مصر وإسرائيل: تقاطعات الغاز والسياسة

الساعة 08:28 ص|16 يناير 2020

فلسطين اليوم

كتبت صحيفة "القدس العربي"

بالتناظر مع تصريح من الرئيس الإسرائيلي رؤوف ريفلين، الذي استقبل وفدا من كبار رجال الأعمال المصريين في قطاع الغاز، واعتبر بدء ضخه من إسرائيل إلى مصر أمس «يوما تاريخيا»، كان وزير الطاقة يوفال شتاينتس، يزور مصر للمشاركة في منتدى الغاز، شرق المتوسط» معتبرا البدء بضخ الغاز لمصر «لحظة تاريخية واحتفالية تصبح فيها إسرائيل قوة إقليمية في مجال الطاقة»، وتبعهما الناطق باسم الجيش أفيخاي أدرعي الذي أكد بدوره أهمية «الحدث التاريخي»، اعتبر مسؤولون إسرائيليون عديدون أن الحدث (البدء بضخ الغاز من إسرائيل إلى مصر)  أكثر أهمية من توقيع اتفاقية كامب ديفيد قبل أكثر من 40 سنة، فما هو سبب هذا الحماس الإسرائيلي الكبير؟

يمثل الحدث انقلابا على وضعيّة سابقة كانت فيها مصر هي التي تورد الغاز إلى إسرائيل، وقد تم رفع قضايا بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 أمام المحاكم المصرية تطالب بإلغاء اتفاق تصدير الغاز إلى تل أبيب، والذي كان يباع لها بأسعار أقل من الأسعار العالمية، وقد طالب مصريون بمحاكمة مسؤولين بتهم الفساد، كما تعرض خط الأنابيب الأرضية في سيناء للتخريب أكثر من مرة.

أعلنت مصر في أيلول/سبتمبر 2018 اكتفاءها الذاتي من الغاز الطبيعي والتوقف عن استيراده من الخارج، وقد تم التسويق لاستيراد الغاز الإسرائيلي، على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بدعوى أن مصر تسعى لتصبح مركزا إقليميا للطاقة، وبأنها ستعيد تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، كما أن الاتفاق سيخفض حجم الغرامة القضائية الدولية التي ربحتها إسرائيل ضد مصر بسبب توقف إمدادات الغاز المصري بعد ثورة يناير.

أحد أسباب أهمية الاتفاق الكبيرة لإسرائيل هو أن ليس لديها محطات إسالة، والتي يستغرق بناؤها ما لا يقل عن 7 سنوات مما يجعل من الغاز الإسرائيلي «ثروة معطلة»، وبالتالي فإن الاتفاق مع مصر سيحول الخسارة الإسرائيلية إلى ربح بقيمة ملياري دولار أمريكي سنويا، ويضاف إلى عناصر القوة الإسرائيلية في العلاقة مع السلطات المصرية قيامها بشراء جزء من خط أنابيب مصري لنقل الغاز البحري من العريش المصرية إلى عسقلان.

إضافة إلى العوامل الاقتصادية فهناك «أرباح» أخرى يأمل الطرفان في جنيها، فمن الواضح أن دمج إسرائيل في المنطقة هو جزء من رؤية الرئيس المصري وحلفائه الإقليميين لـ«السلام الدافئ»، والاندراج في ما يسمى «صفقة القرن»، فيما تستخدم تل أبيب احتياطياتها من الغاز للبروز كقوة عظمى في المنطقة، على حد تعبير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتعزيز نفوذها الاستراتيجي على ضفتي البحر المتوسط، وكان الاتفاق الإسرائيلي مع اليونان وقبرص على إنشاء خط أنابيب مشترك يمكن إسرائيل من تصدير الغاز إلى أوروبا، أحد حلقات هذه السلسلة، كما أن حلقة أكبر سيعلن عنها عبر منظمة إقليمية تضم إسرائيل واليونان وإيطاليا ومصر وقبرص والأردن… وفلسطين.

مفيد في هذا السياق قراءة ما قالته إحدى الصحف اليمينية الإسرائيلية التي وصفت تركيا باعتبارها «مصدر التهديد الأساسي للاستقرار الإقليمي»، وذلك لمطالبتها بملكية جزء من المياه الإقليمية القبرصية، وكذلك توقيعها اتفاقا مع حكومة «الوفاق» الليبية بما يمنحها سيطرة اقتصادية على المجال البحري الممتد من تركيا حتى شواطئ ليبيا، وهكذا يمكن لأنقرة، حسب تعبير الصحيفة، «منع إسرائيل وقبرص واليونان من تمديد أنبوب لغرض تصدير الغاز إلى أوروبا».

هذه المفارقة العجيبة لفكرة أن تعتبر تل أبيب تركيا «التهديد الأكبر للاستقرار الإقليمي» تجد طبعا رضى كبيرا لدى السلطات المصريّة، التي تعتبر هي أيضا أنقرة عدوا سياسيا، لكنّ الأكثر مفارقة ربما أن خبر بدء ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر تزامن مع خبر قرب افتتاح السيسي لقاعدة برنيس العسكرية، التي ستكون أكبر القواعد العسكرية المصرية، وهو ما يجعلنا نتساءل عن سبب تنكّب مصر مسؤوليات تضخيم جيشها وقواعدها في زمن «السلام الدافئ» وانقلاب الأعداء إلى حلفاء.

كلمات دلالية