كشفت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، عن تعذيب ممنهج مارسه المحققون الإسرائيليون خلال الأشهر الفائتة بحق المعتقلين على خلفية عملية "بوبين" في آب الفائت والتي قتل خلالها مستوطنة صهيونية وأصيب مستوطنين أخريين.
هذا التعذيب، الذي حصلت الضمير على كافة الأدلة عليه، كان يجري بعلم القضاة والمستوى الرسمي وقادة الشاباك، مما يجعله يرتقي إلى جريمة حرب يمكن ملاحقة المسؤولين عنها وفقا للقانون الدولي.
وقالت مدير مؤسسة الضمير سحر فرنسيس، خلال مؤتمر صحافي عقد اليوم ( الإثنين 23 ديسمبر) في رام الله، إن الضمير تابعت ملفات 40 معتقلا اعتقلوا منذ 25 أب الفائت على خلفية المشاركة في هذه العملية، وتوصلت إلى وثائق تؤكد أن 95% منهم تعرضوا لكافة أنواع التعذيب، بالرغم أن عدد منهم أتضح فيما بعد عدم علاقتهم بهذه التهمة.
وأوضح حالات التعذيب ما تعرض له الأسير "سامر عربيد" والذي اعتقل في 25 سبتمبر الفائت، وخلال 48 ساعة فقط على اعتقاله نقل الى المستشفى هداسا، بسبب التعذيب المستمر، ولم يتم الإعلان عن ذلك إلا بعد تأكيد الأطباء وجود احتمالية لموته.
التقرير الأولي لحالة العربيد في المستشفى كانت تشير إلى تحلل في العضلات نتيجة التعذيب القاسي والضرب المستمر، والذي أدى إلى فشل كلوي، وكسور إضلاع صدره، وكسور أخرى في جسده.
العربيد خلال عملية التعذيب تم عرضه على قاضي محكمه وقدم إفادته "طوال 30 ساعة الماضية انا أتعرض لضرب مستمر"، ورغم ذلك القاضي قام بتمديد إعتقاله ثمانية أيام إضافية لدى نفس هيئة المحققين.
قسام البرغوثي، المتهم بتنفيذ العملية، لم يكن بعيدا عن هذا التعذيب ولربما أكثر، فكما قالت فرنسيس فإن هناك مؤشرات إلى أنه تعرض لتحقيق خاص، في مكان سري.
وكان البرغوثي خلال إعتقاله تعرض لاعتداء مباشر عليه من كلاب وحدة الاعتقال، وأصيب إصابات حرجة في أماكن حساسة في جسده، وبعد وصوله للمعتقل خضع لعملية جراحية عاملة، ولكن خلال التحقيق كان المحققين يتعمدون ضربه مكان العملية، وبحسب إفادة البرغوثي فإنه طوال فترة التحقيق كان مكان العملية ينزف.
البرغوثي تعرض لتعذيب نفسي أيضا، فقد أعتقلت والدته وخضعت للإقامة الجبرية، إلى جانب اختراق حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام معلومات شخصية من خلالها للضغط عليه.
الطالبة في جامعة بيرزيت ميس أبو غوش تعرضت أيضا للتحقيق عسكري قاسي، بما في ذلك الضرب والصفع والشبح بكل أنواعه.
وما يشير إلى منهجية التعذيب الذي خضع له هؤلاء المعتقلين هو أن المحاكم كانت تمدد اعتقالهم بالرغم من معرفتهم بوقوع التعذيب القاسي ضدهم.
وخلال المؤتمر استعرضت فرنسيس أساليب التعذيب الذي تعرض له هؤلاء الأسرى، وكان أبرزها الشبح بكل أنواعه والتي كان أصعبها "وضعية الموزة" حيث يتم تثبيت الارجل بالكرسي بسلاسل كي لا تتحرك ويكون ظهر الكرسي على الجنب واليدين مكبلتين تحت الكرسي ويضغطون على الصدر الى الخلف ليكون بشكل زاوية منفرجة مع الكرسي بشكل مؤلم جدا لعضلات البطن مع استمرار الضغط على الصدر، ويكون لفترات لا يستطيع الجسم تحملها فيسقط الجسم للخلف على الارض او يسقط على ركبتي المحقق الذي يجلس خلفه.
