خبر إسرائيل تصدم العالم بوجهها الاستفزازي الجديد ..حلمي موسى

الساعة 11:27 ص|12 فبراير 2009

ـ السفير 12/2/2009

استفاق الإسرائيليون من ليلة انتخابية طويلة ليجدوا انفسهم امام متاهة جدية تتمثل في العثور على طريقة ملائمة لتشكيل الحكومة المقبلة، واختيار رئيسها، من بين فائزين أعلنا استحقاقهما للمنصب، وأمام معضلة فعلية تتمثل في التواصل مع العالم الخارجي الذي شعر بالصدمة لذلك التحول السياسي نحو اليمين، في الوقت الذي تستعد فيه ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما وحكومات اوروبية غربية عديدة للانفتاح على الحوار والمصالحة مع العالمين العربي والإسلامي.

وبدا ان الغالبية اليمينية التي افرزتها الانتخابات الإسرائيلية، ستواجه تحديات داخلية وخارجية كبرى، قبل ان تتمكن من التوصل الى جدول اعمال جديد للحكم، لا يتنكر للجمهور الاسرائيلي الذي يميل نحو اليمين المتطرف، ولا يصطدم مع الحلفاء والشركاء العرب والغربيين، ولا يستأنف الحروب التي اطلقتها ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، لا سيما مع الفلسطينيين الذين كانوا الأشد قلقاً من نتائج التصويت الاسرائيلي، والأكثر تسليماً بأنه لم يعد هناك خلاف جوهري بين اليمين واليسار في اسرائيل.

من اللحظة الاولى، أعلنت زعيمة كديما تسيبي ليفني، أن «الشعب الإسرائيلي قال كلمته» واختار رئيسة الحكومة المقبلة. وقالت إنها تدعو زعيم الليكود بنيامين نتنياهو وزعيم حزب العمل إيهود باراك وزعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، للمشاركة في حكومتها. ورد زعيم الليكود بأن «الشعب قال كلمته»، ومنح معسكر اليمين غالبية واضحة، وأنه سيكون رئيس الحكومة المقبل، وسيدعو كديما الى جانب أحزاب أخرى للمشاركة فيها.

ومن البديهي أنه لن تتشكل في إسرائيل إلا حكومة واحدة برئاسة واحد من الاثنين: ليفني ونتنياهو. وهذا هو واجب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي يعتبر أحد ثعالب السياسة الإسرائيلية حتى وإن كسب على الدوام لقب «الخاسر». وقد تلقى بريز امس اتصالا من الرئيس الأميركي باراك اوباما. ورغم أن الأمر يبدو إشكالياً من الناحية النظرية، إلا أن المعطيات الواقعية تشير إلى وجود حلول. وبين أبرز الحلول التي يقال إنها تتردد اليوم في محيط الرئيس الإسرائيلي، تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة وتقديم النصح له بجعلها حكومة وحدة وطنية مع كديما والعمل على الأقل.

فالذين يتحدثون عن ترؤس ليفني للحكومة المقبلة، يجهلون نتائج الانتخابات الحقيقية. فالانتخابات منحت ليفني وكديما الفوز في معركة (28 مقعداً في مقابل 29 في البرلمان المنتهية ولايته) لكنها أفقدتهما الحرب بأسرها. فمعسكر اليمين يملك 65 مقعداً في الكنيست، يذهب أكثر من ثلثيها ليمين متطرف ويمين أشد تطرفاً. وهذا اليمين، في الغالب، ليس مستعدا لمنح ليفني أفضلية على نتنياهو في تشكيل الحكومة.

ولذلك، يكاد يكون مستحيلاً تولي ليفني رئاسة الحكومة المقبلة اعتماداً على أي تشكيلة ممكنة. فكديما والعمل وميرتس يملكون فقط 44 مقعداً، مما يعني أنهم بحاجة إلى ما لا يقل عن 17 مقعداً آخر لنيل الغالبية. والأحزاب العربية بعد حربي لبنان الثانية وغزة، وامتناع ليفني سابقاً عن التشاور معها، ترفض أن تدعم زعيمة كديما وأن تكون في جيبها. ولا يمكن للأحزاب الحريدية أن توفر هذه الأغلبية لأنها لا تملك إلا 16 مقعداً. كما أن حزب ليبـــرمان لا يوفر هذه الغالبية أيضاً (15 مقعداً). وهكذا، فإن الكلام عن سيناريو حكومة برئاسة ليــــفني، بعيدا عن الليكود (27 مقعداً)، لا معنى له.

وفي المقابل، فإن الليكود من الناحية النظرية يملك القدرة على تشكيل حكومة يمينية ضيقة. ومن المنطقي الافتراض أنه سيقبل مثل هذه الحكومة إذا لم يكن أمامه خيار آخر. غير أن هذا الخيار انتحاري، ليس لليكود وحسب، وإنما لكديما أيضاً. فتشكيل حكومة تبقي كديما خارجها، هي وصفة مضمونة لانشقاق كديما، وربما عودة الجزء الأكثر يمينية فيه إلى الليكود. وقد يغدو هذا الخيار فزاعة قوية في يد الليكود ضد كديما، وقد تفعل فعلها.

وثمة من يعتقد اليوم بأن قادة كديما، وبعيداً عن التصريحات العنترية لليفني، ينتظرون عرضاً مغرياً من جانب نتنياهو. ويرى البعض أن هذا العرض يتمثل بتقديم اثنين من المناصب الوزارية الأهم، الخارجية والدفاع لكل من تسيبي ليفني وشاؤول موفاز. وفي حال حدوث ذلك، فإن كديما ستسارع للهبوط عن شجرة دعوة الآخرين الى حكومتها.

