المحكمة الدولية .. لماذا فزع الاحتلال الإسرائيلي؟بقلم: عبد الرحمن شهاب

الساعة 10:21 ص|25 ديسمبر 2019

فلسطين اليوم

وكأنهم وحوش حشرت؛ هذا هو الوصف الذي يُمكن أن نصف بهِ قادة الاحتلال فور تلقيهم صدمة قرار المدعية العامة للمحكمة الدولية في لاهاي، بشأن إمكانية فتح التحقيق بجرائم حرب ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي. التصريح الأهم كان على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلي، المطارد في دولته من الملفات الجنائية، "هذا يوم أسود لإسرائيل" بالفعل، لأنه سيستذكر في هذا اليوم الأيام السود التي أوقعها جيشه على الفلسطينيين؛ الجمعة السوداء التي خبرتها أشلاء أهلنا في رفح صيف 2014 أصبحت على الطاولة، لم يكن حزب "أزرق أبيض" قد تشكل يومها، لكن مجرم ذلك اليوم كان يعدّ نفسه لقيادة إسرائيل، على أشلائنا كالعادة، اليوم هذا المجرم (بيني غانتس) يقف على رأس حزب ينافس على رئاسة الحكومة، ويرى أحلامه في أن تفتح له البسط الحمر كرئيس حكومة مستقبلي، قد تكاثف عليها الضباب، وربما تستبدل بكابوس من ملاحقات ومنع سفر، وربما مطالبة بالاعتقال؛ لذلك فإن قرار المدعية العامة شكّل بالنسبة له يومًا أسود، على صعيده الشخصي، وليس  في الحساب الوطني وحسب.

 

لا شك بأن نشوة الانتصار الذي يعيشها الشعب الفلسطيني يعود فضلها للطاقم الفدائي الذي قاوم ضغوط الإسرائيليين والأمريكان في الأروقة الدبلوماسية، ولذلك يستحق التقدير وأن يُسجل لنفسه الفخر بهذه الخطوة، ولكن ما زالت أمامهم تحديات كبيرة، والطريق ما زال طويلًا، فقد حقق الشعب الفلسطيني سابقًا انتصارات على صعيد المؤسسات الدولية، وكذلك على صعيد الرأي العام الدولي، وحقق أيضًا بطولات على الأرض، منذ ثورة البراق والشهيد القسام، مرورًا بالانتفاضتين ومعارك السكاكين، وصولًا إلى حروب غزة ومسيرات العودة وكسر الحصار؛ وفي أغلبها كانت النتيجة النهائية أن استبدل الانتصار بتنازل دبلوماسي تحت ضغط ما، وما كان هذا ليحدث لولا حفنة من المنتفعين كانت ترى انتصار الشعب يشكّل لها مأزقًا، تساق إليه كما الموت، فلم يكن مشروعها سوى البقاء على المنافع وعدم تعريض نفسها إلى غضب "رب النعمة" التي قد تعصف بهم، فكل حركة لهم مرتبطة ببطاقة VIP، وكل تحويلة أموال منهوبة أو فاسدة مرتبطة ببنك "هبوعليم"، وكل جواز سفر ورحلة عائلية إلى شواطئ بحرنا المسلوب مرتبط بشسع نعل ضابط ارتباط؛ هنا تكمن المعركة الحقيقية للطاقم القانوني المقاوم للاحتلال.

 

وعودة إلى الانتصار، فإن هذا العدو بالفعل أوهن من بيت العنكبوت، لأنه متخفٍ ببيت عنكبوت، فاليوم ينكشف ودون أن كنا نعلم أنه امتنع عن إخلاء الخان الأحمر خوفًا من أن تكون تلك الخطوة هي القشة التي ستثير محكمة لاهاي كونها اعتداء بشكل صارخ على المنطقة (A)، حيث من الناحية القانونية تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية وفق اتفاق أوسلو (الدولي)، كما تم أيضًا إلغاء جلسة لجنة خطة ضم الأغوار، اللجنة التي يرأسها مدير عام ديوان رئيس الوزراء رونين بيرتس، ومندوبون من وزارة الخارجية، الإدارة المدنية، المستشار القانوني للمناطق، قيادة المنطقة الوسطى وهيئة الأمن القومي، وهدفها تحريك عملية بسط السيادة على الغور وترجمته إلى مشروع قرار في الحكومة أو مشروع قانون يرفع لإقرار الكنيست.

 

ليس إلى هذا الحد فحسب؛ بل في تقديري إن مجرد الاستمرار بالتلويح بهذا الملف في المحكمة الدولية كفيلٌ بأن يجعل ما أدركه نتنياهو من نتائج الغرق في وحل قطاع غزة، أن يدركه "زعران" الاحتلال الذين ما زالوا يطالبون بإعادة الهدوء لسكان المستوطنات المحيطة بغزة، بطريقة القوة والاجتياح والاغتيالات، خصوصًا القادة العسكريين الذين يدركون أنهم سيكونون الضحية في المحاكم الدولية، فهم الذين ستقيّد حركتهم في مطارات العالم؛ وبذلك سيغيب عن طاولة القرار السياسي - وبشكل نهائي - أيّ خطة عدوان واسعة على قطاع غزة.