خبر فازت ليفني.. وبقيت أسيرة لمعسكر اليمين ...صبحي عسيلة

الساعة 03:13 م|12 فبراير 2009

انفض كرنفال الانتخابات الإسرائيلية العامة للكنيست الإسرائيلي الثامنة عشرة، بعد جولة انتخابات انتهت في العاشر من فبراير الجاري تنافس فيها ثلاثة وثلاثون حزبا أبرزهم الليكود، برئاسة بنيامين نتنياهو، وكاديما برئاسة تسيبي ليفني، والعمل برئاسة إيهود باراك، وإسرائيل بيتنا برئاسة أفيجدور ليبرمان.

ومنذ انتخابات الكنيست السابعة عشرة التي جرت في مارس عام 2006 والتي حملت حزب كاديما حديث النشأة (2005) إلى الحكم برئاسة إيهود أولمرت كان واضحا ومتوقعا أن الحكومة التي شكلها كاديما لن تستطيع البقاء لأكثر من عامين، نتيجة ضعف الائتلاف الذي شكله، والمكون من حزب كاديما والعمل والمتقاعدون وشاس بعدد مقاعد 67 مقعدا، علاوة على ضعف شخصية أولمرت نفسه مقارنة بسلفه مؤسس كاديما أرييل شارون.

 

ومع غياب الزعامات الكارزمية عن الساحة السياسية الإسرائيلية تخبطت إسرائيل منذ منتصف العقد الأخير من القرن الماضي ولم تستطع أية حكومة أن تكمل مدتها في الحكم، حتى أرييل شارون الذي منحه الرأي العام الإسرائيلي من الثقة والشعبية ما لم يمنحه لرئيس وزراء سابق.

 

الأحزاب الكبرى أسيرة للأصغر

 

كما شهدت الساحة الحزبية الإسرائيلية تراجعا في قوة الحزبين الكبيرين العمل والليكود؛ فحصل الليكود مثلا في الانتخابات الماضية على 12 مقعدا وأصبح الحزب الرابع في الساحة، ثم حصل حزب العمل في الانتخابات الراهنة على 13 مقعدا، احتل بها أيضا المرتبة الرابعة على الساحة السياسية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي أدى إلى تقدم أحزاب أخرى صغيرة، حتى أن حزب المتقاعدين الذي خاض الانتخابات الماضية لأول مرة حصل على 7 مقاعد، ومن ثم بدأت الساحة تعاني من تشتت المقاعد بين العديد من الأحزاب، الأمر الذي جعل الأحزاب الكبيرة أسيرة دائما عند تشكيل الحكومة للأحزاب الصغيرة.

 

وفي الواقع فإن الانتخابات الراهنة لا تشذ عن القانون العام الذي بات يحكم الانتخابات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، سواء لكونها انتخابات مبكرة، أو سواء في جانب توقع قصر  عمر الحكومة المقبلة، و أيضا بسبب بعض المفاجآت التي تحملها نتائج هذه الانتخابات.

 

ويمكن الإشارة إلى أبرز الدلالات التي تحملها هذه الانتخابات على النحو التالي:

 

أولا: عودة المرأة في إسرائيل إلى رئاسة أحد الحزبين الكبيرين والمنافسة على منصب رئاسة الوزراء، فيما يعيد إلى الأذهان تجربة جولدا مائير. وجدير بالذكر هنا أنه رغم الادعاءات بشأن الديمقراطية في إسرائيل، فإن المرأة تعاني من التمييز ضدها بشكل أو بآخر، إلى الحد الذي دفع نتنياهو أن يهاجم ليفني في الانتخابات انطلاقا من أنها امرأة، وقال إن المنصب كبير عليها. وقد نجحت ليفني على ما يبدو في تحويل هذا الهجوم إلى وسيلة أساسية في استقطاب النساء للتصويت لها، مؤكدة أن نتنياهو ما كان له أن يقول ذلك بشأن المنصب لو لم تكن امرأة.

