خبر الرنين..هآرتس

الساعة 11:38 ص|13 فبراير 2009

بقلم: امير اورن

في القيادة العسكرية لا يعتبر افي مزراحي من الجنرالات الملونين جدا. مزراحي هو ضابط مخضرم ومهني من خريجي المؤسسة الداخلية العسكرية، والوحدة الخاصة في غولاني وكذلك وحدة المرافقة في الشاباك، الذي عاد للخدمة الدائمة وارتقى في المدرعات حتى مستوى قيادة الفرقة 36 في الجولان. كجندي منضبط امل في الوصول الى رئاسة قسم التكنولوجيا والدعم اللوجستي في القيادة القطاعية. الا انه استجاب للمناشدات بان يتولى قيادة سلاح القوات البرية، ولن يرفض ايضا ان طلبوا منه فجأة ان يصبح نائبا لرئيس هيئة الاركان. في يوم انتخابات الكنيست وقف اللواء مزرحاي في قاعة المحاضرات في كلية القيادة التكتيكية لمعسكر غليلوت وانقض على خصم جديد: رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركي.

كان بين الجمهور عشرات الضيوف الاجانب والضباط المحليين والمشاركين في مؤتمر دولي لعلم النفس العسكري ينظمه للمرة الثالثة مركز علم السلوك في سلاح القوات البرية. المؤتمر وفر الذي يحظى برعاية مزرحاي ورئيس هيئة الاركان جابي اشكنازي كان فرصة هامة للتداول في الجمع بين الابحاث الاكاديمية وبين تحديات العمليات الميدانية. جاء اليه امريكيون والمان ومن الصليب الاحمر وغيرهم واعجبوا بمستواه.

مزراحي صعد الى المنصة مشحونا معبأ. اثر عملية الرصاص المصهور اضحت القيادة العليا شاعرة بالمرارة من الفجوة بين مساعيها لشن حرب انتقائية في المناطق المكتظة سكانيا وبين الصورة المنعكسة عالميا لنتائج القتال. الضباط يشعرون بالاجحاف الوطني والعسكري والشخصي. خطوة صغيرة واحدة الى داخل جباليا يمكن ان تبدأ مقابلها حملة الف مليون الى معسكر بريطاني او اسباني.

وهكذا اختار مزراحي الذي كان ممثلا لذراع القوات البرية في الجيش الامريكي والتقى لفترات كثيرة مع قادة من جيوش مختلفة من كوسوفو والبوسنة والعراق وافغانستان منصة القمر لاطلاق رسالة صارخة مدوية. هو هاجم اردوغان لانه تهجم على الرئيس شمعون بيرس في مؤتمر دافوس الدولي. "فالتقشط نفسك اولا" قال الجنرال الاسرائيلي لرجل الدولة التركي، ولم يكتف بالتلميح الواضح لمذبحة الارمن وقمع الاكراد بل اضاف اليها احتلال تركيا لشمالي قبرص. مزراحي رد على دعوة اردوغان للامم المتحدة بطرد اسرائيل من عضويتها باقتراح بضم تركيا بنفس المناسبة لاسرائيل.

تغير يؤمن به الاسد

اوساط الجيش تشعر بالاحباط لان الضرورات تقيد الجيش من كل صوب. هذا ما ستكتشفه الحكومة القادمة عندما تفيق من طقوس اداء يمين القسم. اصوات المفرقعات واطلاق النار ستغطي على فرحة الوزراء الجدد او المتجددين.

في غزة لم تحل العملية اي مشكلة طويلة المدى. المفاوضات غير المباشرة مع حماس بقيادة مصر حول وقف اطلاق النار لـ 12 او 18 شهرا من ابتداع ايهود اولمرت وايهود باراك مخالفة لبرنامج تسيبي لفني وبنيامين نتنياهو ايضا ومعهما افيغدور ليبرمان. ان صدقنا نتنياهو ولفني فستشن حرب لا هوادة ضد حكم حماس. هذا حسم استراتيجي تمتلك الحكومة صلاحية له ولكن ثمنه في عهد براك اوباما ومن قبل اعادة بناء انقاض عملية "الرصاص المصهور" سيخصم من حساب اعتماد ورصيد اسرائيل السياسي.

الاحباط في الجيش نابع ايضا من رفض حماس اللعب وفقا للسيناريو التي اعدته اسرائيل. قرار حماس بتجنب التصادم مع الجيش الاسرائيلي كاحد الخيارات التي حللت ودرست اعتبر من ضمن الاحتمالات المتدنية في السيناريو الذي اعده الجيش الاسرائيلي، حيث اعتقدوا ان من الممكن الوثوق بان العرب سيتصرفون وفقا للمنطق الذي ينسب لهم في اسرائيل. ولذلك لا يعرف احد كيف ستتطور العملية العسكرية ان جددتها اسرائيل.

