الأزمة ليست صحية والجيش لا يملك حلاً .. بقلم: عاموس هرئيل

الساعة 12:08 ص|16 ابريل 2020

فلسطين اليوم

الأزمة ليست صحية والجيش لا يملك حلاً

… هكذا يهدد “كورونا” الأمن القومي لإسرائيل

في مقالات علمية نشرت في وسائل الإعلام والاستوديوهات وحتى في رسالة سرية وجدت طريقها بطريقة معينة إلى وسائل الإعلام، تظهر دعوة “اسمحوا للجيش بأن ينتصر”. فقط الجيش يمكنه هزيمة كورونا، لذلك يجب نقل المسؤولية الكاملة إليه لمواجهة الفيروس.

هذا بالتأكيد رأي وزير الدفاع نفتالي بينيت الذي امتدت ولايته لأكثر مما تم توقعه في أعقاب صعوبات في المفاوضات بين الليكود و”أزرق أبيض”. تبدو قيادة الجبهة الداخلية أقل تحمساً لقيادة المعركة. وبالنسبة لرئيس الاأكان افيف كوخافي فإن موقفه طرح في رسالة سرية لرئيس الحكومة ووزير الدفاع، ولكن كثيرين في الجيش يعتقدون أن الأمر لا يعدو كونه بروتوكولاً. الجيش الاسرائيلي اقترح، أما الآن فالموضوع أمام المستوى السياسي الذي لم يستجب لذلك.

ثمة أمران واضحان: الأول، لو ما زال نتنياهو وزيراً للدفاع لتحملت المزيد من المسؤولية بواسطة سلطة الطوارئ الوطنية التي صادق نتنياهو قبل سنتين تقريباً على تقليص صلاحياتها. والثاني هو طالما ظل بينيت يجلس في مكتب وزير الدفاع فهذه خطوة لن تحدث بأي شكل من الأشكال بسبب العداء بينه وبين رئيس الحكومة.

لا يقتنع الجميع بأن هذا هو الخطوة المناسبة لاتخاذها. شخص شغل عدة مناصب رفيعة في جهاز الأمن قال أمس للصحيفة بأن طلب نقل المسؤولية لوزارة الدفاع والجيش هو خاطئ من أساسه. “هناك فجوات وعقبات في إدارة الأزمة، لكن لن يتم إصلاحها بمقاربة كهذه. المشكلات معروفة: توجد فجوة في المعلومات ومراقبة المرض، بسبب مفهوم غير صحيح وقدرت معيبة لوزارة الصحة أدت إلى تأخير زيادة عدد الفحوصات. اعتبر الفيروس موضوعاً صحياً وليس مشكلة أمن القومي، لهذا يدار علاجه وفقاً لذلك بدون سياسة تفضيلية توازن بين الاعتبارات المختلفة. وكل هذا الحدث يواجه نظام قيادة معيباً. هذا مختلف عن وضع الحرب الذي يعرف فيه الكابنت كيفية العمل بصورة منظمة مع جهاز الأمن ومع الجهات الخاضعة له”.

وحسب قول هذا المصدر، فثمة شيء آخر يحدث في الأزمة الحالية. ينقص جسم يعرف كيفية العمل مثل الجيش في زمن الحرب: التفكير والتخطيط وإصدار الأوامر والإشراف والرقابة والتحقيق والتعلم. ففي الجيش هناك إجراءات منظمة لإدارة الأخطار، والسيناريوهات، والبدائل، والانضباط ومعان استراتيجية. هذه نظرية كاملة تم تطبيقها. أما في الأزمة الصحية التي لم نشهد لها مثيلاً فثمة فوضى – دخل الفراغ عدد غير قليل من المخادعين.

“رؤية الأزمة على أنها صحية أمر خاطئ، فتداعيات كورونا تهدد الأمن القومي بالمعنى الواسع. الفيروس يؤثر على الاقتصاد والعلاقات الخارجية والوضع الأمني والقيم الأساسية”.

ويقول هذا المصدر إن الحل ليس في إلقاء المهمة على الجيش: “للجيش أفضليات في الشراء والأعمال اللوجستية والسيطرة والرقابة وتشغيل عدد كبير من القوة البشرية. عليه الاستعداد لتحمل المسؤولية عن كل الأزمة لو كان الوضع سيتدهور إلى كارثة، لكننا لسنا هناك. الجيش الإسرائيلي مدرب على تولي المسؤولية في حالتين: وضع خاص بالجبهة الداخلية مثل الحرب التي تتضمن إطلاق واسع للصواريخ أو كوارث طبيعية.

“في العام 2017 تدرب الجيش على سيناريو سمي “قفص صيفي” – هزة أرضية هدم فيها 200 ألف منزل ومبنى. وقتل 7 آلاف شخص ونحو 100 شخص أصيبوا. ونحو 300 ألف شخص أصبحوا لاجئين. أزمة كورونا بعيدة عن كارثة كهذه. تكبدنا أكثر من 100 حالة وفاة وبضع مئات من المصابين في وضع طفيف وخطير. هذا بصعوبة 1 – 2 في المئة من السيناريو الذي استعدوا له”.

