ألوف بن- صحيفة هآرتس العبرية
أراد الرئيس الأمريكي ترامب الامتناع عن التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط بعد فشل أمريكا في العراق والـ 18 سنة حرب في أفغانستان. لقد أدرك أن الرأي العام الأمريكي مستاء من مغامرات عسكرية بعيدة، لذلك كان يأمل الاكتفاء بخطاب عدائي وفرض عقوبات على إيران، إضافة إلى رمي بعض عظام الدعم للسعودية وإسرائيل. ولكن مثل أسلافه في نصف القرن الأخير، من ريتشارد نيكسون وحتى براك أوباما، اكتشف ترامب أيضاً أن الشرق الأوسط يفرض نفسه على سياسة الولايات المتحدة الخارجية، حتى عندما تكون الدولة العظمى غير معتمدة على نفط المنطقة، رغم الميل المبرر للتركيز على التحدي الصيني في آسيا.
إن امتناع ترامب عن الرد العسكري على تدمير منشآت النفط في السعودية، بهجوم جوي لإيران في أيلول الماضي، أثار القلق الكبير في أوساط أصدقاء أمريكا في المنطقة. خافت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من البقاء مكشوفة أمام قاسم سليماني ومؤامراته، وبعد الصواريخ التي يمكن لإيران أن تطلقها من أراضيها مباشرة نحو إسرائيل حذروًا من اقتراب الحرب. إن الضعف الذي أظهرته الولايات المتحدة تم تفسيره وبحق كإغراء لإيران على رفع المقامرة وزيادة الجرأة.
لم تتأخر المواجهة عن السيطرة على العراق الذي اعتبرته إيران دولة تحت الجناح، واعتبرته الولايات المتحدة موقعاً خارجياً حيوياً. بعد سلسلة أحداث في زوايا بعيدة، توجه الإيرانيون إلى السفارة الأمريكية في بغداد. وليس صعباً تخيل النتيجة السياسية لتكرار أزمة الرهائن في طهران، بعد سيطرة طلاب إيرانيين على السفارة الأمريكية في العام 1979: كارثة لاحتمال إعادة انتخاب ترامب، كما أعاد جيمي كارتر المعدات بعد فشله في إعادة الدبلوماسيين المحتجزين. وإذا كانت هذه الأحداث تاريخ بعيد جداً بالنسبة لترامب ومستشاريه، فهم حتماً يتذكرون الضرر الشديد الذي أصاب عدوته المكروهة، هيلاري كلينتون، بعد الهجوم الدموي على السفارة الأمريكية في بنغازي في العام 2012.
اغتيال سليماني أدار الدولاب إلى الوراء. وأوضح ترامب بأن أمريكا ستبقى في المنطقة وستلتزم بالدفاع عن مصالحها فيها. اختيار الهدف والتنفيذ كان رائعاً: هدف يعرفه الجميع، دون المس بالمدنيين ودون مصابين أمريكيين، مقروناً بمفاجأة تامة ونسبة الفضل الفوري له. فهم الرئيس أن الثمن السياسي للامتناع عن تنفيذ العملية سيكون أعلى من الانتقاد لخطر الحرب والتورط، الذي جاء أيضاً من خصومه الديمقراطيين ومن الانفصاليين الجمهوريين. الرد المتأخر الذي يقول إن العملية استهدفت منع الحرب وليس إشعالها، كان متوقعاً ولكنه غير مقنع.
خطأ استراتيجي
صدق سليماني التقارير التي شجعه عليها مؤيدوه الذين نشروا صوره، وصدق أعداءه الذين ضخموا اسمه. لا شك أنه كان قائداً شجاعاً وأن زياراته المتواترة والمغطاة إعلامياً عززت مكانته في أوساط جنوده وعملائه. حركته المكشوفة في مطار بغداد مع قادة المليشيا الخاضعة له، أظهرت ثقة زائدة بالنفس والاستخفاف بقواعد الأمان الأساسية.
