خبر الاندبندنت: « إسرائيل محاصرة » والخيارات تضيق أمامها و "فرص السلام بعيدة جدا

الساعة 06:32 م|16 فبراير 2009

فلسطين اليوم-قسم المتابعة

نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية اليوم مقالا للمحلل الصحافي بروس أندرسون يقول فيه انه في الوقت الذي ينشغل فيه الغرب بأزمة، فان هناك كارثة بدأت تتكشف. فالنظام المالي العالمي سيستعيد عافيته. "اما في ما يتعلق بمسيرة السلام الاسرائيلية الفلسطينية فليس هناك تفاؤل مماثل، وليس واضحا ما اذا كانت هناك حقا مسيرة في هذا السبيل ام لا. وبدون مثل هذه المسيرة فان السلام لن يتحقق: انها تسوية ابعد ما تكون اليوم عنها في اي وقت منذ العام 1967. ويبدو ان اسرائيل تركز على السير في طريق تؤدي الى دمارها في نهاية المطاف". ويضيف: "الطريقة التي تتكشف فيها الاحداث توحي بأن ادولف هتلر حقق مبتغاه بعد الوفاة. ذلك انه بعد تهاوي الاتحاد السوفياتي، فان اخر ما خلقته الحرب العالمية الثانية من سموم سيختفي من مجرى الحياة الاوروبية. ولكن ليس من مجرى حياة الشرق الاوسط. ويسهل ادراك السبب في قيام الاسرائيليين بما قاموا به. فمعاناة الاسرائيليين في المحرقة على ايدي شعب خرج من بين طياته بيتهوفن وغوثه وموزارت، يجعل المرء يفقد الثقة في نزعة الجنس البشري نحو الخير: ويفقد الثقة في كل شيء الا في جنوده واسلحته.

 

يضيف الكاتب: كما يسهل بالقدر ذاته ادراك سبب قيام الفلسطينيين برد الفعل الذي قاموا به. فالذين اجبروا على الذهاب الى المنفى وخيام اللجوء لا يشعرون بمشاعر طيبة تجاه الذين اضطهدوهم. وهم لا يتحملون اي ذنب في حدوث المحرقة النازية. وفي غمرة موجة غضب يمكن ادراك اسبابها،عمد بعض الفلسطينيين الى ترديد شعارات تحمل في طياتها رنين النازية. وكان ذلك عملا خاطئا. اذ ان الامر اثار حفيظة الاسرائيليين. وخلص الكثير من الاسرائيليين الى التمسك بالقول انهم كانوا هنا (في فلسطين) من قبل. ولن نسمح لاحد ان يسوقنا الى المذبح مثل الماشية. وفي هذه المرة سنلجأ الى الانتقام قبل كل شيء آخر.

 

وبسب الظروف التي انشئت فيها دولتهم العبرية، فان معظم الاسرائيليين يعتقدون ان لهم حاجتين وجوديتين وحقين. انهم يريدون ان يستمتعوا بالامن ويصرون على ان تعترف الدول المجاورة بحقهم في ذلك. وهو امر لا يبدو انه غير معقول. بل هو كذلك. فذلك لا ينجح في افضل امتحان للمعقولية السياسية. انه غير واقي.

 

غير ان هذا لا يعني ان على الاسرائيليين ان يعيشوا في ملاجئ وتحت مخاطر مستمرة باطلاق القذائف عليهم. غير انهم هم الذين اختاروا العيش في جيرة خطرة، ولذا فانه لا بد من تنازلات. وبدلا من أوهام الامن المطلق بفرض سلام مذل على المسحوقين من المعارضين، فان على اسرائيل ان تدرك الحاجة الى اسلوب حياة بين النقيضين.

 

وحسب الكاتب فإن الإسرائيليين يشعرون بالاعتزاز بما حققوه على مدى 60 عاما، وهم على حق في ذلك. الا ان اللوم يطال معظمهم للفشل الذريع في الحساسية المعنوية التي تؤدي الى حكم خاطئ استراتيجيا ذريع بالقدر ذاته. فهم لا يدركون ان الامن يظل دوما عرضة للتهديد من مآساة يعاني منها جيرانهم. وفوق هذا كله، فان زعماءهم لا يملكون الحكمة السياسية والشجاعة المعنوية للكشف امام الاسرائيليين عن شيء يحتمل انهم يعرفون في ضميرهم: وهو انه من اجل الوصول الى سلام فانه لا بد لهم من القبول بالمجازفة.

 

وأول عمل في الكارثة الحالية بدأ في العام 1967، بعد حرب رمضان. فاسرائيل الصغيرة الجريئة اصبحت سيدة المعركة. اذ انها استولت على مناطق واسعة من الاراضي العربية. ولم يلبث حتى اولئك الذين لم تكن لديهم مشاعر مؤيده تجاه دولة اسرائيل في بدء التمييز بين حدود ما قبل 67 والاحتلال في العام 1967. واصبحت اسرائيل تمسك بيدها اوراقا هائلة استراتيجيا ومعنويا. وليس هناك ما هو افضل من لحظة "الانتصار، والعظمة".