هذه الوضعية استخدمت مع كل المعتقلين وخاصة العربيد، الذي فقد أظافر قدميه نتيجة لطول ساعات شبحه، والطالبة أبو غوش.
وبحسب فرنسيس فإن هذه الوضعية هي شبيهة بالتعذيب على كرسي الحضانة الذي كان متبعا في السابق وتم اتخاذ قرار بإلغائه في العام 1999 بعد صدور القرار الإسرائيلي بمنع التعذيب ضد المعتقلين الفلسطينيين.
الوضعية الثانية هي وضعية الكرسي الصغير، اكثر وضعيات التعذيب المستخدمة في مراكز التحقيق الإسرائيلية بحق المعتقلين الفلسطينيين، يتم خلالها تكبيل اليدين للكرسي من الخلف وتكبيل القدمين للجزء السفلي من الكرسي.
إلى جانب وضعية كرة السلاسل حيث يُجبر المعتقل على الاستلقاء ارضا على ظهره ويكون مكبل اليدين والقدمين تكون الايدي مقيدة خلف الظهر من جهة الأرض بسلسة حديد طولها نصف متر يقوم المحقق بجعل السلسلة مثل كرة بوسط الظهر ويجلس فوق المعتقل ويدفع بالبطن والصدر للأسفل مما يسبب ألما شديدا بالظهر.
وقالت فرنسيس أن التوقع أن هذه الوضعية هي السبب في تعرض العربيد لكسور متعددة في ضلوعه.
وتحدثت فرنسيس أيضا عن وضعية الشبح على الطاولة وهي تكبيل اليدين من الخلف بقيود ذوات حلقات قريبة على بعضها البعض وتثبيت اليدين من الخلف على طاولة وشد اليدين للخلف والاعلى.
من جهته قال شعوان جبارين، مدير مؤسسة الحق إن الأدلة التي حصلت عليها الضمير تؤكد وجود قرار بتصفية وقتل المعتقلين، رغم كل الادعاءات بالتهم الموجه إليهم، فإن التعذيب يعتبر جريمة تعاقب عليها كل الدول.
وأشار جبارين إلى أن الأدلة تشكل ملف متكامل ونموذجي لجريمة تعذيب يمكن ملاحقة إسرائيل عليها ومحاكمة كل المتورطين بها من قضاء وقادة الشاباك والمستوى السياسي، فكل هذه المستويات كانت على علم بممارسة التعذيب، إلى جانب عدم توفر مقومات المحاكمة العادلة، وهي جريمة إضافية يعاقب عليها القانون الدولي.
وحول طرق هذه الملاحقة، قال جبارين إن كل دول العالم لديها اختصاص بملاحقة المسؤولين عن قضايا التعذيب، بغض النظر عن سبب هذا التعذيب، لذا من الممكن تفعيل هذا الاختصاص أمام القضاء لأي دولة من العالم.
وفي ردها على اتهام النائب في التشريعي خالدة جرار بالمشاركة في هذه العملية، بعد إعلان الشاباك (في 18 ديسمبر) عن افراد الخلية في بيان رسمي، قالت فرنسيس، إن هذا الإعلان هو خرق للقانون، يمنع الإعلان عن التهم للمعتقل قبل تقديم لوائح أتهام بها ومعرفته بها.
وحول مشاركة جرار قالت فرنسيس:" نعتقد أن هذه الملاحقة هي ملاحقة سياسية، ولائحة الاتهام التي وجهت لها تضم أخطاء قانونية كبيرة، وهو ما يثبت محاولات الربط بين العمل السياسي والميداني".
وتابعت فرنسيس إن التسريع في إعلان الشاباك وزج أسم جرار فيه هو رد إسرائيلي على التقرير الحقوقي لمؤسسة هيومن رايتس ووتش والذي تحدثت عن الانتهاكات بحقها خلال اعتقالها السابق، وصدر قبل ذلك بأيام.