وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.. كتب الاستاذ محمد حميد

الساعة 12:16 م|27 فبراير 2020

فلسطين اليوم

لقد صدق أبو فراس الحمداني حينما أنشد يقول:" وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر"، كم كان صادقاً في وصفه حينما غيَّب ظلامُ المرض الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين د. رمضان شلح "أبو عبد الله" الذي حمل راية هذا المشروع الجهادي المبارك كما حمل جعفر بن أبي طالبٍ –رضي الله عنه- راية المسلمين في مؤتة بعد أن استشهد عاقد المسير و المفكر الاستثنائي الأول الذي جمع بين الفكر والمقاومة د. فتحي الشقاقي "أبو إبراهيم" حيث ظن العدو أن اغتياله سيطفئ نور الجهاد والمقاومة والعمل النوعي والضربات المؤلمة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره بتقلد د. أبو عبد الله زمام القيادة ليكون خير خلفٍ لخير سلف، لتعطي هذه الضربة للحركة مزيداً من الحيوية والديناميكية و التأقلم الذي انعكس في ازدياد قوتها وحضورها وتواجدها في كل ذرة من ذرات التراب الفلسطيني، ولعل لدماء الشهيد المفكر د. أبو إبراهيم التي سالت في مالطا بركةٌ ناتجة عن الأجر والنور الذي يحظاه الشهداء. فتفجرت فلسطين عيوناً من الدماء والتضحية والفداء والجهاد كما انفجرت لموسى –عليه السلام- الأرض عيوناً تُرى في جميع أزقة المخيمات وشوارع المدن العريقة وأروقة القرى على امتداد هذه الأرض المباركة في القدس وفي قطاع غزة وفي جنين وفي طولكرم وجميع الثرى الفلسطيني الصامد. وامتدت الحركة جغرافياً على مستوى الحضور والتأثير في المعادلة الإقليمية فضلاً عن امتداد وترسيخ علاقتها الإقليمية مع محور المقاومة الذي يمثل الصوت الإسلامي الرافض للهيمنة الأمريكية الصهيونية على مقدرات وحريات الشعوب الثائرة. ونجحت الحركة في تسجيل حضورها المميز في إفشال مشروع أوسلو وسجلت حضوراً بارزاً في انتفاضة الأقصى وفي ثلاثة حروبٍ ضروسٍ تعرض لها قطاع غزة واستطاعت فيه أن تزعزع أسطورة الأمن الصهيونية وأن تخترق خطوط الاحتلال الحمر فكانت أول من قصف مدينة تل أبيب عام 2012.

اليوم نفتقد الأخ الأمين العام د. أبو عبد الله في موسم الهجرة إلى "إسرائيل" الكيان الغاصب مع الاعتذار إلى الأديب السوداني الطيب صالح، هذا الوقت الذي تكالبت الدنيا ببرها وفاجرها على فلسطين والفلسطينيين وجمعت فيه قريش القرن الحالي قضها وقضيضها بغية الإجهاز على هذه القضية المباركة ولتصفية البقية الباقية منها، بعد أن تنازلت سلطة الحكم الذاتي "أوسلو" عن %78 من أرض فلسطين التاريخية وقبلت بإقامة فتات دولة على ما يقارب 22% من التراب الفلسطيني وعقدت مع الاحتلال عدة اتفاقيات منبثقة عن إعلان مبادئ أوسلو المجحف ما بين اتفاقاتٍ أمنية مذلة وأخرى اقتصادية ربطت الاقتصاد الفلسطيني بدولة الاحتلال وأعاقت كل فرصة حقيقية للتقدم الاقتصادي الفلسطيني مستقبلاً.

الاحتلال لم يبقِ على أي سلامٍ سوى السلام الأمني الذي قلب الموازين ورهن حياة الفلسطيني ومقومات بقائه الأساسية بالأداء الأمني على الأرض فتبدلت الأولويات من القدس والأسرى واللاجئين والتراب الفلسطيني إلى أولويات وهمية ساهم في تفاقم الحاجة إليها العدوُ الصهيوني كحركة البضائع والأفراد على المعابر.

نستذكر د. أبو عبد الله ونفتقد تشخيصه المبكر والدقيق الذي كان يحذر من هذا السيناريو الاستعماري كلما أتيحت له الفرصة في المؤتمرات واللقاءات السياسية وعلى شاشات الفضائيات. لقد كرس د. أبو عبد الله عموده الأسبوعي بقلم محمد الفاتح للكتابة عن موبقات أوسلو ومشتقاتها التي لم تمكن المفاوض الفلسطيني الواهم سوى النظر إلى موضع نعليه واستطاع العدو من خلالها أن يجعل ثمن الاحتلال الذي يدفعه زهيداً بل بخساً دون مقابل حقيقي سوى الوهم والسراب والمماطلة والتسويف. وفي ضوء هذا الفشل المهين للرهانات الفلسطينية على مساعي السلام، تُوجت هذه الغطرسة الاستعمارية بإعداد صفقة العار بمشاركة المجرم ترمب لاستئصال القضية الفلسطينية بلا عودةٍ للاجئين وبتهويد القدس والاستيلاء والضم لمعظم أراضي الضفة الغربية، في ظل تواطئ وقبول ووقاحة عربية منقطعة النظير والتي تجاوزت مرحلة الصمت العاجز بالدعوة إلى دراسة هذه الخطة وتسويق العار باعتبارها خطة للازدهار في المنطقة بما تشمله من نسج علاقات دبلوماسية وتطبيعٍ كامل مع العدو.

ثقتنا بالله –تعالى-اولاً ثم بالأخ القائد أبو طارق النخالة الأمين العام الحالي للحركة وبقيادة سرايا القدس كبيرٌ بإفشال هذا الأمر والتصدي لتلك المؤامرات ببركة السلاح والمقاومة، فالكريم لا يقبل الضيم ولا يرضى بالهوان، فدماء الشهداء محمد الناعم وإخوانه التي سالت في معركة بأس الصادقين ودماء من قبله من الشهداء هي الكابوس الذي سيظل مسلطاً في وجه الاستكبار العالمي.

وفي ذات السياق، أتوجه بالتحية لكل قيادة وكوادر سرايا القدس، سيف الله المسلط على بني إسرائيل، وذات التحية إلى الإخوة في حركة المقاومة الإسلامية حماس الذين حولوا قطاع غزة من أرض للتنسيق الأمني إلى أرضٍ تحتضن المقاومة، وهي ذات تحية الجهاد إلى الإخوة في قيادة وكوادر كتائب القسام الذين حملوا مشروع المقاومة على أعناقهم وقدموا كل الدعم والمساندة المعنوية والفنية لإخوانهم في سرايا القدس من خلال الغرفة العسكرية المشتركة. ونقول لن تسقط الراية ولن تُطَأطأ الرؤوس وسيرد شعبنا الفلسطيني المرابط ومقاومته الباسلة على كل رصاصةٍ برصاصة وستبقى سيوفنا مشرعة في وجه العدو، وليفعل الله –سبحانه وتعالى- بنا ما يشاء.

كلمات دلالية