ولكن خطأه الأعمق كان استراتيجياً وليس تكتيكياً. مع كل الاحترام لشجاعته، كان يترأس قوة صغيرة نسبياً، حظيت في العقد الأخير بحرية العمل طالما أنها كانت تخدم مصالح الولايات المتحدة أو على الأقل لم تزعجها. لقد تعاون مع الولايات المتحدة لتحطيم العدو المشترك "داعش". والأمريكيون سلموا بعملياته من أجل إنقاذ نظام بشار الأسد. وفي اللحظة التي توجه فيها مباشرة ضدهم، فإن "المقاول الثانوي" تمت تصفيته، مثل سياسة إسرائيل تجاه الشخصيات الكبيرة لحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
إيران تهدد بالانتقام الآن، والشبكات الاجتماعية مليئة بالتحليلات حول الضربة المتوقعة. ربما ستجد طريقة للرد، لكن علينا ألا ننسى تناسب القوى؛ لا يوجد لإيران أي سبيل للمس بالولايات المتحدة، وهي مكشوفة تماماً أمام كل القدرات العسكرية التي يمكنها تخريب منشآتها النووية وصناعة نفطها والمس برؤوس النظام، بجهد غير كبير. ويمكن الافتراض بأن خططاً عملياتية مفصلة لتدمير هذه الأهداف من الجو في أدراج البنتاغون.
سليماني قتل في العراق وليس في إيران، التي ما تزال خارج حدود الضربة الأمريكية، في ظل غياب تفويض شرعي من الكونغرس أو الأمم المتحدة. وإذا أصيبت إيران بالجنون وهاجمت الولايات المتحدة فستكتشف أن هذا لن ينتهي بصورة جيدة. ومثلما كتب الباحث إدوارد لوتواك عن هجوم بيرل هاربر، الشيء الأفضل الذي استطاع الطيارون اليابانيون فعله هو إلقاء القنابل في البحر بدلاً من تعريض بلادهم للدمار.
هدية السنة الجديدة
تحذيرات رئيس الأركان افيف كوخافي الحرببية التي سمعت بعيدة عن جدول الأعمال الإسرائيلي الذي يتركز على مصير رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، اكتسبت فجأة أهمية كبيرة. كوخافي فقد الآن من اعتبره العدو الكبير، سليماني، وسيضطر إلى خلق منافس جديد، ولكن من الآن سيصغون إليه أكثر، وستمر مطالبته بالميزانيات بسهولة في حناجر كبار وزارة المالية.
الرابح الأكبر من تصفية سليماني هو نتنياهو؛ فقد كان أسبوعاً ناجحاً لرئيس الحكومة، بدأ بقمع تمرد جدعون ساعر واستمر بخشية المحكمة العليا من مناقشة أهلية متهم جنائي بتشكيل حكومة، وبعد ذلك طلب الحصانة التي ستضع جانباً لوائح الاتهام لفترة طويلة في الكنيست، وانتهى بعملية أمريكية محفوفة بالمخاطر أعادت إلى العناوين "الوضع الأمني" وأزالت منها ملفات الفساد. المعارضة الأمنية من "أزرق أبيض" سارعت لتسوية الصفوف. إذا كان هناك تصعيد أمني، محلي أو إقليمي، سيزداد الضغط على بني غانتس ويئير لبيد للدخول إلى وزارة الدفاع ووزارة الخارجية في ظل حكومة نتنياهو.
ولكن من السابق لأوانه الحديث عن حكومة وحدة، فعلى إسرائيل أن تجتاز قبل ذلك الحملة الانتخابية وحرف التركيز عن لوائح الاتهام والحصانة إلى الدفاع عن الدولة في وجه التهديد الإيراني، هي هدية السنة لنتنياهو، بسبب تشخيصه كمحذر يقف على الباب من إيران، وبسبب الهدف السياسي الذي يرتبط به بقاؤه، وهو رفع نسبة التصويت في معاقل الليكود، وانخفاض نسبة التصويت في المجتمع العربي. المزيد من المصوتين في بات يم (52 في المئة في انتخابات أيلول)، ونسبة تصويت أقل في سخنين (72 في المئة في أيلول)، سيمنح نتنياهو طوق النجاة من القضاء والعزل وسيسهل عليه إدخال غانتس ولبيد إلى خيمته وتحييدهما.
الوضع الأمني يساعده في أن يخرج ناخبي اليمين من البيت، الذين سئموا منه في السابق بسبب الفساد، ولكنهم سيضعون ذلك جانباً لإنقاذ الدولة من إيران. في المقابل، أحاديث الحرب والمقاطعة ستبعد "القائمة المشتركة" عن الاندماج في ائتلاف مستقبلي مع "أزرق أبيض" وتبعث على اليأس في أوساط عرب صوتوا في أيلول أملاً في الاندماج. إن بقاء نتنياهو مرتبط إذاً بنجاحه في الحفاظ على جدول الأعمال الأمني في العناوين في الأسابيع الثمانية المقبلة.