ومع ذلك، فإن أحد السيناريوهات المحتملة هو تمسك كديما بمبدأ المناوبة في رئاسة الحكومة. وقد سبق لإسرائيل أن خبرت مثل هذه التجربة. إلا أن نتنياهو أعلن يوم أمس أنه لن يقبل بالمناوبة وسيدعو الى تشكيل حكومة واسعة. ومع ذلك، فإن نتنياهو قد يقبل حكومة مناوبة إذا أفلحت كديما في ترتيب شؤونها مع حزب العمل من أجل العمل سوياً ككتلة واحدة في ائتلاف نتنياهو المقبل.

والواقع أن الانتخابات الإسرائيلية التي بلغت نسبة المشاركة فيها 2.65 في المئة، أفرزت نوعاً من التملص من التاريخ بالتخلي عن الحزب المؤسس للدولة العبرية وهو حزب العمل. فحصول هذا الحزب على 13 مقعداً فقط يشير إلى اضمحلال البنى التي تأسس عليها الحزب من كيبوتسات وموشافيم وحتى طبقة وسطى. وهناك من يرى أن هذا يدلل أساساً على اضمحلال الأجندة السياسية والاجتماعية في عمل الحزب.

غير أن الطامة الكبرى أصابت ما كان يعرف ببؤرة «معسكر السلام» أو «معسكر اليسار» الإسرائيلي، وهو حركة ميرتس. وقد نالت هذه الحركة ثلاثة مقاعد فقط مما يؤشر إلى انحلال وانهيار هذه المعسكر الذي بات حتى مع حزب العمل لا يملك أكثر من 16 مقعداً.

وفي مقابل ذلك، لوحظ أن الصوت العربي أفلح في زيادة قوة أحزابه (الجبهة الديموقراطية 4 مقاعد، والقائمة العربية الموحدة 4 مقاعد أيضاً، والتجمع الوطني الديموقراطي 3 مقاعد). وربما أن الاستقطاب الداخلي وخصوصاً حالة الهيجان العنصري في الوسط اليهودي، أجبرت الصوت العربي على الالتفاف حول أحزابه. وفي كل الأحوال، فإن حال الصوت العربي هي تقريباً حال كل ما يعرف بالأصوات القطاعية في المجتمع الإسرائيلي، حيث كانت الفوارق في التصويت بين المناطق هائلة. ففي الوسط تأييد واسع لكديما والعمل وميرتس، وفي الأطراف والضواحي تأييد هائل لليكود و«إسرائيل بيتنا».

ولكن بين المتاهة التي تجد إسرائيل نفسها فيها، هناك العالم الذي لا يعلم كيف عليه أن يتصرف مع الحالة الإسرائيلية الجديدة والتي يمكن اعتبارها تمرداً على الميل العالمي العام. فبعد فوز أوباما واندحار منطق الصدام الذي كان يقوده المحافظون الجدد، تبدو نتائج الانتخابات الإسرائيلية كسير ضد التيار. وربما أن هناك من بات يرى أن نتائج الانتخابات هذه تشكل واحدة من أعقد المشاكل أمام الرئيس الأميركي الجديد، باراك اوباما.

ثمة معنى لانطلاق التصريحات الأميركية والأوروبية ابتداءً من يوم أمس. فالإدارة الأميركية تحاول القول لحكومة إسرائيل المقبلة إنها لا ترى فيها إلا استمراراً للحكومة السابقة. وقد سارعت إدارة اوباما للتوضيح بأن سياستها في الشرق الأوسط تقوم على أسس ثلاثة هي أمن إسرائيل، السلام مع الفلسطينيين، والسلام الإقليمي، والمقصود به مع سوريا ولبنان. ومن المؤكد أن إدارة اوباما التي تنوي في الأسابيع المقبلة إرسال مبعوثها إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل، معنية بأن تفهم حكومة إسرائيل هذه النقطة.

وفي كل الأحوال، ورغم الإيمان بأن أية تشكيلة حكومية في إسرائيل في الوضع الراهن لن تكون حكومة اختراقات لا سياسية ولا عسكرية، فإن الجمود أو الشلل قد يكون بوابة خطر كبير. فالإدارة الأميركية المعنية خلال أقل من سنة ونصف السنة للخروج من العراق، معنية بالقدر ذاته بتأمين هذا الخروج، مما يستدعي تفاهماً مع سوريا وإيران. ولا يمكن لتفاهم كهذا أن يتم بعيداً عن وعود لسوريا بشأن المفاوضات مع إسرائيل. وهذا يعني تفاعلاً أميركياً مع قضية الصراع العربي الإسرائيلي بشكل لا يروق للواقع السياسي الجديد في إسرائيل.

هناك من يقول إن الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، التي ستكون مبكرة، حددت بنتائج الانتخابات الحالية، التي لا تمنح الاستقرار لأي تشكيلة حكومية. يضاف الى ذلك الاعتبارات الخارجية: إذا قررت أميركا أن من مصلحتها تفعيل المسار السياســـي في المنـــطقة، فمن الصعب على حكومة في إسرائيل، حتى لو كانت يمينية جداً، أن تقاوم ذلك. وهي في الغالب تختار اللجوء للانتخابات.