقة والعالم)، العدو المركزي للأمة ولكل أحرار العالم وقيم الإنسانية، رغم محاولات صناعة وتصدير عدو وهمي بحجج وذرائع واهية وخارجة عن المنطق والعقل.

وختاماً، ونحن بين يدي هذه الذكرى (ذكرى التحرير والانتصار) التي شكلت ولا زالت نقطة مضيئة في تاريخ الصراع مع هذا العدو، لنزداد يقيناً على يقين، بأن  وعد الله بالنصر والتمكين آتٍ آتٍ، "ويسألونك متى هو، قل عسى أن يكون قريبا".
تزامن  عيد الفطر السعيد  مع عيد التحرير هذا العام  علامه بشارة وفرح  للنصر الآتى ان شاء الله.