"إذا استئصلتها بموت".. الاحتلال يغتال النور في عيني الصياد الصعيدي

الساعة 06:47 م|19 فبراير 2020

فلسطين اليوم

-       كيف صورتي يا بابا، شو رأيك فيها؟

-       بتجنن يا حبيبتي ما أحلاكِ.

حوار صغير مليء بالغصة، يرويه الصياد الكفيف خضر الصعيدي بصوت عاجز متألمٍ عن موقف دائم الحدوث مع طفلته إيناس صاحبة السنوات الثلاث، التي تريد مشاركة والدها بجميع لحظاتها السعيدة، لكنها لم تعي بَعد حجم الوجع الذي يصاب والدها بسهامه من كلماتها الطفولية البريئة.

يتحسس رؤوس الأطفال الثلاثة ويضمهم إليه، يحاول أن يخفي خوفه من المجهول، أو ربما قلة حيلته التي لم يعتد عليها يومًا، وهو خضر "مشيب الشط" أي كثير الحركة بين الصيادين، وصاحب المشاكسة المستمرة التي قتلها الاحتلال الإسرائيلي، عندما أطفأ نور عينيه.

يوم اعتيادي ولكن

في 20 من فبراير عام 2019 انطلق الصياد خضر الصعيدي (32 عامًا) في يوم اعتيادي من ميناء غزة وصولًا إلى بحر مدينة خان يونس جنوب القطاع، بحثًا عن رزقه وعن قوت أطفاله، وما أن جاءت الساعة الخامسة حتى ألقى بشباكه وجلس ينتظر على مركبه الصغير.

يومها كانت سلطات الاحتلال تسمح للصيادين بالوصول إلى 12 ميل بحري، بينما وصل خضر إلى 9 أميال فقط، وفي الساعة السابعة ومع بدء الشاب بجمع الشباك شيئًا فشيئًا، تفاجأ بأربعة قوارب "إسرائيلية" صغيرة متجهة نحوه بسرعة، فيما اتضح له أن الجنود يريدون إطلاق النار عليه.

ويروي الصعيدي لمراسل "فلسطين اليوم الإخبارية" قصته وكأنها تحدث الآن: "حاولت الهرب منهم من شدة القلق والخوف من هجومهم المفاجئ، لكنهم لم يتركوا لي فرصة، فقد بدأوا بإطلاق النار بشكل عشوائي على المركب وعلى جسدي".

أصيب خضر بقرابة 30 طلقة من الرصاص المعدني المغلف بالمطاط في جميع أنحاء جسده، فيما اخترقت إحداها عينه اليمين بصورة مباشرة، قبل أن يغمى عليه ويهوي جسده فوق المركب، وقتها اعتقد الصياد الشاب أنها النهاية.

استفاق الصعيدي أول مرة وهو في ميناء اسدود المحتلة بعد أن قام الجنود بسحبه، لكنه لم يستطع الحركة، وكانت استفاقته الثانية هي الحاسمة والقاسمة بالنسبة له، عندما سأل الطبيب في مستشفى "بيرزلاي" عن سبب عدم رؤيته لشيء، فجاءته الإجابة التي لم يكن ينتظر.

بعد 8 ساعات في غرفة العمليات، وبعد استئصال عينه اليمين بسبب إصابتها بالرصاص المعدني بشكل مباشر، حاول الأطباء في "بيرزلاي" عقد صفقة "قذرة" على خضر من خلال إيهامه أنه سيرى في عينه اليسار، وضرورة التعاون معهم والتوقيع على أوراق لا يعرف طبيعتها مع الجندي الذي أصابه بشكل مباشر.

حاول الجندي أن يقنع خضر بالتوقيع، مؤكدًا له أنه سيعوضه عن عينه اليمين وإصاباته، لكن الأخير رفض بشدة، وأحسّ أن هناك شيء يحاك في الظلام ولا يريدون له معرفته، حتى عاد إلى غزة بعد 4 أيام ليكتشف الحقيقة الكاملة التي حاول الاحتلال تزويرها بمساعدة الأطباء.

"إذا استئصلتها بموت"

منذ عودته إلى غزة حاول خضر عشرات المرات أن يصل إلى مستشفيات الداخل المحتل عبر التحويلات الطبية، لكن دائمًا ما كانت السلطات الإسرائيلية ترفض عبوره دون أسباب واضحة، واستمر الأمر لأكثر من 7 أشهر.

وعن حالته الصحية وطريقه العودة إلى الداخل يقول الصعيدي: "الأطباء في غزة قالوا لي أن العين اليسار تأثرت بشكل كبير وتدمرت فيها الأعصاب، لكنني ظللت أحاول الوصول إلى مستشفيات الداخل ونجحت بمساعدة أحد منظمات حقوق الانسان، ووصلت إلى مستشفى في يافا".

لم يختلف الأمر كثيرًا بين غزة ويافا، لكن خضر لا يريد التصديق ويأمل بأن يعود النور لعينه اليسار رغم طلب الأطباء منه استئصالها، ليرد خضر بجملة واحدة "إذا استئصلتها بموت"، لأنه يرى أن الأمل الوحيد له للحياة هو رؤية أولاده من جديد، والعودة للبحر والميناء.

أوضاع صعبة

رغم كل ما عاناه ويعانيه خضر إلا أنه لم يتقاضَ أي تعويض أو مساعدة أو راتب من السلطة الفلسطينية والذي يصطلح عليه محليًا بـ "راتب جريح"، رغم الوعودات الكثيرة التي تلقاها، مما زاد حالته سوءًا بسبب تدهور أوضاعه الاقتصادية.

ويسكن خضر الصعيدي وعائلته في منزل متواضعٍ جدًا في منطقة الشاطئ، حيث يلازم منزله ولا يخرج مطلقًا خاصة إلى البحر الذي يذكره بما حل فيه، وخشيةً من أن يراه زملاؤه الصيادين وهو في حالة انكسار وعجز.

وعن تدبر أموره الحياتية يوضح الصعيدي: "أعيش أنا وأسرتي على مساعدات صديق صياد، يقسّم قوت يومه بين عائلته وعائلتي، فمنذ إصابتي لم يتوانَ عن مساعدتي والأخذ بيدي"، مشددًا على أنه له الحق في أن يعيش بكرامة وبراتب يستطيع من خلاله توفير الاحتياجات الأساسية لعائلته.

وتخشى عائلة خضر من أن تفشل جميع المحاولات الطبية في مساعدة ربّ الأسرة على الرؤية في عينه من جديد (وهو المرجح بحسب الأطباء)، مما قد يدخل الشاب الثلاثيني في أزمة نفسية لا تُحمد عقباها، الأمر الذي يهدد مصير أسرةٍ غزّية كاملة تعيش على أقل القليل.

 

 

الصياد الكفيف خضر الصعيدي  (6)
الصياد الكفيف خضر الصعيدي  (5)
الصياد الكفيف خضر الصعيدي  (4)
الصياد الكفيف خضر الصعيدي  (3)
الصياد الكفيف خضر الصعيدي  (2)
الصياد الكفيف خضر الصعيدي  (1)
الصياد الكفيف خضر الصعيدي  (7)
 

كلمات دلالية