هذا صحيح ايضا في جبهة حزب الله خصوصا في هذه الاسابيع المتوترة التي تشهد فترة التأهب من امكانية انتقام حزب الله بسبب اغتيال عماد مغنية وكذلك بسبب التوتر الاكبر من ذلك في الساحة السورية. هناك ليست المشكلة عسكرية وانما سياسية. الاسد يريد الارتقاء بالاتصالات لتصبح مباشرة برعاية امريكية والانتهاء من الاتصال من خلال تركيا خصوصا بعد رحيل بوش واولمرت وفقدان تركيا لمكانية الوسيط النزيه بعد غزة ودافوس.

الاسد يمكنه ان يتصرف بصورة احادية الجانب وان يعلم اوباما انه جاهز للسلام مقابل الجولان. وفي نفس الوقت ستمارس على اسرائيلي ضغوط امريكية لدفع نصيبها من الصفقة حيث سينتصب في هذه المرة المستوى العسكري الذي المح في الماضي انه يوافق على ذلك مقابل حكومة ترفض اجزاء هامة منها ذلك كليا.

رفض التكيف مع الواقع الجديد فيعلاقات واشنطن – دمشق سيدخل اسرائيل في ازمة شديدة من النوع الذي امر به اوباما في جبهات اخرى، وستكون لهذه الازمة نتائج في مجال الدعم العسكري والامني. عندما يزداد ثمن الطائرات وتقل الموارد يعتبر ربط الدعم الامريكي للاسهام الاسرائيلي في الصفقة لاستقرار المنطقة مسألة مفهومة من الجمهور والكونغرس. ولا يمكن للوبي اليهودي ان ينجح ان خاض حملته ضد رئيس محبوب ويمتلك ادعاءات مقنعة هذا ان تجرؤ اصلا على المخاطرة بهزيمة تلحق ضررا بليغا بقدرتهم الردعية.

مشكلة اسرائيل هي ان المقارنات لا تتطابق: ليس من الممكن الاحتفاظ بالمناطق والسعي للسلام في ان واحد، التسوية والمستوطنات معا، الرغبة في ابعاد سورية عن المحور الايراني وفي نفس الوقت رفض اعادة الجولان، الرغبة في رديف امريكي وفي نفس الوقت طعن سكين في ظهر هذا الرديف.

رئيس الطواقم في البنتاغون الادميرال ماكيل مالن قال في الاسبوع الماضي في محاضرة القاها في جامعة فرينستون ان "اسرائيل هي حليفتنا الاكثر قربا وانا لا اعتقد اننا سنتخلى عن هذه العلاقات في اي وقت من الاوقات". مالن تحدث في سياق الحقبة النووية الايرانية المثير للتحدي وتطلع النظام الايراني المعلن لابادة اسرائيل. ان كان يرغب في طمأنة اسرائيل فهو لم ينجح في ذلك: في الوقت الذي يقترح فيه اوباما على ايران التفاوض ان لم نقل الصداقة يتواصل السعي الايراني لنصب منظومة صاروخية من صواريخ ارض ارض مع رؤوس حربية نووية.

جسامة التهديد تتزايد بسبب تطورين سلبين في الايام الاخيرة: قرار باكستان اطلاق سراح عبد القادر خان العالم النووي وابتعاد حكومة العراق التدرجيي برئاسة نور المالكي عن النفوذ الامركي.

ان فرض اوباما على الجيش الانسحاب من العراق حتى 2010 ستتسارع ايضا عملية استقرار العراق المستقل في مواجهة الجار الخصم الدائم ايران. العراق لن يضبط نفسه ازاء ايران النووية وسيرغب بذرة خاصة به. وهذه بوابة لمضاعفة الخطر الذي يتربص باسرائيل الا ان نسقت العراق مع اسرائيل عملية للقضاء على المشروع النووي الايراني. اوباما الذي يعمل على كبح الانتشار النووي في العالم قد يدخل في هذه العقدة ويطرح اقتراحا بتجميد انتاج المواد النووية في المنطقة بما في ذلك في ايران واسرائيل. الهدف المنشود هو الاجتماع الدولي الذي ينعقد كل خمس سنوات لتدارس منظومة الانتشار النووي في ربيع 2010.

ستوضع على طاولة الحكومة القادمة تقييمات سلبية للوضع وبسرعة كبيرة: امنيا لا يمكن لاسرائيل ان تسمح لنفسها بالتسليم بالسلاح النووي الايراني, واقتصاديا لا يمكن ان تسمح لنفسها بسباق تسلح ولو حتى بالسلاح المعتاد مع ايران ودول عظمى اخرى ستحصل على الذرة، وسياسيا لا يمكنها ان تسمح لنفسها بمجابهة مباشرة مع ادارة اوباما.

في ظل هذه الظروف الصعبة، من غزة حتى طهران، لا غرابة ان نرفزة وعصبية الجنرالات والمطلعين على مجريات الامور من غير العسكريين تتصاعد وتزداد. وليس من المفاجىء ايضا ان توفر ازمة امنية تحدث في ذروة الجدل السياسي فرصة للفني ونتنياهو وباراك بتشجيع من بيرس لتشكيل حكومة مشتركة.