خبر غزاويون: نشم رائحة الدجاج بدلا من أكله

الساعة 11:01 ص|18 فبراير 2009

شيماء مصطفى

جلس الحاج أبو محمد حرز بوجهٍ واجم.. يراقب دجاجات ساكنة في أقفاصها تنظر للمارة في الذهاب والإياب، وصيحاتها تملأ المكان، وكأنها تعلن فرحتها بأنها لن تُقدم كوجبات ساخنة بعد اليوم، ولن تصبح مأدبة فاخرة على الموائد، فأسعارها تُلوح عاليا في السماء، وباتت نادرة الوجود على الأرض.

وبوجهٍ يملؤه السخط قال أبو محمد صاحب متجر للدجاج لـ"إسلام أون لاين": "فقدت جميع زبائني سواء من ميسوري الحال أو المتعثرين منهم.. أشعر وكأن الناس تخاف السؤال عن سعر الدجاج، فما بالكم بشرائها؟!! وعيونهم تكتفي بمراقبة الدجاج من بعيد".

 

أما إبراهيم السوافيري فوقف حائرا أمام متجره الخالي من الدجاج، وأشار بغضب: "متجري الذي كان يعج بكافة أصناف الطيور أصبح خاليا، ولا يوجد به شيء يُذكر.. لا أعرف ماذا أفعل؟! هل أقفله وأصبح عاطلا عن العمل؟!، وإن أقفلته من أين سأطعم أطفالي".

 

اشتقنا لرائحته

مُهند صاحب الأربعة أعوام أخذ يقنع والده بشراء الدجاج الذي اشتاق لمذاقه الشهي ورائحته الأخاذة.. والده لم يفلح في إقناع عقله الصغير أنه غالي الثمن ولا يستطيع أن يشتري له ولو قطعة صغيرة.. إلا أن دموعه لم تأبه بأي عُذرٍ يُقال.

 

"نسمة" لم تفلح في إقناع والدتها بتجهيز طبق من الدجاج المشوي هذا الأسبوع، بحجة أنه غالي الثمن، وثمن الدجاجة الواحدة يكفي أسرتهم لثلاثة أيام وبحنق وأسف قالت: "نسيت طعم الدجاج ومذاقه، ويبدو أنني سأنسى شكله أيضا.. ولا أدري إن كان له جناحان أو أنهما تقلصا هذه الأيام".

 

وبسخرية أضافت: "سأطلب من والدي أن يأخذني لمتجر الدجاج ليس لشرائه، ولكن لأخذ صورة بجواره؛ لتبقى ذكرى على مدار الأيام".

 

ومنذ أسابيع توقف غالبية المواطنين في قطاع غزة عن شراء بروتين الدواجن المفقود لتضاعف ثمنه بشكل سريع؛ حيث بلغ سعر الكيلو 25 شيكلا (6 دولارات)؛ بسبب إقلاع أصحاب مزارع الدواجن عن تربيتها لعدم وجود الغاز اللازم لتدفئة الدواجن، والذي بدونه ينفق الدجاج. وكميات الغاز القليلة التي تسمح إسرائيل بدخولها إلى قطاع غزة يتم تخصيصها للمستشفيات وللمنازل.

 

خسائرنا تفاقمت

 

"أزمة تتلوها أخرى.. ومصيبة تتبعها واحدة أشد منها.. قلوبنا ما عادت تتحمل.." بتلك العبارات الساخطة بدأ الحاج أبو ضياء صاحب أحد محلات بيع الدجاج وسط مدينة غزة حديثه لـ" إسلام أون لاين".

 

وبحسرة أضاف: "منذ أسابيع لم يقترب مشتر من متجري.. الطلب على الدجاج قليل جدا.. ومرور الزبائن بالقرب مني من النوادر".

 

والتقط طرف الحديث صاحب المتجر الذي يجاوره أبو معتز ضاربا كفا بكف، متأسفا على ما آلت إليه الأحوال: "خسائرنا في هذه الأيام تفاقمت والأوضاع من سيء إلى أسوأ.. لم يعد الناس يشترون الدواجن واللحوم.. ولا ندري ماذا سنفعل بها؟؟ هل نتلفها أم نوزعها على الناس مجانا، وفي الحالتين سنتكبد خسائر كبيرة.. وها نحن توقفنا عن شرائها من المزارع فهي باهظة الثمن وأسعارها في العالي".

 

أبو ثائر أب لسبعة أطفال قال: "بت أخشى على أطفالي من الإصابة بأمراض سوء التغذية وفقر الدم.. فلا لحوم أو دجاج.. والبيض سعره ثلاثة أضعاف.. لا نأكل سوى الخضروات والبقوليات رغم سعرها المرتفع، وأصبحنا نخشى من فقدناها في الأيام القادمة".

 

وعلامات الضيق على وجهه قال كمال القطاع: "أطفالي لا يريدون سوى دجاج، ولا أدري من أين أحصل على دجاج رخيص الثمن.. ولا يكفي أسرتي أقل من 4 كيلوات، فيلزمني 24 دولارا لأشتريه؛ أي مصروف يومين".

 

أما رفيقه إبراهيم فقال: "مأدبة طعام واحدة تكلفني ثلاثة أيام عمل متواصل.. ماذا بها البقوليات والخضروات المجمدة؟؟.. سنأكلها ونُسكت أطفالنا بأي شيء.. تلك هي حياتنا ولا نستطيع تغيريها، وسنقبل بها كيفما كانت".

 

وللمطاعم نصيب

 

وفي تفسيره لارتفاع أسعار الدجاج يقول الحاج زكي جعرور صاحب مزرعة للدواجن قصفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة التي شنتها على قطاع غزة، إن من أهم أسباب ارتفاع أسعار الدجاج بشكل عال هو تدمير قوات الاحتلال لأكثر من 20 مزرعة للدجاج في القطاع، مما أدى إلى قتل الآلاف من الدجاج والصيصان، وتسبب في نقص حاد في الدواجن عمل على ارتفاع أسعارها بشكل جنوني.

 

ولفت جعرور إلى أن ارتفاع الأسعار أدى إلى إغلاق الكثير من متاجر بيع الدجاج وعدم تربيتها، وتحويل مزارعهم إلى حقول وبساتين، في حين أن البعض الآخر بدا في حيرة من أمره، فقد أعلن إفلاسه من جهة، وأصبحت مزرعته أرضا مليئة بالحفر، وهو غير قادر على استثمارها.

 

وغالبا ما يتم بناء مزارع الدجاج في الأماكن الزراعية الحدودية بالقرب من الشريط الحدودي الفاصل بين القطاع وإسرائيل، وتعرضت هذه المناطق للاجتياح والقصف المتكرر في الآونة الأخيرة.

 

ولم تقتصر الخسائر على المزارع وأصحاب متاجر الدجاج فقط، بل امتدت لتصل المطاعم وأصحاب محلات الوجبات السريعة التي تتزكر في وجباتها على الدجاج.

 

خالد أحد العاملين في مطعم العافية وسط مدينة غزة قال : "منذ أسابيع لم نستطع تحضير أغلب الوجبات السريعة؛ بسبب غلاء أسعار الدجاج ونفادها من الأسواق.. وأمام هذا الوضع اضطررنا لرفع ثمن الوجبات، فبات المطعم خاليا من الرواد والزبائن".