يوجد سيناريو متطرف سنصل بحسبه إلى هذا الوضع بعد نحو شهرين بسبب تفشي الفيروس. نقل المسؤولية الى الجيش الآن سيكون رداً راديكالياً على واقع غير صعب بدرجة كبيرة. ثمة هستيريا تنبع من ترتيب معيب بين الجهات المختلفة، بدءاً من عدم الاستعداد الكافي، رغم التحذيرات الواضحة والفورية التي قدمها لنا انتشار كورونا في الصين في كانون الثاني الماضي، وتحكم سيناريوهات الرعب الخاصة بوزارة الصحة. لا أستخف بقوة الأزمة، لكن الحل ليس بيد الجيش. وأقترح على الجميع شرب الماء: السيناريو الخطير حقاً لم يتحقق بعد.

“المشكلة الرئيسية هي أن مجلس الأمن القومي غير مبني لإدارة هذه الأزمة، ووزارة الصحة مناسبة فقط لإدارة المجال المهني. مجلس الأمن القومي، بتركيبته الآن، لا يعتبر جسماً عملياً. الجيش الإسرائيلي في الحرب يعمل حسب بروتوكول منظم. ورئيس الأركان دخل إلى تقدير وضع بعد الظهر، وهو يعرف أي قرارات حاسمة عليه أن يتخذها. هنا رئيس الحكومة ينزلق الى قرارات للمصادقة على هبوط رحلة طيران من نيويورك وعلى سياسة الإغلاق في شوارع “بني براك” بدل التركيز على رسم سياسة شاملة. المشكلة هي أن هناك ضغوطاً سياسية، تجعل رئيس الحكومة يتراجع عن جزء منها بعد أن يتخذ قرارات معقولة.

“عدد من الوزراء غابوا عن الصورة، وليس لوزارة المالية قوة حقيقية لمواجهة وزارة الصحة. والحل الصحيح هو زيادة كبيرة لعضلات هيئة الأمن القومي وتحويلها إلى جسم عملي، وإلى مركز إدارة أزمات وطني، وعلى الجيش أن يضع قدراته تحت تصرفها دون أن يتولى المسؤولية بنفسه.

“الجمهور الإسرائيلي منضبط وشجاع. قبل شهر تقريباً عندما قال رئيس الحكومة بأنه يجب الحفاظ على بعد اجتماعي وعلى  كبار السن البقاء في البيوت، استجاب الناس. وليس صدفة أن عدد الوفيات لدينا أقل مما في دول أوروبا التي لم تتعامل من البداية مع الفيروس بجدية كافية.

حلول من الأكاديميا

في الوقت الذي تجد فيه الوزارات صعوبة في بلورة السياسات، تبرز المساهمة المؤثرة للمجتمع العلمي والتكنولوجي في مكافحة كورونا. عدد الفحوصات اليومية لاكتشاف كورونا بقي عقب أخيل، ولكن ليس بسبب العلماء، بل لصعوبات التزود بالمعدات (عدد من المواد المطلوبة للفحوصات) وأسباب لوجستية (فوضى في إدارة سلسلة الفحوصات) وأسباب تنظيمية (رد بطيء لوزارة الصحة).

 أمس أعلنت الجامعة العبرية عن اختراقة توصل إليها عدد من الباحثين برئاسة البروفيسور نير فريدمان والدكتور نعامي حبيب والبروفيسورة دانا وولف (من مستشفى هداسا) والبروفيسور يوفال دور. الطريقة الجديدة توصف بأنها أرخص وأسرع، وستوفر الاعتماد على توفير مواد من شركات تجارية في العالم. حتى الآن أجري في الجامعة وفي هداسا نحو 20 ألف فحص. الطريقة الجديدة قد توفر فحصاً موازياً لـنحو 15 ألف شخص.

 البروفيسورة دينا بن يهودا، عميدة كلية الطب في الجامعة العبرية، قالت للصحيفة: “حلول مواجهة الفيروس ستأتي من الأكاديميا، من خلاف الفحوصات والتطعيم والأدوية. تحدث عملية عالمية جيدة تتعاون فيها الجامعات في البلاد والخارج، ففي البلاد قوة علمية عظيمة تجندها لمكافحة الفيروس”.

 الفحوصات اجتازت مصادقة وزارة الصحة. وفي المقابل، ما زالت بطيئة محاولة ترجمتها إلى فحوصات للعينات بحيث تمكن من متابعة أوسع لمجموعات سكانية حتى بدون أن تظهر أعراض للفيروس.

كان يجب إجراء استطلاع للعينات يتم في إطاره فحص 1500 شخص من سكان “بني براك” بمساعدة مختبرات في معهد وايزمن، الذي يفترض أن تنضم إليه لاحقاً مختبرات الجامعة العبرية ومستشفى هداسا. أُجل الاستطلاع في اللحظة الأخيرة، وسبب ذلك خلاف بين وزارة الصحة ومعهد “وايزمن” على طبيعة الفحوصات (عدد منها كان يجب أن ينفذ بطريقة بديلة). ورداً على ذلك، فقد جاء من وزارة الصحة بأنه لم يتم الاتفاق بعد على طبيعة إجراء الاستطلاع، “ولكن من ناحيتنا من المهم أن ينفذ”.