عمليـة بـيـت ليـد "الشارون" ملحمةٌ بطولية جهادية كُتبت بالدم والأشلاء/ بقلم: تامر الزعانين

الساعة 10:04 ص|22 يناير 2020

فلسطين اليوم

الناطق الإعلامي لمؤسسة مهجة القدس

لم يكن يوم الأحد 22 يناير (كانون ثاني) من العام 1995م يوماً عادياً لدى المقاومة الفلسطينية، فقد كان هذا اليوم يوم إنتصار الدم على السيف، والكف على المخرز، هذا اليوم شكل كابوساً يقضُّ مضاجع قادة وجيش الاحتلال الصهيوني المهزوم، الذي يدّعي أنه لا يقهر، فقهره أبناء الجهاد الإسلامي، إنها عملية بيت ليد الاستشهادية المزدوجة التي هزت أركان هذا الكيان سواء من حيث الدقة في التنفيذ أو في حجم الخسائر، حيث تعتبر هذه العملية من أقوى العمليات وأقساها في تاريخ المقاومة الفلسطينية لاستخدامها تكتيك العمليات الاستشهادية المزدوجة لأول مرة في الصراع مع الكيان الصهيوني.

المجاهدان أنور سكر وصلاح شاكر اللذان عرفا بحسن خُلقهما وسمعتهما الطيبة ونشاطهما الدؤوب في صفوف حركة الجهاد الإسلامي تم اختيارهما لتنفيذ هذه العملية، ورغم كل التعقيدات والتحصينات والاحتياطات والحواجز الأمنية تم إيصال الاستشهاديان إلى مفرق بيت ليد في الداخل المحتل، حيث ارتدى الأبطال ملابس الجيش الصهيوني وتقدما نحو محطة تجمع نقل الجنود الصهاينة صبيحة يوم الأحد بعد عطلة يوم السبت، ليتقدم الاستشهادي الأول أنور سكر مفجراً جسده الطاهر وسط الجنود المتجمعين لتتناثر أشلاءهم في المكان، وليتقدم بعدها بدقائق الاستشهادي الثاني صلاح شاكر ويفجر نفسه في الجنود الذين تجمعوا لإسعاف من بقي حياً في الانفجار الأول، وهذا هو العمل الاستشهادي المزدوج الأول في فلسطين التي نفذته حركة الجهاد الإسلامي لتكون طريقاً لكل فصائل المقاومة في مواجهة الاحتلال، ولتوقع هذه العملية البطولية 22 قتيلاً صهيونياً وأكثر من 60 إصابة معظمهم جنود.

لقد شكلت هذه العملية البطولية تطوراً نوعياً وفريداً للمقاومة الفلسطينية عامة ولحركة الجهاد الإسلامي خاصة، واعتبرت هذه العملية كارثة خطيرة على الكيان الصهيوني وجنوده، حيث سادت موجة من الغضب والاستياء والخوف في الشارع والرأي العام الصهيوني مطالبين بمحاسبة من يقف وراء هذه العملية، حيث قال حينها رئيس الوزراء الصهيوني إسحاق رابين وهو يخاطب كيانه المهزوم: ماذا تريدوني أن أفعل، أعاقبهم بالموت؟ إنهم يريدونه ويأتون من أجله.

وبعد عملية بيت ليد مباشرة وإعلان الأمين العام الأول لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور فتحي الشقاقي المسؤولية عن هذه العملية البطولية، أخذ رابين قراراً باغتياله، وفي سياق رد الاحتلال على هذه العملية تم تصفية أو اعتقال كل من له علاقة مباشرة بالعملية، فتم اغتيال القائد محمود الخواجا في 22/06/1995م واغتيال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور فتحي الشقاقي في مالطا بتاريخ 26/10/1995م، واعتقال المجاهد عبد الحليم البلبيسي في 06/12/1995م، واغتيال المجاهدين أيمن الرزاينة وعمار الأعرج في 03/02/1996م، وتأخر اغتيال المهندس محمود الزطمة لوجوده في سجون السلطة الفلسطينية إلى 10/04/2003م.

ورغم مرور 25 عاماً على عملية بيت ليد المزدوجة لازالت سلطات الاحتلال الصهيوني تتحفظ على جثماني الشهيدين البطلين أنور سكر وصلاح شاكر، ضاربةً بعرض الحائط جميع القوانين والمواثيق الدولية التي كفلت أن يدفنوا حسب تقاليد وتعاليم دينهم، وللعلم أن هناك أكثر من 250 جثمان شهيد فلسطيني ما زال الاحتلال يحتجزهم في مقابر الأرقام.

رحم الله الاستشهاديان البطلان أنور سكر وصلاح شاكر اللذان عبّدا بدمائهم طريقاً نحو المزيد من العمليات البطولية النوعية وخطّا بدمائهم الزكية طريقاً نحو القدس والنصر والتمكين.