 

ويرى كاتب المقال أنه كان ينبغي على اسرائيل ان تعلن انها على العكس تقريبا من اي منتصر عسكري سابق لم تكن تسعى الى مكاسب اقليمية وان هدفيها الحربيين الوحيدين هما تحقيق السلام والعدالة. ومن اجل ضمان هذين الهدفين كان عليها ان تعلن انها مستعدة لمبادلة ما كسبته في الحرب، بإستثناء الاماكن المقدسة في القدس القديمة. وعلى مثل هذا الاساس وبدعم دولي هائل، كان بالامكان التوصل الى صفقة. لكن كانت هناك مشكلات اذ ان اسرائيل ما قبل العام 1967 كان عرضها عند اضيق نقطة 12 ميلا. وكان بوسع اندفاع للدبابات من الضفة الغربية ان يقسم البلاد الى قسمين. وعلى رغم انه لا يمكن لوم الجنرالات على عدم التنبؤ بحقبة الحرب غير المتناسقة التي لا يحدث فيها اندفاع للدبابات الا في حروب السينما، فإن اصرارهم على جعل الضفة الغربية منزوعة السلاح عقد الامور. اذ برز عندئذ اغراء شبيه بالافعى في جنة عدن.

 

تضيف الصحيفة: كانت اسرائيل تفتقر الى الارض وبدا قسم كبير من الضفة الغربية مسكوناً برعوات من الماعز كما بدت جذابة المناظر وفقيرة وغير منتجة. وكانت الزراعة الاسرائيلية ستجعل المكان يفيض عما قريب بالحليب والعسل، بينما يقوم معماريون اسرائيليون ببناء منازل جديدة للسكان المتزايدي العدد. وهكذا بدأت المستوطنات. وكان الدين وراء حفز الاغراء لإستعمار الاراضي المحتلة. فبموجب اعلان (وعد) يهوا، السابق نوعا ما لوعد بلفور، والاوسع نطاقا نوعا ما، قيل إن اسرائيل تشمل الضفة الغربية. واكلت اسرائيل التفاحة.

 

ولكي تكون ارض اسرائيل ما قبل 1967 آمنة-بنظر الصحيفة- فلا بد من إخلاء معظم المستوطنات حتى يمكن لدولة فلسطينية قابلة للبقاء ان تدخل حيز الوجود. لكن توليد الارادة السياسية اللازمة لذلك في اسرائيل كان سيظل، عمليا، امراً مستحيلاً دائماً. وقد ازالت نتائج انتخابات الاسبوع الماضي كلمة "عمليا".

 

وحتى لو ارادت الحكومة الاسرائيلية الجديدة، وهي لا تريد، ان تحقق تقدما نحو دولة فلسطينية فإن هذا يبدو امرا غير مرجح. وبسبب جمود نظام الانتخاب النسبي في اسرائيل، فإنها ستظل محكومة بأن يكون لها حكومات ضعيفة تبتزها الاحزاب المتطرفة. ولن يكون لضرورة التوصل الى سلام عادل مع الفلسطينيين اي وزن ضاغط في المسرح الاسرائيلي.

 

وترى الصحيفة أن دولة فلسطينية مزدهرة ليس من شأنها ان تضمن سلامة اسرائيل اذ ان بعض الشبان سيظلون تحت اغراء التعصب والعنف. ولكن ادارة المشكلة ستكون اهون. ولو كان لمعظم الفلسطينيين نصيب في مستقبل زاهر، لكان عدد مفجري القنابل الانتحاريين اقل بكثير – وقد كان جنرالات اسرائيل القدماء من مرحلة العام 1967 محقين في نقطة واحدة. اذ ان بلادهم صغيرة. ومن شأن اول مفجر انتحاري يستخدم سلاح دمار شامل ان يسبب ضررا فادحا.

 

على مر السنين اثبتت اسرائيل-حسب الكاتب البريطاني- انها تستطيع التعامل مع التهديدات التقليدية. وهي مثل بقيتنا، تدرس الآن كيفية التعامل مع الارهاب والحرب غير المتناسقة. ومن شأن الرأي العام الاسرائيلي ان يرفض بغضب اي اجوبة تفوح منها رائحة الاسترضاء لكن وجود دولة فلسطينية هو مسألة عدالة وليس مسألة استرضاء. وهناك بدائل. اذ بوسع اسرائيل ان تتخلى عن التظاهر بحل على اساس دولتين وان تعرض على الفلسطينيين الجنسية الاسرائيلية: اي نهاية الدولة اليهودية. او يمكنها ان تجرب التطهير العرقي: بدفع الفلسطينيين نحو الاردن. وسيكون هذا نهاية الدولة اليهودية ككيان أخلاقي.

 

ويختم الكاتب: اذا افترضنا ان البديلين غير مقبولين، فليس هناك سوى العدالة او الورطة المستمرة ووجود شعب فلسطيني متجهم وكاره ينتظر لحظة الغليان. وهذا، مع الاسف، امر اكيد، ومن يدري الى اين ستمتد السنة اللهب؟ ان اسرائيل مكان رائع ذو مناظر طبيعية جميلة وحافل بالنشاط الثقافي وبكثير من الجدل السياسي. وقد برز هذا البلد من خلال مأساة، وسيكون مما يعتصر القلوب ان تنتهي رحلتها البطولية بمأساة. ومع ذلك فإن هذه النتيجة هي الارجح، وهي ستكون غلطة اسرائيل.