في ذكرى نكبة شعب فلسطين..بقلم: أ. محمد حميد (أبو الحسن)

الساعة 09:42 ص|12 مايو 2020

فلسطين اليوم

كانت حياة كبار الملاك والفلاحين الفلسطينيين مقتصرةً على زراعة أراضيهم ومتابعتها، فيقضون أوقاتهم ما بين رعاية الأشجار المثمرة وزراعة الخضروات الموسمية، وكان اقتصاد القرية معتمداً على تلك المزروعات الموسمية والفصلية. أما المدن فقد كانت تعتمد على بعض الصناعات البسيطة كالنسيج والفخار وبعض المصنوعات الخشبية، إضافة إلى صيد الأسماك في المدن الساحلية، وأبرزها مدينة يافا التي يتميز مينائها البحري بنشاط تجاري كبير في حينه، هذه المدينة التي عُدت عروس البحر الأبيض المتوسط وكانت تشكل أهم ميناءٍ في الشرق الإسلامي في حينه.

هذا المزيج الفريد بين البساطة القروية والأصالة المدنية تحطم في لحظة غفلة وفقدانٍ للتركيز والبوصلة، وغيابٍ كامل للهوية والثقافة العربية والإسلامية، واختلاط كثيرٍ من المفاهيم ما بين التغريب والتنظير للاستعمار بحسن الظن، أو الدعوة إلى الخيانة والتواطؤ والتحالف مع العدو في حالة سوء الظن، فسقطت قياداتٌ عربية عامةٌ ومحليةٌ وازنة في أثير هذه الدعوات، بينما أساء بعضها الآخر قراءة ما يحدث في المنطقة من صعودٍ لقوىً عالميةٍ وسقوطٍ لأخرى عقب انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. فاستغلت أوروبا المنتصرة حالة التشتت الفكري والسياسي للعالم العربي وحاولت أن تكفر خطيئة التنكيل المزعوم باليهود الذي ارتكبته أوروبا المهزومة بدفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين التي لا يملكون فيها قطميراً.

وتحالفت الحركة الصهيونية المتوحشة مع قطعان اليهود الذين كانوا في حاجةٍ لمثل هذه الثنائية القذرة والعنصرية والمتعصبة اللازمة لاحتلال فلسطين، فعملت على خلق وقائع صهيونية في أرض فلسطين مستغلةً حالة الجهل وغياب التعليم التي كان يعاني منها كثيرٌ من سكان فلسطين، وكذلك كان للتسهيلات المهولة التي قدمها الاحتلال الإنجليزي لليهود في فلسطين والدور الخبيث للمندوب السامي البريطاني على فلسطين، والتي استمرت حتى اندلاع حرب 1948 بين الجيوش العربية وجيش المستوطنين الجدد وعصاباتها المسلحة في ظل تآمر غربي كبير على فلسطين والفلسطينيين ما أدى إلى صدور قرار تقسيم فلسطين (181) ولاحقاً إعلان قيام دولة العدو (إسرائيل) على حساب آلاف سكان فلسطين الأصليين الذين تقطعت بهم السبل في المخيمات والشتات، في ظل تسابقٍ عالمي على الاعتراف بهذا الكيان الخبيث.

يبلغ عدد سكان الشعب الفلسطيني حالياً 12 مليون نسمة نصفهم يقيم داخل فلسطين التاريخية والنصف الآخر متفرقون في الدول العربية المحيطة بفلسطين. حيث يقول الخبير الفلسطيني سليمان أبو ستة أن الفاصل بين أماكن تواجدهم الحالية والقرى والمدن التي هجروا منها مسافةٌ قصيرة لا تزيد على عشرين دقيقة إلى الأمر الذي يجعلهم يبصرون أرضهم المسلوبة بالعين المجردة، تداعب خواطرهم الأفق أن طريق العودة لن يجاوز ساعةً مشياً على الأقدام، وهذا يعني أن فلسطين التاريخية لا تزال حاضرةً في قلوب الفلسطينيين، وأن حق العودة لا غنىً عنه حتى لو استغرق الطريق إليه عقوداً من الزمان.

إننا في هذه المناسبة المؤلمة على قلوبنا نقول أن جوهر الصراع في فلسطين متمثلٌ في قضية اللاجئين، وأن القضية الفلسطينية ستبقى جرحاً مفتوحاً طالما لم يعد اللاجئون إلى أراضيهم وممتلكاتهم فحق العودة حقٌ أصيلٌ ومقدسٌ لا يسقط بالتقادم ولا يستطيع أياً كان التنازل عنه أو التفريط فيه لا بمفاوضات ولا غير ذلك من المسميات التجميلية، فمن منا يستسيغ التنازل عن أرضه بيته وممتلكاته، لذا يأمل جيلنا أن يكون مع صفوف العائدين والفاتحين بإذن الله، ويزداد الأمل في عيون الأجيال القادمة في ظل تقهقر المشروع الصهيوني بالمنطقة على أيدي المقاومة ومحورها الذي يسجل بصموده وتضحياته نقاطاً متتاليةً في معركته مع العدو رغم الحصار والتضييق الذي يمارس على دول محور المقاومة وكذلك على المقاومة في فلسطين.

حق العودة يفترض أن يكون مكفولاً في القوانين والشِرِع الدولية، لم يجد له سبيلاً في أطر الدبلوماسية المُدعاة، ليرسخ أمراً مفاده أن الأخذ بحق القتال والدفع هو السبيل الوحيد إلى هذا الحق، فصراعنا مع هذا العدو والقوى الظالمة الداعمة له، ومشكلتنا متعلقةٌ بوجوده، ومعركتنا الفاصلة معه ليست ببعيدة.، سنحتفظ بحق المقاومة حتى يتحقق حلمنا بالعودة والقصاص العادل في هذا العدو وكل من ساهم معه في مأساة شعبنا، وما ذلك على الله بعزيز.