 

ثانيا: حققت استطلاعات الرأي العام نصف نجاح في تلك الانتخابات، حيث فشلت في توقع فوز ليفني، وظلت تؤكد حتى الأيام الأخيرة على موعد الانتخابات على أن نيتنياهو سيفوز بفارق 4 مقاعد على الأقل، بينما تشير النتائج حتى الآن إلى تفوق ليفني. ومع ذلك فقد نجحت الاستطلاعات في توقع تراجع حزب العمل إلى المرتبة الرابعة على الساحة الحزبية، وتقدم حزب إسرائيل بيتنا، كما جاءت النتائج المتلعقة بأحزاب الليكود والعمل وإسرائيل بيتنا قريبة تماما من توقعات تلك الاستطلاعات.

 

ثالثا: كانت التوقعات تشير إلى أن نسب المشاركة ستشهد تراجعا جديدا في تلك الانتخابات لتنخفض عن الانتخابات الماضية التي عرفت أدنى مستويات مشاركة الإسرائيليين بنسبة بلغت 63.2%. وقد عمق من تلك التوقعات ما أعلن قبل يوم من الانتخابات بأن يوم الانتخابات سيشهد جوا عاصفا، بما قد يقلل من نسب المشاركة خاصة بين المترددين واللامبالين بالانتخابات.

 

ومع ذلك فإن نسبة المشاركة وصلت إلى ما يفوق الـ 67%، مقتربة من النسبة التي وصلتها في انتحابات عام 2003 وهي 69%. بتعبير آخر، فإن هذا الانتخابات قد أوقفت منحنى انهيار نسب مشاركة الإسرائيليين في الانتخابات التي انحدرت من نسب تتراوح ما بين 82% و87% في العقود الثلاثة الأولى بعد قيام الدولة، إلى ما يتراوح بين 63% و67% في العقود الثلاثة الأخيرة.

 

خسر نتنياهو.. ولكن فاز اليمين

 

رابعا: أما المفاجأة الأساسية التي كشفت عنها الانتخابات حتى الآن هي فوز تسيبي ليفني بفارق مقعد عن الليكود، بينما كانت استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي التي أجريت خلال الشهرين الماضيين تعطي الأفضلية دائما لليكود بفارق لم يقل عن أربعة مقاعد، رغم أن الليكود قد حصل على 27 مقعدا، وهو نفس العدد لتي كانت تعطيه له الاستطلاعات.

 

أما ليفني فقد استطاعت في اللحظات الأخيرة أن تحقق اختراقات في صفوف المترددين والذين يقدر عددهم بنحو 25% من الناخبين الإسرائيليين الذين يفوق عددهم الخمسة ملايين بقليل، ويمثل اليهود حوالي 81% منهم، في حين يشكل فلسطينيو الـ48 والدروز حوالي 14%. وقد جرت الانتخابات وفق تمثيل نسبي على قائمة الأحزاب يضمن تمثيلا برلمانيا لأي حزب يتخطى ما يعرف بنسبة الحسم وهي 2% من الأصوات.

 

خامسا: تأكد تماما تفوق حزب إسرائيل بيتنا وتقدمه إلى المركز الثالث، تاركًا حزب العمل التاريخي في المرتبة الرابعة بـ 13 مقعدا فقط، وهو أدنى عدد من المقاعد حصل عليه الحزب في الانتخابات الإسرائيلية منذ أول انتخابات إسرائيلية أجريت عام 1949.

ويطرح تراجع حزب العمل الكثير من الأسئلة والتكهنات بشأن مستقبل الحزب الأهم في الساحة الحزبية الإسرائيلية، بل وربما يكون ذلك إعلانا شبه أخير إلى بداية زوال اليسار برمته في إسرائيل.

 

أما الأحزاب العربية، فقد تمكنت من تعزيز تواجدها مقارنة بالانتخابات السابقة وحصلت على 11 مقعدا على الرغم من دعوات المقاطعة الصادرة من قوى أساسية داخل الأوساط العربية. وتوزعت المقاعد على الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة "حداش"، والقائمة العربية الموحدة للتغيير، وقائمة التجمع الوطني الديمقراطي.

