صفقة ترامب تحدٍ خطير- أطلس

الساعة 02:12 م|08 فبراير 2020

فلسطين اليوم

هدية المحفل الإنجيلي الذي يسيطر على البيت الأبيض لأحزاب المستوطنين، والتي سميت زورًا بـ "صفقة القرن"، وهي ليست صفقة ولا حتى مبادرة، وأقل ما توصف بهِ بلطجة وقرصنة دولية في وضح النهار، هدفها تصفية القضية الفلسطينية ومنح مشروعية للمستوطنين بالضم والتوسع الاستيطاني، في خرق وتجاوز كبيريْن لكل المرجعيات الدولية، وفي ظل صمتٍ دولي مخزٍ ومشين وموقف رسمي عربي معيب.

صفقة ترامب للجناح الأكثر تشددًا في اليمين الصهيوني، تستند قبل كل شيء على نصوص توراتية وتناخية وإنجيلية، وهي بذلك تتبني الرواية الدينية للصهيونية الدينية بشكل كامل وتنفي كلية الرواية الفلسطينية، فلليهود - حسب ترامب - الحق الكامل في أرضهم التوراتية، فالمستوطنات في الضفة ليست احتلالًا، بل تحقيق لحق ديني تاريخي، أما الوجود الفلسطيني - حسب ترامب الذي تبنى رواية نتنياهو - فيجب التعامل معه كأمر واقع يجب أن يُمنح حقوقًا إنسانية، ويعتبر ذلك سخاءً وتنازلًا صهيونيًا.

ورغم كارثية اللحظة وخطورة الصفقة، إلا أن هناك من يُحاول أن يُقلل من خطورتها، وأنها باتت خلف ظهرنا، حيث رفضها الكل الفلسطيني ورفضتها الجامعة العربية، وأن الموقف الدولي لا زال يتمسك بحل الدولتيْن القائم على حدود 1967، وبذلك فقد تم دفن الصفقة، وحتى أنها ماتت قبل أن تولد. للأسف هذا كلام عبيط وسخيف، لمن لا يريد أن يصحو من نومه ويظل يعيش في أحلامه الوردية، ليبرر استمرار الاستكانة والتهرب من استحقاقات المواجهة.

فإن كان بيان الجامعة العربية انتصارًا، فقد انتصرنا كثيرًا على ورق الجامعة العربية منذ لاءات الخرطوم، وفِي كل دوراتها اللاحقة، ويبدو أننا نشبعهم شتمًا ويفوزون هم دومًا بالأبل. وليس تقليلًا من أهمية التسلح بموقف عربي رسمي مساند وداعم ورافض للصفقة، فهو على ضعف الجامعة أمر مهم سياسيًا، لكن يجب أن ننظر إليه بواقعية من حيث المكانة والتمثيل والتأثير، وكلنا يعرف أن بيان الجامعة هو مجرد ضريبة كلامية، وحتى هذه الضريبة تحصّلنا عليها بشق الأنفس. كما ان دول الجامعة متفرقة أصدرت مواقف تنطوي على الترحيب بالمبادرة، وبعضها أوفد من يمثله في الاحتفاء بإعلانها، وبالأمس فقط التقى البرهان مع نتنياهو في أوغندا، في لقاء استمر لساعتين، وذلك قبل أن يجف حبر بيان جامعة العرب.

كما أن الموقف الدولي غير مبشر، بل ومتواطئ، فصفقة ترامب تدوس بقسوة على مرجعياتهم وقرارات هيئاتهم ومجالسهم، وتخرق بشكل فظ قوانينهم وهم صامتون، وفي أحسن الأحوال يتحفظون أو يشككون في نجاحها، وعلى خجل يتمسكون بمفاوضات مباشرة تؤدي لحل الدولتين.

صفقة ترامب تسير في ذات السياق الذي سارت فيه كل القرارات والمبادرات الدولية، التي كانت دومًا تأخذ بعين الاعتبار الواقع وموازين القوى والمصالح الصهيونية، وذلك منذ الكتاب الأبيض وخطة لجنة بيل، ثم قرار التقسيم، ثم قرارات مجلس الأمن 242 و338، وكل المبادرات السياسية اللاحقة، والسياق في كل ذلك كان الانتقاص من الحق الفلسطيني وشرعنة المكتسبات الاحتلالية، وخطة ترامب تعزز هذا الاتجاه تعزيزًا نوعيًا، يؤدي تدريجيًا إلى واقع مرجعياتي جديد يُضاف إلى الموروث من المرجعيات الدولية والمرجعيات الأمريكية الخاصة بالصراع، وإذا ما كسب ترامب الولاية الثانية فسيكون من الصعب تجاهل المحافل الدولية والنظام العربي الرسمي لصفقة ترامب.

حقيقةً، لا يمكننا التعويل كثيرًا على المجتمع الدولي ولا على النظام العربي ولا على الدول الإسلامية؛ طالما لا نستطيع أن نعول على أنفسنا، فأحد لن يكون فلسطينيًا أكثر منا. وعبر التاريخ، وفي ذروة التضامن مع الشعب الفلسطيني، وفي ظل موقف أمريكي يرفض ضم الأراضي التي احتلت عام 67؛ قامت دولة الاحتلال بعمليتيْ ضم: الأولى في حزيران 68 عندما اتخذت قرارًا بضم القدس، والثانية في نوفمبر 81 عندما قررت حكومة بيغن ضم هضبة الجولان، وقد اكتفى الجميع بالرفض والتنديد دون أن يُترجم ذلك بفرض أية عقوبة أو إجراء ضد دولة الاحتلال، فما بالنا ورد الفعل الدولي الممكن على قرار إسرائيلي قادم بضم الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية في ظل الواقع العربي والدولي الراهن.

 

في إسرائيل يحتفلون بجميع مشاربهم تقريبًا بالصفقة التي منحهم إياها ترامب، لكن بعضهم يخشى من أنها انتصرت للموقف الإسرائيلي أكثر من اللازم أو أنها وجّهت ضربة قاضية للحلم الفلسطيني ولم تبقِ لهم حتى ورقة التوت؛ الأمر الذي يجعل سلام الاستسلام بالاتفاق أمرًا غير مُمكن، ممّا يبقي الصراع في ظل اكتساب الاحتلال والضم المزيد من الشرعنة الدولية.

وعليه، فإننا أمام خطر كبير وتداعياته مستمرة ومتواصلة، فالمنزلق شديد الانحدار، وإذا ما استمر المشهد الفلسطيني على ما هو عليه من تفكك وتشرذم وضعف؛ فإن إسرائيل ستبتلع ما منحته لها الصفقة وستتقدم نحو المزيد.

وليس أمامنا سوى أن نبدأ بأنفسنا ونعتمد قبل كل شيء على شعبنا، وذلك من خلال الإسراع بعقد اجتماع لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الإطار القيادي الفلسطيني القادر على رسم السياسات وإعادة تفعيل منظمة التحرير بما يتناسب والتحديات، وإنهاء الانقسام؛ فبدون ذلك سيكون مستقبل أية خطوات لتعزيز الصمود وتفعيل المقاومة والتصدي...الخ، الفشل الأكيد، فما يصعُب تحقيقه ونحن متوحدون؛ سيكون من الخداع وذر الرماد في العيون الحديث عنه ونحن منقسمون.

ورغم حراجة الموقف، إلا أننا لا زلنا قادرون على التصدي لكل تلك التحديات وإفشالها، فالصفقة ليست قدرًا من السماء، وبقاء وجودنا على الأرض موحدين صامدين مقاومين كفيل بإفشالها، كما أفشلنا غيرها من المؤامرات.