خبر الشهيد علاء أبو الرب... أبى ذلّ السجان وتاق « مجدا دونه الحُفرُ »

الساعة 09:41 ص|14 فبراير 2009

اعتقل طفلا وتعرض لتعذيب وحشي

الشهيد علاء أبو الرب... أبى ذلّ السجان وتاق "مجدا دونه الحُفرُ"

فلسطين اليوم: جنين

قبل أشهر من استشهاده، راح علاء أبو الرب يستدعي أمنية انزرعت فيه يوم كان مجرد طفل "عُلّق من قدميه ورأسه إلى الأسفل في كيس نتن" وراح الجنود يضربونه بجنون في أحد مراكز التحقيق.. دون أن يفهم ببراءته " لماذا يقتل منذ صغره ويهان وإلى متى يمكن لهذا الذل أن يستمر..".

وبعد ذلك بسنوات ليست كثيرة، هي كل عمره تقريبا، راح علاء "كبير أمه وحبة قلبها الأعزّ" يطوي الأيام دعاءً بأن يلحق برفاق الدرب.. وأينما حل يجري قلمه ليكتب:" ما كل من طلب العلياء نائلها... إن الشهادة مجد دونها حفرو..."..

وفي إحدى ليالي ملاحقته الباردة، كتب بخط جميل على حائط استند إليه:" اذكروني..يا أخوتي وأحبتي لأن في الذكرى حياة.." كان يؤمن بأن شهادته حياة، ورغم صغر أمنيته، لم ينسَ أحد هذا الفتى الذي ضج بالأمل والألم معا منذ ذاق الاعتقال والتعذيب في أقبية التحقيق ولم يكن قد تجاوز السادسة عشرة من عمره.

أمنية تتحقق..

في الخامس من شباط الجاري، كانت بلدة قباطية جنوب محافظة جنين على موعد مع "أمنية تتحقق..وذل أبى الاقتراب من هذا الشاب.." حيث تمكنت أخيرا وحدة إسرائيلية خاصة من اغتيال شاب منذ ست سنوات يعيش الشهادة حلما...

وتروي والدة الشهيد علاء أبو الرب قصة استشهاده، بفخر حينا، وبألم يقطع كلماتها حينا آخر، تقول: "لم يكن علاء قد استقر ليستريح بعد وصوله خفيةً حيث أدى صلاة الفجر فقبّلته وقلت له لا تأتي فجرأ هذا خطر عليك، وقال لي إدعي ربنا يختارلي الأفضل يمة.." وهكذا فعلت.

بعد قليل، فكرت الأم بتدليل ابنها بفطور على عجل قبل أن تطلع الشمس وتأتي الجيبات الغريبة لتسرح وتستبيح البلدة كما عادتها اليومية، ولكن وجبة من الموت أعدها جنود وحدة خاصة كانت أسرع وصولا إلى بكرها..

تضيف الأم:" خرجت من غرفة علاء الذي راح يتحدث إلى أشقائه، وإذا بانفجار عنيف جدا يضرب باب منزلنا، وليست سوى ثواني حتى كان الجنود فوق رؤوسنا.." وفي ثواني أخرى، أطلق الجنود النار مباشرة وبعدة رصاصات باتجاه رأس "علاء" وجسده حيث استشهد فورا..

" ارتميت عليه ورحت أتحسس الحياة فيه.." تقول الأم، لكن حتى هذه الفرصة لم تتح لها، وقام الجنود بسحبها وضربها وتمزيق ملابسها، وأمروا كل من في المنزل، وأغلبهم أطفال صغار، بالخروج فورا..

تقول الأم: رفضنا الخروج، كيف اخرج وابني غارق في دمه..." لكنها أضافت:" أغلقوا الباب عليه وتحت تهديد السلاح أخرجونا جميعا حفاة وكان أطفالي يمشون على الزجاج والدمار الذي أحدثه اقتحامهم للمنزل.." وبعد قليل قاموا بتفجير البيت على "جثة علاء الملقى في دمه" وتحول المكان إلى غرف محروقة..

بسبب نشاطه في المقاومة..

ويروي شقيقه الأصغر محمد، شهرين من المعاناة والخوف عاشتها عائلة الشهيد علاء أبو الرب بينما كانت قوات الاحتلال تطارده من منطقة لأخرى، وكان يغيب يغيب ولا أخبار عنه إلا القليل.. ثم يعود في بعض الصباحات طالبا رضا أمه ودعاء أبيه، وقُبَلٌ يوزعها على وجوه أشقائه الذين اشتاقهم..

يضيف الأخ": كان اعتقال أخي علاء نقطة تحول في حياته، حيث لم يكمل عامه السادس عشر عندما قام الاحتلال باعتقاله عام 2005 وتعرض حينها لتحقيق بشع، وحكم بالسجن لمدة 18 شهرا ليفرج عنه مدة 3 أشهر فقط ثم يعاد اعتقاله لمدة 8 أشهر إضافية ويعاد فيها تعذيبه بشكل أسوأ..".

وفي هذا تقول الأم:" لقد ذاق علاء في اعتقاله ما جعله يعتبر تسليم نفسه للاحتلال ذل لا يضاهيه سوء في هذه الحياة، وعندما كنت أقول له أتمنى أن يعتقلوك- خوفا من خيار آخر يضاهي الموت- كان يرد عليه بحزن بالغ:" يمة والله بتذليني لما تدعي إنهم يعتقلوني.. إوعي تقولي هيك..ادعي ربنا يختارلي الأفضل..".

وفي حادثة تعذيبه في اعتقاله الأول، وقف علاء بينما كان في السادسة عشرة من عمره أمام قاضي المحكمة العسكرية يروي كيف :" حطوا في وجهي كيس مليء بالقاذورات والروائح البشعة وقاموا بتعليقي من قدماي فوقا ورأسي إلى الأرض لساعات طويلة حتى فقدت الوعي..هذا عدا عن شبحي لساعات على كرسي مقيد اليدين إلى الخلف، ومنعي من النوم لساعات طويلة.. " كل هذا وتطلبون منا السلام.. كيف نشعر بالسلام ونحن مقيدين وتداس كرامتنا في كيس قاذورات.." هكذا كان يردد..

عن علاء الإنسان..

وتستذكره والدته، بين كلمة وأخرى تقول" حبيب قلبي علاء يمة.."، انضم قبل سنوات إلى صفوف المقاومة ضمن سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي وهذه كانت تهمته التي طورد بسببها وكان يهدد بالاغتيال إذا لم يسلم نفسه طيلة الأشهر السابقة.

وبسبب اعتقاله ومطاردته لاحقا، لم يتمكن علاء من إكمال دراسته العليا في كلية قلنديا التقنية برام الله، حيث أحب التخصص في "تمديدات الكهرباء"، وحرم من حياة أسرية بقرب والديه وأشقائه الثمانية..

وتضيف الأم: كان علاء محافظا على صلاته منذ صغره ويحث أشقائه عليها دائما حتى اقتدى به الصغار جميعا، وهو الذي كان يقوم بإيقاذهم فجرا لأجلها، حبيب قلبي يمة.. شاب محبوب من الكل، ما بحياته زعل حدا ولا آذى حدا... "حسبنا الله على الظالمين"..