 

سادسا: أكدت هذه الانتخابات على النمط العام لتوجهات الرأي العام الإسرائيلي المتجه بقوة نحو اليمين خلال العقد الأخير، والرافض لمنح الثقة لرئيس وزراء فشل سابقا، باستثناء أرييل شارون الذي لم ينظر له الرأي العام باعتباره فاشلا، فأعاد انتخابه مرتين. ومن ثم فإن حصول حزب كاديما على العدد الأكبر من المقاعد لا يلغي تفوق اليمين، بشقية السياسي والديني، والذي أعطاه الرأي العام الإسرائيلي التفوق على سائر التوجهات الأخرى، سواء الوسط أو اليسار.

 

وعلى الأرجح فإنه لو كان زعيم الليكود أي شخص آخر غير نتنياهو لحقق فوزا سهلا على ليفني. وما يدعم ذلك التحليل أن الحرب الأخيرة على غزة، والتي خاضها حزبا كاديما والعمل على أمل استثمارها في رفع شعبيتهما مقارنة بالليكود قد رفعت شعبية ليفني، بينما لم تفعل ذات الأمر بالنسبة لباراك؛ فالرأي العام قد خبر باراك سابقا وأثبت فشلا واضحا في رئاسة الحكومة.

 

سابعا: إن فوز حزب وسطي في ظل تفوق واضح نسبيا لكتلة أخرى (اليمين)، أي تفوق ليفني الضئيل على نتنياهو، يمنح الفرصة لها في الحصول على تكليف الرئيس الإسرائيلي بتشكيل الحكومة. ومع ذلك فإن تفوق كتلة اليمين يصعب عليها مهمة تشكيل الحكومة بشكل واضح، بما قد يعني اضطرار الرئيس في النهاية في حال فشل ليفني إلى تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة.

 

ويبدو أن نتنياهو يراهن على ذلك بشكل أساسي، وهو الأمر الذي دفعه إلى أن يعلن في أول خطاب له بمقر حزبه أنه فاز في الانتخابات، مؤكدا على أنه سيحوز الأغلبية في الكنيست. بينما سارعت ليفني لتوجيه الدعوة إلى نتنياهو للانضمام إلى حكومة وحدة برئاستها، رغم أنها فشلت في محاولتها قبل الانتخابات حين تم تكليفها بتشكيل حكومة عقب استقالة أولمرت.

 

وكما هو واضح، فإن ليفني تعول هذه المرة على الشرعية التي اكتسبتها من صناديق الاقتراع، حيث قالت: "الناخب اليوم اختار حزبها"، إضافة إلى أنه لا توجد فرص لنتنياهو لتشكيل الحكومة إلا إذا فشلت هي في تشكيلها، ومن ثم فإن حسابات اليوم تختلف عن الحسابات قبل شهرين من الانتخابات، كما أن استقطاب ليفني لحركة شاس ليس بالأمر المستحيل، وعلى الأرجح فإن درس التجربة الفاشلة لليفني في تشكيل الحكومة ستكون ماثلة أمامها في محاولتها تلك المرة.

 

وأخيرا، فإنه إذا كانت تلك الانتخابات قد شهدت عودة المرأة إلى التنافس على رئاسة الوزراء، فإن تلك الانتخابات تعد الأولى التي يتنافس فيها اثنان (باراك ونتنياهو) سبق لهما تولي رئاسة الوزراء خلال الخمسة عشرة عاما الأخيرة، وهو ما يعني أن النخبة الإسرائيلية وإن كانت تستفيد من الجو الديمقراطي الذي يسمح بالتغيير، إلا أن الإسرائيليين باتوا يعانون من نقص واضح في الزعامات والقيادات التي تحل محل القيادات التي سبق وأن أثبتت فشلها.

 

 

------------------------

 

باحث متخصص في الشئون الإسرائيلية، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام.