العلاقات السعودية الأمريكية .. مصالح مشتركة أم تبادل منافع

الساعة 05:01 م|12 مايو 2020

فلسطين اليوم

بقلم الباحث/ محمد زهير جنيد
ماجستير دبلوماسية وعلاقات دولية

إن دراسة وفهم السياسة الخارجية الأمريكية أمر ضروري لما لهذه الدولة من أهمية في النظام العالمي، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي بحيث أصبحت القطب الأوحد في هذا النظام، فهي أقوى دولة من الناحية الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، ونتيجة لذلك اتجهت الإدارة الأمريكية إلى تبني سياسة خارجية تهدف إلى زيادة رقعة مناطق نفوذها من ناحية، وإضعاف نفوذ الدول المنافسة من ناحية أخرى، من خلال التحالف مع العديد من الدول الصديقة ضد الدول المنافسة والمعادية انطلاقاً من مبدأ السعي للحفاظ على مصالحها القومية.

في مطلع القرن العشرين ومع بداية اكتشاف النفط في الشرق الأوسط، زادت الإدارة الأمريكية الاهتمام بالمصالح الاقتصادية في هذه المنطقة، فقد بعث الرئيس ويليام هاورد تافت إلى السفير الأمريكي في تركيا عام 1911م يطالبه بوجوب تركيز اهتمامه على المصالح التجارية الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من المصالح الأكاديمية.

واستمر اهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة في منطقة الشرق الأوسط الى أن توجت هذا الاهتمام في الحصول على الامتيازات الأمريكية في المملكة العربية السعودية في التنقيب عن النفط في منتصف الثلاثينيات، فقد كانت السعودية خارج نطاق النفوذ البريطاني والفرنسي في ذلك الوقت، وبالتالي تم لاحقاً تطوير المصالح الحيوية والمناطق الحيوية ذات الارتباط المباشر بمفهومي الأمن القومي والمصلحة القومية، فعلى سبيل المثال، تعتبر الحكومة الأمريكية ضمان استمرار تدفق بترول الخليج العربي للدول الغربية جزءاً من المصالح الحيوية كما تعتبر منطقة الشرق الأوسط بمواردها الطبيعية ومكانتها الإستراتيجية واحدة من المناطق الحيوية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة القومية.

يتحول التعاون بين البلدين من تعاون بعيد المدى، مبني على إملاءات المصالح المشتركة، إلى تعاون قصير المدى مبني على عمليات آنية وسريعة لتبادل المنافع أو “تعاملات ساخرة ومتشائمة حالة بحالة”، كما يصفها تشاس فريمان، ويمثل الدور السعودي مؤخرًا مؤشرًا قويًّا على هذا المستوى الجديد.

كل ذلك أسهم في زيادة الحاجة إلى تأطير العلاقة بين الدولة التي تملك أكبر احتياطي نفط في العالم والدولة التي تعتبر أكبر قوة عسكرية في العالم.

ويبدو أن العلاقة بين السعوديين والأمريكيين القائمة على تبادل النفط مقابل الأسلحة والحماية، قد طرأت عليها الكثير من التغييرات.

حيث أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى استيراد الكثير من النفط، مما جعلها تعيد التفكير في علاقتها بنظام “بات الدفاع عنه أكثر صعوبة” بسبب صورته وطبيعته وسلوكه، والمسؤولية غير الواضحة عن هجمات 11 سبتمبر والحرب غير المبررة في اليمن، فضلا عن قضية اغتيال جمال خاشقجي في السفارة السعودية في تركيا كافية للتخلي عن السعودية، علما بأن التعطش للنفط هو الذي جعل واشنطن تتغاضى عن كل ذلك في المقام الأول.

سعت الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الأخيرة إلى التدخل في الشؤون الداخلية للملكة العربية السعودية، مما أثار حفيظة النظام الملكي فيها، وكانت القضايا التي حاولت الحكومة الأمريكية التأثير فيها، مسألة حقوق الإنسان والأقليات، والمناهج الدراسية، وتمويل الجمعيات الخيرية، وبعض القضايا الداخلية الأخرى، هذه التدخلات كانت علنية مما أثار قضية السيادة ومن يتخذ القرار الحقيقي في البلاد، إلا أن الولايات المتحدة خفضت من مستوى تدخلها، وتراجعت عن التدخل الصريح والواضح، الذي قد يشكل حرجاً وخطراً على الأسرة الحاكمة في المملكة، وأفسحت الفرصة للنظام لقمع الحريات وحقوق المواطنين للحفاظ على مصالحها، وتنازلت عن القيم من أجل المصالح.

إن وجود هذه التحديات أمر طبيعي في العلاقات ما بين الدول، وان يكون لهذه التحديات تأثير إما سلبياً أو إيجابياً على العلاقة ما بين الدولتين أمر وارد، والحالة التي تمت مناقشتها ليست بعيدة عن هذا التصور، إلا أن قوة تأثير المصالح المتبادلة ما بين الحكومتين الأمريكية والسعودية أهم بكثير من تلك التحديات، لذا وجب على الطرفين التمسك بالمصالح، وإهمال نقاط الخلاف وتركها للحل لاحقاً، وبالضرورة هذا لا يعني صفاء كاملا في العلاقة الأمريكية – السعودية، ولكن السياسة الخارجية لكلتي الدولتين، مهتمة بتنفيذ وحماية تلك العلاقة القائمة على أساس المصالح الإستراتيجية المتبادلة بين الطرفين.

كلمات دلالية